لماذا يجعل إنستجرام حياة مستخدميه بائسةً وكئيبة؟
كان يفترض أن يكون منصة لعرض الصور الخلابة بصرياً. ولكن شيئاً فشيئاً، فإن إنستجرام أصبح منصة للقذف والشتائم بين الغرباء وأحياناً الأصدقاء.
شكل التطبيق العالمي للبعض مصدرَ كآبة وغيرة اجتماعية، فتحت أبواباً للتعليقات الفظة والتطاول. ثم تحولت حياة الناشر والمعلّق إلى تجربة غير ممتعة، عكس هدف التطبيق كلياً.
قبل عدة أيام، ضجَّت شبكة الإنترنت بتعليقات بذيئة، حين نشرت مدوِّنة للموضة، تبلغ من العمر 24 عاماً، وتدعى سكارليت ديكسون، صورةً لها وهي تتناول طعام الفطور.
كتبت سكارليت أسفل الصورة على صفحة إنستغرام الخاصة بها باسمscarlettlondon: «أفضل الأيام هو اليوم الذي نبدأه بابتسامه وتفكير إيجابي، لا سيما ونحن نتناول فطائر البان كيك والفراولة».
بدت بمظهر مثاليّ وهي تجلس على سرير مرتب منذ لحظات، ومحاطاً ببالونات من الهيليوم على شكل قلب.
سرعان ما أعاد المغردون على شبكة تويتر نشر هذا المنشور، وكان برعاية غسول الفم Listerine، فقد ظهرت الزجاجة واضحة في جانب الصورة.
كتب Nathan من مدينة كارديف: «اللعنة! هل هذا صباح عادي لأي شخص! انستغرام عبارة عن ورشة لصناعة الكذب السخيف، صُمِّم ليجعلنا جميعاً نشعر بالنقص».
حصل منشوره على أكثر من 111 ألف إعجاب (22 مرة ضعف ما حققه منشور سكارليت)، وأعيد نشره على تويتر حوالي 25 ألف مرة.
وأثار موجةً من الانتقادات إلى جانب التعليقات القابلة للنسخ، مثل «حياة زائفة!» و «غير متزنة» و «هيا نفقع البالونات» و «من يضع غسول الفم Listerine على الطاولة بجانب سريره؟ القتلة المحترفون».
Fuck off this is anybody’s normal morning.
Instagram is a ridiculous lie factory made to make us all feel inadequate. pic.twitter.com/arV7uCusiJ— Nathan (@hintofsarcasm) August 31, 2018
إنستجرام أصبح منصة للقذف والشتائم بين الغرباء وأحياناً الأصدقاء
هذا المناخ العدائي ليس غريباً على تويتر. أصبحت الشبكة الاجتماعية بؤرة سيئة السمعة تضم غرباء متطاولين يقذفون بالشتائم غرباء متطاولين آخرين، ليجتمع الفريقان من آن لآخر على التنمّر على أحد المشاهير، عندما يتعرَّض لسقطة طفيفة.
وعلى النقيض، يُعد إنستغرام هو الشبكة الاجتماعية الأكثر لطفاً على الإطلاق. إنه مجتمع يُدار بصرياً حيث تتمثل الطريقة الأساسية للتفاعل في النقر المزدوج على صورة لإبداء الإعجاب بها.
وتتسم المنشورات التي تنتشر على نطاق واسع بالإيجابية أكثر منها بالإساءة، وحيث تكون الكثير من الحسابات الكبيرة هي حسابات لمشاهير الكلاب والقطط، إذن ما الذي يمكن ألا يعجب المتابعين في ذلك؟
يشجع على تقديم صور جذابة قد يراها الآخرون مضلِّلة
ولكن بالنسبة للعدد المتزايد للمستخدمين، وبالنسبة لخبراء الصحة النفسية أيضاً، أضحت هذه الإيجابية في حد ذاتها مشكلة، وفق ما نشرت صحيفة The Guardian.
يشجع الموقع المستخدمين على تقديم صور جذابة ومبهجة قد يراها الآخرون مضلِّلة ومضرَّة. فإذا كان الفيسبوك يظهر جميع الناس على أنَّهم ممللون، وتويتر يبرهن على بشاعة الجميع، فإنّ إنستغرام يجعلك تشعر أنّ الجميع مثاليون، فيما عداك أنت.
