وول ستريت جورنال: انسحاب أمريكا من سوريا فرصة ذهبية لتركيا
اعتبرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن الانسحاب الأميركي من سوريا يمثل فرصة قوية لتركيا، لكنه في الوقت نفسه يمثل مخاطرة كبيرة لأنقرة، إذ لم تتورط في المستنقع السوري عسكرياً.
وقالت الصحيفة الأميركية إن قرار ترامب المفاجئ قد يجعل المنطقة برمتها تحت سيطرةٍ عسكرية تركية، كما كان يتوقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
لكن في الوقت نفسه، حذرت الصحيفة الأميركية تركيا بأن هذا القرار قد يتطلب حذراً كبيراً من الرئيس التركي، وأنه يعد مثالاً على ضرورة أن تكون حذراً حيال ما تتمنَّاه.
وبإمكان تركيا، التي كانت تطمح إلى السيطرة على مساحةٍ صغيرة من الأرض على طول حدودها الجنوبية من القوات السورية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، أن تُصبح الآن القوة المحورية داخل سوريا، لتُقيم بذلك محميَّة على أرضٍ واسعة وغنية بالنفط.
تركيا من الانتقاد الأميركي إلى الحليف الاستراتيجي
وبحسب الصحيفة الأميركية، يتوافق هذا القرار مع تطلعات الرئيس أردوغان بشأن القيادة الإقليمية للشرق الأوسط، إذ ستحول تركيا من هدف للانتقاد الأميركي المُتكرر (وحتى العقوبات الاقتصادية) إلى شريكٍ لا غنى عنه داخل سوريا وخارجها، بل إن ترامب قبِل دعوة أردوغان لزيارة تركيا في العام المُقبل (2019).
وقال حسَّان حسَّان، الباحث السوري بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن: «من شأن هذا أن يغير قواعد اللعبة داخل المنطقة، إذا كانت الولايات المتحدة وتركيا جاهزتين للعمل كشريكين. لو أرادت الولايات المتحدة فعل شيءٍ حيال إيران، فإنها بحاجةٍ إلى شريكٍ بالشرق الأوسط، وهذا الشريك يتمثَّل في تركيا، وليس المملكة العربية السعودية».
من المؤكد أنَّ تركيا، التي تُمثل ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي «الناتو» إلى جانب ما تمتلكه من أجهزة دبلوماسية واستخباراتية متمرسة، لديها قدرة أكبر على إظهار قوتها مقارنةً بالمملكة العربية السعودية، الحليف الأول لترامب في الشرق الأوسط، لا سيما بعدما تلطَّخت صورة المملكة السعودية في واشنطن والمنطقة بأكملها، بسبب تورط ولي عهدها في حادثة اغتيال الكاتب المُعارض جمال خاشقجي، وهو الأمر الذي لا يزال يدفع لفرض عقوبات من الكونغرس على الرياض، كما تقول الصحيفة الأميركية.
مرحلة جديدة لتركيا.. ولكن
ومع ذلك، فالتوسع في سوريا يأخذ تركيا إلى مرحلةٍ جديدة لا يُمكن التنبؤ بما فيها بدرجةٍ كبيرة، في الوقت الذي يخطو فيه اقتصادها خطواته الأولى في الخروج من أزمة نقدية ضربته بوقتٍ سابق من هذا العام (2018). وإلى جانب التصدِّي للأكراد، من المرجح أيضاً أن تضطر تركيا إلى التعامل مع مناطق العرب السُّنة في سوريا، حيث لا يزال هناك متعاطفون مع جهادي تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش).
ومن جانبه، قال أوزتوك يلماز، النائب التركي المستقل، والقنصل العام السابق في الموصل الذي كان مُحتجزاً رهينة لدى داعش عام 2014: «في حال انسحبت الولايات المتحدة تماماً وطُلب من تركيا السيطرة على كل تلك المناطق، فسيكون الوضع صعباً. فحتى الولايات المتحدة ليس بمقدورها فعل ذلك بنفسها؛ إذ ستدعو الحاجة إلى وجود قوات محلية تدعم الجيش التركي، وسيتعيَّن على الأطراف الفاعلة الأخرى مُناصرة تركيا».
في الواقع، ربما ينتهي الأمر بتركيا بعقد صفقة مع روسيا والنظام السوري للسيطرة على جزء من الأراضي التي ستُخليها الولايات المتحدة، وترك المناطق الأكثر اضطراباً، مثل الرقة والأراضي الواقعة جنوباً. ويوم الثلاثاء 25 ديسمبر/كانون الأول 2018، قال أردوغان إنَّه سيجتمع قريباً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لمناقشة كيفية مواجهة عواقب قرار ترامب.
