ما مدي عمق الأزمة في إيران؟
تحاول بعض الأسر والعائلات الإيرانية أن تبدو طبيعية في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وتمارس نوعا من الحياة المرفهة والمرحة، كما هو حال لامال تشينار وأطفالها، بعيدا عن زحمة وتلوث العاصمة طهران.
لكن تحت السطح، ثمة الكثير مما يثير قلقها، كغيرها من المواطنين الإيرانيين، بعد موجتي العقوبات الأميركية الأخيرتين على إيران، اللتين استهدفتا النظام أساسا بسبب مواصلته تطوير أسلحته الصاروخية الباليستية والنووية، وتدخله في شؤون دول الجوار ومحاولة زعزعة استقرارها، ودعم تنظيمات وأحزاب مسلحة خارج إيران بالأموال، بدلا من توجيهها إلى الداخل الإيراني.
أزمة الدواء.. صناعة إيرانية
تجتاح إيران أزمة دواء خانقة، فالكثير من الأدوية لم تعد موجودة في الصيدليات والمستشفيات، إذ تصطف طوابير المرضى أمام صيدليات المستشفيات، وربما لا يحالفهم الحظ في الحصول على الدواء.
ومشتريات إيران من الأدوية وما شابهها، معفاة من العقوبات الأميركية، كما كان الحال إبان المقاطعة الاقتصادية الأولى، التي رفعت بعد التوصل إلى الاتفاق النووي مع الدول الغربية عام 2015.
من ناحية ثانية، دفعت المخاوف من العقوبات الإيرانيين إلى طلب الشراء على الكثير من المنتجات قبل بدء العقوبات، وأثار هذا الأمر اضطرابا في الأسواق الخارجية ولم تعد قادرة على الاستجابة للطلبات الإيرانية، ولذلك، بات الحصول على الأدوية وبعض السلع أمرا نادرا وصعبا للغاية، ناهيك عن ارتفاع أسعارها بشكل جنوني.
ويبدو أن إيران تحاول تسويق هذه الصورة، أي أزمة الدواء، أمام الإعلام الغربي، مع العلم أن الأدوية والأجهزة الطبية معفاة من العقوبات الأميركية.
وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لصحيفة “الغارديان” البريطانية “إن الولايات المتحدة فرضت عقوبات مالية على إيران، وعندما تريد تحويل الأموال، فإن البنوك لا تسأل إلى جهة يتم تحويلها، لذلك فإن العقوبات طالت الدواء والغذاء أيضا”.
وأضاف ظريف أن “العقوبات في نهاية المطاف دائما ما تطال المواطن العادي”. غير أن المبعوث الأميركي الخاص لتنسيق العقوبات على إيران، بريان هوك، قال، في تصريحات صحفية، إن الولايات المتحدة “لم تستهدف الدواء والأجهزة الطبية في العقوبات على الإطلاق، والمسألة هي أن النظام الإيراني يحاول إساءة وصف الإعفاءات الإنسانية، من أجل صرف الأنظار عن الفساد وسوء الإدارة في بلاده”.
وهكذا، فإن النظام الإيراني حول الأزمة إلى المواطن الإيراني العادي، وخلق في وجهه أزمة ينشغل بها عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي أصبحت جزءا من حياة الناس العاديين.
وتقول لامال إنها لا تستطيع الحصول على الأدوية لوالدتها، التي تعاني من مرض في القلب، ولا أدوية الكوليسترول لها، ولا يمكنها أيضا تحويل الأموال من وإلى إيران.
وتضيف: “شقيقي لديه تأشيرة عمل إلى فرنسا، ويحضر معه أكبر كمية ممكنة من الأدوية عندما يعود، نحن محظوظون، لكن الكثير من الناس العاديين الآخرين لا يمكنهم السفر إلى الخارج، وتراهم يتنقلون من صيدلية إلى أخرى وغالبا من دون أن يحصلوا على الدواء. الأمر مؤلم”.
أما الطبيبة زهرة طالبي، فقالت للغارديان: “لدينا أسوأ معدلات للإصابة بالسرطان في العالم، ويعود ذلك إلى سببين، جزئيا إلى النظام الغذائي، لكن الأهم من ذلك هو التلوث”.
وأضافت أن إيران تنتج العديد من الأدوية، لكن هناك نقصا حادا، والقليل من الناس يراجعون الأطباء لإجراء فحوص طبية، وإذا ما تم تشخيصهم بالمرض، فإنهم لن يستطيعوا الحصول على الأدوية.. إنها معاناة الإنسان العادية.
وفي المستشفيات تجد طوابير من المرضى الذين يراجعون أكثر من مرة من أجل الحصول على الدواء، وغالبا لا يفلحون بجهودهم.
تعقيد الوضع
وما يساهم في تعقيد الوضع أكثر، ذلك القرار الذي اتخذته مؤسسة “سويفت”، المسؤولة عن نظام الدفع المصرفي العالمي ومقرها في بلجيكا، من خلال تجنب التعامل مع بعض البنوك الإيرانية، بضغوط أميركية.
وتعمل لامال من طهران مبرمجة لصالح إحدى الشركات في كندا، ولا يمكن لأي بنك دولي أن يوافق على تحويل الأموال إلى إيران، ولا حتى أن يلمسها، لذلك من أجل تحصيل راتبها الكندي، عليها أن تلجأ إلى السوق السوداء، حيث خطر تبخر معظم راتبها، ولذلك فإنها تقوم بتحويل مبالغ بسيطة بين الحين والآخر، وهو أمر آخر يكلفها الكثير من الأموال.
وبصرف النظر عن السبب، فالأزمة الاقتصادية تبدو واضحة في طهران، فأسعار الشقق الأقل من عادية ارتفعت بصورة جنونية، وارتفع معدل التضخم السنوي حوالي 37 في المئة، بينما انخفض سعر صرف الريال أمام الدولار أكثر من 75 في المئة منذ أواخر 2017.
ونتيجة لذلك، أصبح أكثر من 3 ملايين عامل من طهران، يعيشون في مدن صغيرة على بعد أميال من العاصمة، الأمر الذي يساهم أكثر في زيادة التلوث والضغط على الطرق في طهران.
وعبر إيرانيون عن مشاعر الألم والخوف، والجميع يرغب بمغادرة إيران، والوصول إلى تركيا إن أمكنهم ذلك، مثل صاحب المطعم أمير علي الذي قال للغارديان: “نحن يائسون.. لم تعد هناك وظائف.. وإذا خرجت للاحتجاج سوف يقتلونك”، في إشارة للقمع الذي قد يواجهونه من السلطات.
يشار إلى أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يتقلص حجم الاقتصاد الإيراني بنسبة 1.5 في المئة هذا العام، و3 في المئة في العام المقبل، في حين كان يتوقع قبل العقوبات أن ينمو بنسبة 4 في المئة.