والبعض يتخذ من «عدم الواقعية» فرصة للتطاول والإيذاء اللفظي
بعد أيام من نشر سكارليت لمنشورها الأصلي على إنستغرام، أشارت إلى مفارقة، أنَّ هذا التخوّف من أنّ عدم واقعية الشبكات الاجتماعية يؤذي الناس، كان يُستخدم لتبرير مهاجمة الآلاف لها.
وكتبت في منشور لاحق أسفل صورة لها بينما تمسك المثلجات في مدينة البندقية الإيطالية: «في كل مرة أُحدّث فيها صفحتي، تتدفق مئات من الرسائل البذيئة على إنستغرام وتويتر واليوتيوب، وتحتوي بعض منها تهديدات شريرة بالقتل. وهناك الآن مئات الآلاف من التغريدات التي تدور على الإنترنت للتشهير بي».
وأضافت سكارليت: «صفحتي ليست مكاناً لأعرض فيه حياتي الواقعية. أقصد من يمكنه قضاء وقته في مثل تلك المدينة الجميلة، جلس على سور الكورنيش ممسكاً بالمثلجات في يده وابتسامته تعتري وجهه باستمرار، الأمر مرتّب له يا شباب. أنا شخصياً لا أخال المحتوى الذي أعرضه مضراً للشابات، ولكنني أوافق على أن إنستغرام يمكن أن يقدم توقعات خاطئة للناس، ليسعوا وراء الارتقاء إلى مستوى المعيشة ذلك».
لكن سواء كان حساب سكارلت له أثر سيئ أم لا، هناك تأييد متزايد لفكرة أن إنستغرام ليس جيداً للصحة النفسية لمستخدميه.
وقد يصل الأمر إلى حدِّ الإصابة بالـ «فومو»
في العام الماضي 2017، أجرت الجمعية الملكية للصحة العامة، وهي مؤسسة خيرية مستقلة تسعى لتحسين معيشة الأشخاص، مسحاً على نطاق المملكة المتحدة، للأعمار التي تتراوح بين 14 حتى 24، وسألتهم عن أكبر 5 منصات للشبكات الاجتماعية: تويتر، وفيسبوك، ويوتيوب، وإنستغرام، وسناب شات.
صنّف الشباب كيفية استخدامهم تلك المنصات، وكيف أنَّ لذلك أثراً على كل شيء، بداية من طبيعة النوم ووصولاً إلى إصابتهم بحالة الـ «فومو»، وهي الخوف من فوات ما يستمتع به الآخرون.
حلَّ إنستغرام في المرتبة الأخيرة، محققاً تقديراً سيئاً بشكل خاص بالنسبة لتأثيره على النوم وصورة الجسم والتسبب في حالة الفومو.
جاء السناب شات في مرتبة قريبة من الإنستغرام نظراً لطبيعته السلبية، ونجا من أن يكون الأكثر سوءاً بفضل تأثيره الأكثر إيجابية على العلاقات في العالم الحقيقي.
بينما حقَّق اليوتيوب تقديراً إيجابياً على كل المعايير تقريباً، باستثناء تأثيره على النوم، الذي حاز فيه أسوأ تأثير من بين جميع المنصات.
المشكلة الحقيقية في التصفح الذي لا نهاية له دون تفاعل
قال نيام ماكداد، رئيس الجمعية الملكية للصحة العامة: «يبدو الإنستغرام، في ظاهره منصة لطيفة للغاية. ولكن التصفح الذي لا نهاية له دون الكثير من التفاعل لا ينتج عنه في الواقع تأثير إيجابي كبير على الصحة النفسية والمعيشة. أنت كذلك لا تتحكم بالفعل فيما تشاهده. وفي كثير من الأحيان تشاهد صوراً تدعي أنها تعرض لك الواقع، ولكنها ليست كذلك. وهذا له تأثير ضار بشكل خاص على الشباب والشابات».
غالباً ما يُسلّط الضوء على خطر تكوين صورة ذهنية غير صحية عن الجسم، ولكنَّ ماكداد يؤكد أنَّ ذلك مجرد جانب واحد فقط.
