كيف وأين سينفذ الحرس الثوري انتقامه الساحق كما هدد بعد هجوم الأهواز؟
أدَّى هجوم الأهواز الذي استهدف عرضاً عسكرياً لقوات الحرس الثوري الإيراني، إلى تصعيد التوترات بين إيران ودول الخليج وحليفتها أمريكا. وركَّز المسؤولون الإيرانيون، بما في ذلك المرشد الأعلى في البلاد آية الله علي خامنئي، اللوم على السعودية والإمارات والولايات المتحدة في المسؤولية عن هجوم الأهواز.
ونقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية، عن آية الله خامنئي قوله: «هذا العمل الجبان نفَّذه أولئك الذين تنقذهم أميركا أينما تورَّطوا في سوريا والعراق، وتمولهم السعودية والإمارات».
وكانت إدارة ترمب تبنَّت نهجاً متشدداً ضد إيران، فانسحبت من الاتفاق النووي، وفرضت عقوبات أضرَّت بالاقتصاد الإيراني المتعثر أصلاً.
وتتصادم السعودية والإمارات مع إيران بشأن قضايا عدة في المنطقة أبرزها اليمن وقطر وسوريا. ومن المتوقع أن تكون تلك الصراعات محط تركيز أساسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تنعقد في الأسبوع الجاري.
ويمثل المقطع الذي التُقِط في مقطع فيديو نُشِر على الشبكات الاجتماعية، ضربةً مُهينة لإيران، وتحديداً حرسها الثوري الذي يمثل نخبتها العسكرية، حسب وصف تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
وأظهرت صورة متداولة على نطاقٍ واسع على موقع فيسبوك أفراداً من الفرقة العسكرية التابعة للحرس الثوري -كانوا يرتدون أوشحةً ذات ثلاثة ألوان ويحملون آلات موسيقية- وهم يختبئون أثناء الهجوم في مجرى لتصريف المياه.
وقالت الروايات الإخبارية الإيرانية، إنَّ عدد المهاجمين كانوا 4 على الأقل، تنكَّروا في بزّات عسكرية إيرانية، وهاجموا من خلف مدرجات المشاهدين في العرض. وقالت الروايات إنَّ ثلاثة منهم قُتِلوا بينما ألقي القبض على الرابع.
داعش يتبناها وخصوم إيران الإقليميون والدوليون لم يعلقوا
تبنَّت جماعة عربية انفصالية مسؤولية هجوم الأهواز، لكنَّ إيران قالت إنَّ المهاجمين تلقَّوا دعماً من السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأميركية.
وتعهَّد مسؤولون إيرانيون، يوم الإثنين 24 سبتمبر، بالانتقام من الدول الثلاث إلى جانب إسرائيل.
وتبنَّت ما يُعرف بـ «المقاومة الوطنية الأهوازية»، وهي مجموعة غير معروفة لها جذور بين الأقلية العربية في إيران، مسؤولية هجوم الأهواز الذي وقع السبت.
ولكن تبنَّاه كذلك تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، ولو أنَّ صلات التنظيم بالهجوم غامضة. ويُعَد هذا هو الهجوم الأسوأ داخل البلاد منذ اعتداءٍ تبنَّاه داعش على البرلمان في العام الماضي 2017.
ومدينة الأهواز هي عاصمة محافظة خوزستان، الواقعة جنوب غربي إيران، حيث يعيش الكثير من عرب البلاد.
وبحسب وكالة إرنا، نشر داعش مقطع فيديو قال إنَّه يُظهِر ثلاثة من مقاتليه في طريقهم لشنِّ الهجوم. وكان اثنان من المقاتلين يتحدثون العربية بلكنة عراقية.
وجاء تبنِّي داعش للمسؤولية عن هجوم الأهواز عبر بلاغاتٍ نشرها على وكالة «أعماق» التابعة له، التي نشرت كذلك فيديو المقاتلين. لكنَّ الفيديو لم يذكر فيه صراحةً، أنَّ المهاجمين ينتمون إلى داعش، ولم يبايعوا قائد التنظيم، أبوبكر البغدادي، كما كان يحدث عند تبنِّي التنظيم هجماتٍ أخرى من قبل.
وها هو الحرس الثوري يتعهَّد بانتقام ساحق
وبحسب وكالة أنباء العهد، التي يديرها حزب الله اللبناني الموالي لإيران، قال نائب قائد الحرس الثوري حسين سلامي، في خطابٍ ألقاه يوم أمس بمراسم جنازة لضحايا الهجوم: «رأيتم انتقامنا من قبل. وسترون أنَّ ردنا سيكون ساحقاً ومدمراً، وستندمون على فعلتكم».
ولم يقدم المسؤولون الإيرانيون أي دليل يدين البلدان التي اتهموها بأنَّها وراء هجوم الأهواز. وأصدرت الولايات المتحدة والإمارات بيانين يرفضان الاتهامات.
