التشكيلي الأمريكي «فريديك سبرات».. تجربة الفضاء والضوء تعمق في اللون الواحد سرد للفكرة وتكوين للمضمون
ترويض اللون يعني عالما زاخرا بالحركة بالمحبة والتآلف بالصدامات المثيرة لالتحام صادق يوحد اللون في المساحة ويفرز معان ومجازات وصور وأفكار متجددة.
هي فلسفة الرؤية التجريبية في التعبير الرمزي داخل مساحات الفضاء الواسع للجداريات التي تخترق قواعد وقيم الهندسة والتفاعلات الضوئية والفيزيائية للون باعتماد الحركة البصرية والرؤى التي تستثير دوافع الفكرة في توحدها وانعكاساتها، هي تجربة متفردة صقلتها مراحل النضج في سنوات التبادل الفكري والهندسي والتعبيري النفسي والاجتماعي والكوني بتداخلاتها الحريصة على التجريب وحضورها وتقمص أدوارها كما يقرّر لها التشكيلي الأمريكي فريدريك سبرات.
فريديك سبرات فنان تشكيلي أمريكي (1927-2008) أستاذ جامعي وناشط في الحركة الفنية البصرية “الضوء والفضاء” تأثّر سبرات بالفنون منذ صغره ونضج على الهندسة والفيزياء والتفاعل بينها متأثّرا بوالده، حيث طوّر مدركاته ومعارفه الفنية والفلسفية أكاديميا، واشتغل على الخامات الصلبة مثل الحديد والألومينيوم ليجعل منها مساحاته التي تستوعب أفكاره الفنية وتأثرها بالتجريب وما بعد التجريب في فنون ما بعد الحداثة التي تحاول البحث عن اللاموضوع أو اللامفهوم الذي يعتمد التعامل مع المساحات الواسعة بنظرية اللون.
يعتبر سبرات من أبرز التشكيليين الأمريكيين الذين اكتسبوا صدى عالمي في البحث والتجريب والتوافق الذي أسّس لنظرية اللون ولحركة الفضاء والضوء، فهو يسعى لتوفير المساحات للون وكأنه يترك له الفضاء للتوغل بحرية مطلقة نحو التبادلات المطروحة للتعبير سواء بالخطوط المتراصة في كتل واحدة أو تلطيخات مندفعة بدهشة تطوّع الخامات.
فهو يُطغي قيمه على القواعد الضوئية التي تتحكم في الدرجات التفعيلية للون الذي يتلاشى وينبعث وكأنه يسرد سنوات من العمق والنضج المفهومي ليشكلها بالترتيب المرحلي مع كل قطعة من القطع لتكوّن الجدارية وأسلوبها المتفرد في توحيد اللون على مساحاتها.
ومن أبرز أعماله جداريته الضخمة (مقتنيات متحف فرحات) التي استمر العمل عليها من سنة 1974 إلى سنة 2004 بشكل طوّعها للتجريب المرحلي حيث كان ينفصل عنها ويعود لينغمس فيها.
فسنوات البحث أوصلته إلى اكتساب لغة فنية تجاوزت التكرار وتعمّدت الإعادة لاحتمالات ركّزت على قوة اللون في الحضور وثبات صفائه المؤثر على درجات العمق في السطح الضوئي وتناولها في أبعادها اللامألوفة نحو اللانهاية مثل موسيقى تتشكل بالتدريج مع أفق رحب متوازن الصيغ التشكيلية.
في هذه الجدارية الضخمة طوّع سبرات الأكريليك على الألمنيوم ليبعث في الخامة موسيقى تحاكي الطبيعة وتسترجع صداها في حركات متناقضة تغوص وتتعمق في الوجود بالترتيب الذهني لعلامات اللون التي تستوعبها العين وترتب من خلالها قراءتها وفق أشكال متوازنة مع دقة التدفق الضوئي وتفاعلات اللامرئي من خلالها، فهذا البريق المدهش لتكاثفات الضوء والنور المتسرب يستغله “سبرات” لتشكيل الخامة اذ يساعده الألمنيوم على تثبيت ذلك السطوع والاشراق، لأنه يدرك تأثير الضوء واللون على طاقة استيعاب العمل الفني ودرجات الصفاء النقية التي تلامس الروح في انعكاساتها الجمالية كردود فعل بصرية تثبّت الحركة والتوغل في التمفصلات الفنية لكل مفهوم تركيبي في الجدارية.
يتقن “سبرات” تدريج اللون وترويضه حسب التفعيل المقصدي من الحدس الموغل في الظاهرة الحسية فهو يستدرجها ويستنطقها من وعيه إلى مسطحه اللوني الكثيف ويستخرجها من المعتم إلى المضيء إلى المشع ومن الفاتح إلى الداكن بدرجاته في الرمادي والأزرق تتراكم الحيادية نحو اللاموقف الفني أو اللاحضور التشكيلي الذي يتفجر في الأبيض والأسود كجدليات وجودية وتجريبية هندسية فيزيائية وظواهرية متخيلة من واقع التعبير التجريبي وما بعده، بالاستدلال بحركة الضوء والفضاء حيث تبدو وكأنها حركة خالية من الموضوع تعتمد الأضواء لتركز على تدريج اللون حسب مساحة الفضاء تشكل الفينومينولوجيا المعاصرة في الوحدوية اللونية القائمة على ردود الفعل التي تتغير حسب ذلك الفضاء ومداه المتوهج والمنفلت مع الحركة دون الوقوع في التكرار.
*الجدارية:
Size: 71.00″ x 348.75″
(180.34cm x 885.83cm)
Created:1974- 2004
Medium: tooled aluminum panels (9) and Coricone
مجموعة متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collection