ويقول: «قد يشاهد بعض الأشخاص صفحات مخصصة للسيارات، مما يمنحهم شعوراً بالأسى والاكتئاب، لعدم قدرتهم على تحمل تكلفة شرائها».
وفي مراقبة الآخرين الذين كانوا أحباءً أو أصدقاء
بالنسبة لستيفن، وهو شاب في الرابعة والعشرين من عمره، من مدينة لندن، قاده غياب الواقعية إلى تبني سلوكيات غير صحيّة على شبكة الإنترنت.
ويقول: «كنت أمر بفترة عانيت فيها من الشعور بانكسار القلب، وكان مجرد مروري باسم صاحبتي السابقة يقتلني. كنت غارقاً في أحزاني ووجدت نفسي غالباً ما أستخدم الإنستغرام إما لـ «معاقبة» نفسي بمشاهدة صديقتي، أو أتصفح لأصرف انتباهي، ولكن كان يعرض أمامي المزيد».
وأضاف: «وصلت إلى مرحلة غذّت فيّ عادة غير صحية (تنطوي على تكوين وجهة نظر مشوهة عن النساء) وأن أغرق في أحزاني أكثر». ثم أخذ ستيفن استراحة من استخدام التطبيق لمدة عام، كتب خلالها رسالة علمية عن تأثيراته الضارة على العافية والرضا عن الجسد.
ويقول: «تكمن مشكلة إنستغرام في أنَّك، على سبيل المثال لا الحصر، تشارك محتوى يهدف إلى التأثير إيجابياً عليك. ف
ي حين أنك ترى على تويتر والفيسبوك محتوىً ينم عن الطرف المناقض تماماً للمثالية، يخالف المحتوى الذي تسعى من خلاله لإظهار حياتك بمظهر رائع أمام الآخرين».
الكل متهم بمشاركة جوانب غير حقيقية عن حياته
يسهم جميع المستخدمين تقريباً في زيادة اشتعال الأزمة. فرغم أنّ البؤس يضرب حياتنا بسبب الحياة غير الواقعية التي نشاهدها، فنحن أيضاً نشارك جانباً غير حقيقي من حياتنا.
يقول عدنان، 25 سنة، وهو سوري يعيش في كيب تاون: «اشتركت في الإنستغرام منذ 2013، وفي البداية استمتعت به. ولكن بمرور السنوات، تحوّل من كونه بيئة لطيفة حيث ينشر الناس صوراً لطعامهم، إلى منصة اجتماعية تنافسية حيث يصفي الجميع أحداث حياتهم لعرض حياة لا وجود لها. لا أحد يتمتع بمظهر جيد طوال الوقت، ولا أحد سعيداً طوال الوقت. وعندما تسوء أوضاعي، أشعر حقاً بالإحباط عندما أرى أشخاصاً آخرين يعيشون حياةً (مثالية)».
ومع ذلك، أردف عدنان: «أنا أيضاً أشعر بالذنب عندما أحاول إظهار الجانب الأفضل من حياتي للآخرين».
دائماً ما كان إنستغرام عالم المثالية.. إذن ما الذي تغير لتثور مثل تلك الردة العنيفة؟
يلوم البعض مقدمة الخط الزمني الخوارزمي لإنستغرام في منتصف عام 2016. كان ذلك واحداً من أكبر التغييرات التي طرأت على المنصة منذ أن اشترتها شركة Facebook عام 2012.
فبدلاً من العرض المتقاطع لما يفعله الناس في أي لحظة من حياتهم للمستخدمين المتابعين لهم، بدأ إنستغرام في تعبئة الصفحة بالمنشورات الأكثر تفاعلاً لتلك الحسابات، وعادة ما يختار منشورات تعود لأيام أو حتى أسابيع لعرض محتوى ذي طابع آسر بشكل خاص.
في واقع الأمر، بدأت تلك الخدمة في الترويج لجانب غير مقنع ومنسق لمنشورات كانت في الأساس غير واقعية ومنسقة.
