اتفقا طرفي الصراع اليمني على تبادل الأسرى.. فهل ينجحان في وقف نزيف الدم؟
بدأت في السويد، الخميس 6 ديسمبر 2018، محادثات بين وفدين من الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، وسط تصعيد في مواقف الطرفين، في حين اعتبرها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، «فرصة شديدة الأهمية».
ويعد إقناع الطرفين بالمجيء إلى السويد إنجازاً في حد ذاته، بعد انهيار جولة المحادثات السابقة قبل عامين والتي لم يحضرها الحوثيون.
وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، عند افتتاح المحادثات: «في الأيام المقبلة، ستكون أمامنا فرصة شديدة الأهمية لإعطاء زخم لعملية السلام»، مضيفاً: «هناك طريقة لحل النزاع»، والمجتمع الدولي «موحد» في دعمه لإيجاد تسوية للصراع اليمني.
وذكر غريفيث أن «هذه المحادثات بمثابة مشاورات. نحن لم نبدأ بعدُ عملية المفاوضات».
البداية.. تبادل الأسرى
واتفق الطرفان المتحاربان، على إطلاق سراح آلاف الأسرى، فيما وصفه مبعوث الأمم المتحدة بأنه بداية مبشِّرة لأول محادثات سلام منذ سنوات، لإنهاء الحرب التي دفعت ملايين اليمنيين إلى شفا المجاعة.
وقال غريفيث إنّ تبادل الأسرى، الذي اتفق عليه الطرفان في بداية المحادثات، سيسمح بلمّ شمل آلاف الأسر. وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن 5 آلاف أسير على الأقل سيُفرَج عنهم.
وزادت المعاناة الإنسانية في إحدى أفقر دول العالم من الضغوط على الطرفين المتحاربين لإنهاء الصراع، مع تراجُع ثقة الحلفاء الغربيين بجهود التحالف الذي يقدمون له الدعم والسلاح.
وتجري المباحثات قرب ريمبو في مركز المؤتمرات بقصر يوهانسبرغ، على بُعد 60 كيلومتراً شمال ستوكهولم. وقد فرضت الشرطة طوقاً أمنياً حول الموقع. وذكر مصدر في الأمم المتحدة، أن المحادثات ستستمر أسبوعاً.
اصطحبوا النزاع معهم إلى السويد!
ويترافق انطلاق المفاوضات، التي يرى محللون أنها أفضل فرصة حتى الآن لإحراز تقدُّم على صعيد حل النزاع اليمني، مع أجواء تصعيدية عبَّر عنها الطرفان المتنازعان، إذ شدد وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، الذي يرأس وفد بلاده إلى المحادثات، على ضرورة انسحاب المتمردين من مدينة الحديدة في غرب اليمن ومينائها الرئيسي.
وقال في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية: «يجب على الميليشيات الحوثية الانسحاب بسرعة من مدينة الحديدة ومينائها، وتسليمها إلى الحكومة الشرعية، وبالذات إلى القوات التابعة للأمن الداخلي».
وتهدّد المعارك في الحديدة إمدادات الغذاء التي تأتي عبر ميناء المدينة، ويعتمد عليها ملايين السكان للبقاء على قيد الحياة، في بلد فقير تهدّد المجاعة نحو 14 مليوناً من سكانه، نصفهم من الأطفال، بحسب الأمم المتحدة.
وكتب المسؤول السياسي في حركة المتمردين، محمد علي الحوثي، في تغريدة على موقع «تويتر»: «إذا لم يتم فتح مطار العاصمة اليمنية للشعب اليمني في مشاورات جولة السويد، فأدعو المجلس السياسي والحكومة إلى إغلاق المطار أمام جميع الطيران».
وتابع: «يتحمل مسؤولو الأمم وغيرهم الوصول إلى صنعاء كما يصل المرضى والمسافرون اليمنيون الذين يحتاجون -كما قيل لي- إلى ما يقارب 15 ساعة حتى يصلوا براً».
وتضرّر مطار صنعاء جراء الغارات السعودية، وهو مغلق منذ منذ 3 سنوات، نتيجة سيطرة التحالف العسكري، بقيادة السعودية والداعم للقوات الحكومية، على أجواء اليمن.
آمال ضئيلة
وكان غريفيث توجه شخصياً إلى صنعاء، لاصطحاب وفد الحوثيين، الذي وصل معه إلى السويد مساء الثلاثاء 4 ديسمبر 2018، في طائرة خاصة كويتية.
ولم يحدّد محلّلون ومصادر الأمم المتحدة أهدافاً طموحة لهذه المحادثات، التي قالوا إنّ الهدف منها هو «بناء الثقة» بين الطرفين، إلا أن غريفيث يسعى للاتفاق على إعادة فتح مطار صنعاء، ودعم البنك المركزي، وضمان هدنة في ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين والذي أصبح محور الاهتمام في الحرب بعد أن شن التحالف حملة لانتزاع السيطرة عليه هذا العام (2018).