لكنَّ الهجوم أتى في وقتٍ سريع التقلُّب تشهده علاقات إيران بهذه البلدان.
وصبَّ الأكاديمي الإماراتي البارز عبدالخالق عبدالله الزيت على النار، بقوله إنَّ هجوم الأهواز كان جزءاً من مسعى لنقل المعركة مع إيران إلى داخل البلد.
وأشار عبدالله، الذي يُوصَف كثيراً بأنَّه مستشار لحكومة الإمارات وأحد المُقرَّبين من ولي عهد أبوظبي، إلى دعمه الهجوم في تغريدةٍ نشرها على حسابه بموقع تويتر السبت، قال فيها: «هجوم عسكري ضد هدف عسكري ليس بعملٍ إرهابي».
واستدعت وزارة الخارجية الإيرانية المبعوث الإماراتي للشكوى من تصريحات عبدالله، وحذَّرت في بيانٍ لها من أنَّ الإمارات «ستكون مسؤولة عن الأفراد التابعين للوكالات الرسمية الإماراتية، الذين يُظهِرون دعماً واضحاً للأعمال الإرهابية».
لكي يمحو من الأذهان صورة جنوده وهم يهربون
الحرس الثوري، وهي ميليشيا من قوات النخبة تعمل باستقلالية عن الحكومة الإيرانية، ملزمة بالرد بقوة على مثل هذه الإهانة العلنية، حسبما قال محللون.
فقد قال أحمد موصلي، الخبير الإقليمي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت: «سيسعون لردٍّ قوي لعلاج الصورة الفظيعة التي خلَّفها عنهم هذا الهجوم، صورة أنَّهم يفِرُّون هاربين، ويسقطون على الأرض، وما إلى ذلك.
وأضاف: قد يُصحِّحون ذلك بضربة عسكرية قوية في مكانٍ ما».
ولكن الانتقام لا يعني بمواجهة عسكرية مباشرة
غير أن موصلي يقول إنَّه يشك في أنَّ الحرس الثوري سيُخاطِر بمواجهة عسكرية مباشرة مع الإمارات أو السعودية.
ورأى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت، أن الردَّ على هجوم الأهواز سيكون على الأرجح في سوريا أو العراق.
وأضاف موصلي أنَّ هجوم الأهواز، رغم كونه محرجاً «يُظهِر أنَّ الخليج والولايات المتحدة يستهدفان إيران الآن، ويمنح طهران ذريعة لاستعراض قوتها العسكرية».
واللافت هو موقف محامي ترمب الذي صرَّح به أمام معارضين إيرانيين بشأن مستقبل النظام
وأجَّج المحامي الشخصي للرئيس ترمب، رودولف جولياني، الادعاءات بشأن حملة أميركية ضد إيران، حين ألقى كلمة أمام «تجمع انتفاضة إيران» في نيويورك السبت، بعد ساعاتٍ من هجوم الأهواز، قائلاً إنَّ تغيير القيادة في إيران حتمياً بسبب العقوبات الأميركية.
ووفقاً لتقرير لوكالة Reuters، قال جولياني: «لا أدرى متى سنطيحهم. قد يكون ذلك في غضون بضعة أيام، أو أشهر، أو بضع سنوات، لكنَّ هذا سيحدث».
وأصرَّت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي على أنَّ إدارة ترمب لا تسعى لتغيير القيادة في إيران، وقالت في مقابلة مع شبكة CNN الأميركية، رداً على انتقادات الرئيس الإيراني حسن روحاني للولايات المتحدة: «يمكنه إلقاء اللوم علينا كما يريد، ما يتعيَّن عليه عمله هو النظر في المرآة».
أما الجيش الإيراني فجاء أكثر حذراً وضبطا للنفس
لكن بالرغم من اللغة العدوانية من المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني، بدا أنَّ مسؤولين آخرين يتبنّون ردَّ فعلٍ أكثر حذراً، مبدئياً على الأقل.
إذ قال نائب قائد الجيش الإيراني النظامي العميد نوذر نعمتي، متحدثاً في جنازة ضحايا هجوم الأهواز يوم أمس، إنَّه من المبكر للغاية القول بما إذا كانت وكالات الاستخبارات الغربية متورِّطة في الهجوم.
وأشار إلى أنَّ الهجوم ربما نشأ في منطقة أكثر قرباً من البلاد.
ونقلت وكالة إرنا عن نعمتي قوله: «إنَّهم نفس الناس الذين اتبعوا صدام في بداية الحرب، وهم يسعون لتحقيق نفس الهدف»، مشيراً بذلك إلى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي خاض حرباً مريرة مع إيران في الثمانينات من القرن الماضي سعياً لتدميرها.