الخط الزمني الخوارزمي من فيسبوك أفسده
كتبت تاليا ستون، وهي إحدى المدوِّنات المختصة بالأبوة والأمومة على مدونة Motherhood: The Real Deal، تقول: «لفترة طويلة، كان إنستغرام واحداً من المنصات التي يتسم فيها التفاعل بأنه حقيقي. ثم اقتحمه الخط الزمني الخوارزمي وأفسده. إن الهدف الأساسي من تلك المنصات الاجتماعية هو أنه من المفترض أنها تعزز التواصل الاجتماعي، ولكنها مع ذلك، وبشكل غريب، تعتمد على خط زمني خوارزمي يبدو وكأنه يعمل ضد الفكرة في جوهرها».
تعتبر فيكتوريا هوي، وهي مديرة مدونة Lust Listt عن نمط الحياة، أن هناك مشكلة أخرى تؤثر على مستخدمي إنستغرام «المحترفين»، الذين يقتاتون (أو يأملون أن يقتاتوا) من الإعلان والرعاية.
وقالت: «يخلق الخط الزمني الخوارزمي الجديد منافسة على الظهور والشعبية بين المستخدمين، إذ يلجأون إلى اتخاذ قرارات تجارية غير أخلاقية، بهدف الحفاظ على مكانتهم في أعلى التسلسل الهرمي بالمنصة».
وشراء المتابعين والمعلّقين والمعجبين لم يساعد
بدأ المستخدمون المجردون من المبادئ بشراء متابعين وتعليقات وإعجابات، في محاولة لخداع الخط الزمني الخوارزمي، إذ شدّد إنستغرام الخناق على أولئك المستخدمين الذين شكلوا «مجموعات تعليق» سرية، لمشاركة «كل منشور مع بعضهم البعض بهدف خلق مشاركة فورية و(حقيقية)».
ورغم أنَّ الشخصيات المؤثرة مثل سكارليت تحصل على نصيب الأسد من اللوم، على وباء غير الواقعية على الإنستغرام، ولكنه متفشّ حتى الجذور بين «مشاهير الإنستغرام».
لذا تواصل مع من يهمك أمرهم فقط
في كل مرة تفتح فيها التطبيق، تنهال معلومات لا حصر لها من الأصدقاء والعائلة، وهم يقومون بأشياء مذهلة ويقضون أوقاتاً رائعة من دون المتصفح.
وقد يعرض أحد الأصدقاء صور زفاف لم يدعك إليه، أو قد ترى ذلك الصديق الذي يبدو رائعاً بعد كل تمرين ويحرص على إبراز ذلك للجميع. في تلك الأثناء، لا يفعل المتصفح شيئاً يذكر سوى أن ينكب على الإنستغرام.
يستشهد البعض بالحكمة التقليدية التي توصي بإلغاء متابعة الشخصيات المؤثرة، الذين يعرضون المستلزمات التجارية لبيع حياة مثالية، وتكريس التطبيق للتواصل مع الأصدقاء الذين تهتم لأمرهم فقط.
والبعض يقول: لا تترك إنستغرام، ولكن توقف عن متابعة الأشخاص
بينما يقدم آخرون نصائح عكسية تماماً، مجادلين بأنَّ المشكلة تكمن في عدم متابعة ما يكفي من الشخصيات المؤثرة.
وكانت الشركة كتبت على مدونتها العامة، العام الماضي 2017، «عندما يقضي الأشخاص الكثير من الوقت في استهلاك المعلومات بشكل سلبي، مثل قضاء الوقت في القراءة دون التفاعل، تزداد حالتهم النفسية سوءاً بعد ذلك».
وهناك خيار آخر يتمثل في اتباع توجيهات الجمعية الملكية للصحة العامة. كجزء من «سبتمبر/أيلول بلا منصات» تشجع المؤسسة الخيرية المستخدمين على تحديد أي هدف، بدءاً من الإقلاع التام المفاجئ، ووصولاً إلى التوقف عن التصفح ببساطة في أوقات معينة، مثل أثناء الوجود في غرفة النوم أو أثناء تناول الطعام.
هناك احتمالية أخيرة واحدة، يقترحها البعض: لا تترك إنستغرام، ولكن توقف عن متابعة الأشخاص.