وقد يؤدي ذلك إلى وقفٍ أوسع لإطلاق النار، وتوقُّف الغارات الجوية التي يشنها التحالف والتي يقال إن آلاف المدنيين قُتلوا فيها، وكذلك توقف الهجمات الصاروخية التي يشنها مقاتلو الحوثي على مدن سعودية.
وقال مصدر بالأمم المتحدة، إن الطرفين ما زالا بعيدَين عن الاتفاق على المسائل الثلاث، خاصة بشأن من عليه أن يدير ميناء الحديدة، وما إذا كان على الحوثيين مغادرة المدينة بالكامل. وأضاف المصدر: «الحُديدة معقدة جداً».
وتحاول الأمم المتحدة تحاشي شن هجوم شامل على الحديدة، مَنفذ دخول معظم البضائع التجارية والمساعدات الإنسانية إلى اليمن. وقد عزز الجانبان مواقعهما بالمدينة المطلة على البحر الأحمر، في معارك متفرقة، بعد تهدئة في الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني 2018).
والسبيل الرئيس الآخر لدخول الحديدة والخروج منها هو مطار صنعاء، لكن استخدامه مقيد، بسبب سيطرة التحالف الذي تقوده السعودية على المجال الجوي.
وقال مصدر في الوفد الحكومي إنّ الرئيس اليمني، عبد ربّه منصور هادي، يريد الحصول على خرائط الألغام التي زرعها الحوثيون في اليمن.
وقالت مصادر بالجانبين، إنّهما سيطالبان بوقف إطلاق النار، على أن يبدأ الطرف الآخر به، وبفتح ممرّات إنسانية.
وصرح مصدر دبلوماسي في مجلس الأمن الدولي، بأن لديه «آمالاً ضئيلة جداً» في أن تفضي هذه المحادثات إلى تقدُّم ملموس.
وفشلت مساعٍ سابقة، قام بها غريفيث، لعقد مفاوضات سلام في سبتمبر 2018، بجنيف، بسبب رفض الحوثيين مغادرة صنعاء في غياب ضمانات بالعودة إليها، وبسبب مسألة إجلاء مصابين من الحوثيين إلى عُمان.
وانهارت جولة سابقة من محادثات السلام بين الحوثيين والحكومة اليمنية في 2016، بعد الفشل في التوصل إلى اتفاق على تشارك السلطة، عقب 108 أيام من المفاوضات في الكويت. وبقي ممثلون عن الحوثيين عالقين في سلطنة عمان 3 أشهر.
اهتمام مختلف هذه المرة بالحوار بين طرفي الصراع
وشهد الوضع في اليمن المزيد من التدهور في الأشهر الأخيرة، لا سيما مع تصاعُد أعمال العنف بمدينة الحديدة الساحلية التي يسيطر عليها المتمردون.
وتقول الأمم المتحدة إن نحو 80% من سكان اليمن، البالغ عددهم نحو 24 مليون نسمة، «بحاجة الآن إلى شكل من أشكال الرعاية والمساعدة الإنسانية».
ويهتم المجتمع الدولي بتلك المحادثات هذه المرة؛ على أمل وقف الأزمة الإنسانية المرشحة للتفاقم في 2019، إذ يضغط نواب بالكونغرس الأميركي على إدارة الرئيس دونالد ترامب، لوقف تقديم الدعم إلى التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، ويخوض نواب جمهوريون وديمقراطيون بمجلس الشيوخ الأميركي معركة لإنهاء الدعم الأميركي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن.
في حين رحبت حكومة الإمارات، الشريك الرئيسي في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، بالمحادثات اليمنية، وكتب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في تغريدة باللغة الإنكليزية على حسابه بموقع تويتر: «نعتقد أن السويد توفر فرصة حاسمة للانخراط بشكل ناجح، في حل سياسي باليمن».
وقال الوزير الإماراتي إن «حلاً سياسياً مستداماً بقيادة يمنية يوفر أفضل فرصة لإنهاء الأزمة الحالية». لكنه أضاف: «لا يمكن أن تتعايش دولة مستقرة وهامة للمنطقة مع ميليشيات غير قانونية. قرار مجلس الأمن الدولي 2216 يقدم خارطة طريق قابلة للتطبيق».
وعبّرت إيران، التي تدعم حركة الحوثي، عن دعمها المحادثات بين طرفي الصراع، وقال وزير الخارجية محمد جواد ظريف: «على جميع الأطراف الدخول في حوار بنَّاء ومسؤول لإنهاء الأزمة في اليمن… العالم لديه مسؤولية تاريخية لدعم الحوار، عبر أمور، منها وقف تسليح المعتدين».
وبدأت حرب اليمن في 2014، ثم تصاعدت مع تدخّل السعودية على رأس تحالف عسكري في مارس 2015، دعماً للحكومة المعترف بها، بعد سيطرة المتمردين الحوثيين على مناطق واسعة، بينها صنعاء.
وقُتل نحو 10 آلاف شخص في النزاع اليمني منذ بدء عمليات التحالف، في حين تهدّد المجاعة نحو 14 مليوناً من سكان البلاد.