وقال أحمد قاسم هان، الأستاذ بجامعة آلتن باش في إسطنبول: «إنَّ هذا الأمر بالتأكيد أكثر مما كان يأمله الجانب التركي. غير أنَّه ما يزال يتوقف على مدى عمق عملياتها في المنطقة وكم من الوقت ستستغرق»
تركيا ومحاولة القضاء على بقايا داعش
ومن جانبه، صرَّح ترامب في تغريدةٍ له على موقع تويتر، بأنَّ أردوغان وعده بـ «إبادة كل ما تبقَّى» من «الدولة الإسلامية» في سوريا، وهو توقعٌ أنَّ تركيا -وليست إيران أو روسيا- ستتولى مسؤولية القضاء على فلول تنظيم داعش.
وبحسب الصحيفة الأميركية، هناك العديد من المخاطر المُحتملة التي بإمكانها أن تُحبط طموحات تركيا داخل سوريا، وتقوِّض العملية التي تجري حالياً لإعادة ضبط سياسة أميركا في الشرق الأوسط. ولكنَّ أكبر مَواطن الغموض في هذا الصدد هو ما ستفعله وحدات حماية الشعب الكردية، التي تُسيطر حالياً على شرق سوريا –والتي تُفضِّل فعلياً أي طرفٍ آخر غير الأتراك ليحل محل القوات الأميركية –في الأسابيع المُقبلة.
وتنظر تركيا إلى وحدات حماية الشعب الكردية باعتبارها عدواً وجودياً لها، لأنَّها قواتٌ تنتسب إلى حزب العمال الكردستاني، وهو حركةٌ شنَّت حرباً انفصالية في شرق تركيا استمرت عقوداً، وتُصنِّفها كل من أنقرة وواشنطن على أنَّها جماعة إرهابية. ويرسل أردوغان منذ أيام، مزيداً من القوات والدبابات إلى الحدود مع سوريا على طول المناطق التي يُسيطر عليها الأكراد.
قال أرطغرل كوركو، النائب التركي السابق والرئيس الفخري لحزب الشعب الديمقراطي، الحزب الموالي للأكراد في البرلمان التركي، إنَّ الانسحاب الأميركي لا يفتح الطريق بالضرورة أمام اجتياحٍ تركي للجيب الكردي بسوريا. وبعد قرار ترامب، أصبحت روسيا وإيران والنظام السوري هم «المحاوِرون الجُدد للأكراد، للتفاوض بشأن مستقبلهم ومستقبل سوريا»، حسبما قال، إذ يسعى الأكراد إلى «حماية مكاسبهم السياسية والاجتماعية في شرق الفرات».
تحسُّن العلاقات بين تركيا وأمريكا
شكَّلت القوات الأميركية روابط وثيقة مع هؤلاء المقاتلين الأكراد في القتال المشترك ضد داعش منذ عام 2014، وأصبحت تنظر إلى مقاتلي وحدات حماية الشعب باعتبارهم حلفاء ورفاق سلاح. كان ذلك أحد أسباب التي دفعت وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، والمبعوث الرئاسي لمكافحة داعش بريت ماكغورك، إلى الاستقالة؛ احتجاجاً على قرار ترامب الانسحاب.
وبحسب الصحيفة الأميركية، يتمثَّل الجانب الآخر لهذا التحول، في التحسُّن الهائل بعلاقات أميركا مع تركيا.
قال سنان أولغن، دبلوماسي تركي سابق ورئيس مؤسسة «إيدام» البحثية في إسطنبول: «إنَّ انسحاب الولايات المتحدة يقضي على نقطة الخلاف الأبرز في العلاقات الثنائية بين البلدين؛ ألا وهي الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية. وسيؤدي هذا بالضرورة إلى تحسين العلاقات بدرجةٍ كبيرة، ونزع فتيل الخطاب السائد المعادي لأميركا في تركيا».
ولعلَّ النتيجة الأخرى غير المقصودة، هي إمكانية أن يؤدي الانسحاب المُخطط له إلى نسف تقارب تركيا مع روسيا وإيران، الذي بدأ، جزئياً، كردٍّ من أنقرة على المعاملة الباردة التي كانت تتلقَّاها من إدراة أوباما، وأيضاً إدراة ترامب، حتى وقتٍ قريب.
قال يشار ياكش، الذي كان أحد وزراء الخارجية لأردوغان: «إنَّ تعاون تركيا مع روسيا وإيران مسألةٌ تتعلَّق بالمصلحة. ومصالحهم في سوريا لا تتقاطع إلا قليلاً».