الصين تواصل قمعها لمسلمي الأيجور في داخل وخارج البلاد
بعد سنوات من الاضطهاد من الشرطة الصينية، فرَّ رجل الأعمال الأويجوري محمد من منزله في شمال إقليم شينجيانغ إلى دولة قيرغيزستان المجاورة، لكنَّه تعرَّض لمضايقات من الشرطة القيرغيزية وهُدِّد بالترحيل.
وعند اعتقاله للمرة السادسة في يوليو العام الماضي 2017، أحضر ضابط أمن من قيرغيزستان محمد إلى الطابق السفلي من منشأة أمنية وأشهده حوالي 70 رجلاً من الأويغور المحتجزين هناك، بحسب تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية.
قال محمد، الذي لم يرد نشر اسمه الحقيقي: «كان ذلك أسلوباً للترهيب. إذ أخبرني الضابط أنَّني أحد الأشخاص المُدرَجة أسماؤهم بالقائمة التي قدّمها وفدٌ زائر من الصين. ثُمَّ أخبرني بعدد الأشخاص بالضبط الموجودين على القائمة والمُقرر اعتقالهم وإعادتهم إلى بلادهم، وهم 123 شخصاً». وقد أُفرِج عن محمد بعد دفع رشوة 5 آلاف دولار.
التتبع في آسيا الوسطى أيضاً
في محاولة للسيطرة على جاليات المغتربين من الأويغور، تعمل بكين على مَد نطاق جهازها الأمني من إقليم شينجيانغ غربي الصين إلى جيرانها في آسيا الوسطى، الذين بدورهم يجب أن يوازنوا بين أولوياتهم السياسية والاقتصادية مع الصين. وتمتلك سبع دول منخرطة في مبادرة الحزام والطريق التابعة لبكين -وهي عبارة عن خطة بقيمة 900 مليار دولار لإنشاء البنية التحتية في 78 دولة- حدوداً مع إقليم شينجيانغ.
منذ ضم إقليم شينجيانغ إلى الصين عام 1950، أصبحت العلاقة مضطربة بين بكين والأويغور، وهي جماعة عرقية تركية مسلمة قامت بالعديد من المحاولات التي لم تستمر طويلاً لنيل الاستقلال في القرن الماضي.
وبعد تعزيز الصين للأمن في شينجيانغ، حوَّلت انتباهها إلى الشتات الأويغوري في الخارج، الذين يُقدَّر عددهم بما يتراوح من مليون إلى ستة ملايين شخص. قالت أبيغيل غرايس، وهي باحثة مُساعِدة في مركز الأمن الأميركي الجديد، وهو مركز أبحاث بواشنطن: «ترى الصين أنَّ نمو السكان الأويغور يُشكِّل تهديداً عليها.. ولطالما كان الشتات الأويغوري أقوى كثيراً في آسيا الوسطى».
وبحسب أبيغيل، شاركت منظمة شنغهاي للتعاون -وهي هيئة متعددة الأطراف مقرها بكين وتضم روسيا والهند وباكستان وجمهوريات آسيا الوسطى- بدور مؤثر في الجهود الرامية للسيطرة على الأويغور. فمنذ تأسيس تلك المنظمة عام 2001، طبَّقت بالقوة مبادرات لمكافحة الإرهاب، «لاسيما الأسلوب الصيني لمكافحة الإرهاب».
وأضافت أبيغيل: «ما عزَّز علاقة المنظمة هو تركيز الصين على السعي للحصول على فرص لضمان استمالة دول آسيا الوسطى لتحقيق أهدافها الخاصة بالسيطرة على نشاط الأويغور».
عقيدة «الأشرار الثلاثة»
تعكس الاتفاقية الأولى لمنظمة شنجهاي للتعاون التي صدرت عام 2001 بشكل وثيق عقيدة الأمن الصينية في شنجيانغ، وتُدعى «الأشرار الثلاثة»: مكافحة التطرف، والإرهاب، والنزعة الانفصالية. وسمحت الملحقات التي أُضِيفت إلى اتفاقية مكافحة الإرهاب التي أصدرتها منظمة شنغهاي للتعاون عام 2009 بنقل المشتبه بهم بين الدول الأعضاء في المنظمة، وسمحت للأعضاء أيضاً بإرسال عملائهم إلى الدول الأخرى بالمنظمة لإجراء التحقيقات.
قال عبد الرحمن حسن، وهو رجل أعمال غادر الصين إلى المملكة العربية السعودية عام 2013: «يعتقد الناس أنَّ الشرطة الصينية في قيرغيزستان وطاجيكستان تعتقل الأويغوريين، لأنَّ الكثيرين منهم اختفوا فجأةً ولا أحد يعرف مكانهم».
وبعدما أُرسِلَت لعبد الرحمن صورة لصديقه -وهو رجل أعمال أويغوري اختفى من بازار Madina بالعاصمة القيرغيزية بيشكك ولم يظهر مجدداً إلا في مركز اعتقال- بات يخشى الآن الخروج بمفرده في تركيا حيث يقطن حالياً. وقال متحدثاً عن صديقه: «لأنَّ صديقي كان ثرياً جداً ويساعد الفقراء، كان يتمتع بنفوذ في قيرغيزستان، وكانت الصين تخشى أن يُنظِّم أو يساعد نشطاء حقوق إنسان أويغوريين في آسيا الوسطى».
كان بازار Madina، وهو الأكبر بالعاصمة القيرغيزية، في السابق يتباهى بأنَّه يضم آلافاً من المشروعات التجارية الأويغورية التي تستورد السلع الرخيصة صينية الصنع. قال محمد، رجل الأعمال الذي تحدثنا إليه في البداية: «على مدار السنوات الثلاث الماضية، أغلقت الكثير من المتاجر. وفي كل مرة أذهب فيها إلى البازار، كان الحديث يدور حول حالات الاعتقال والترحيل الكثيرة».
ولم ترد وزارة الخارجية في بيشكك على طلب الحصول على تعليق بخصوص المسألة.
الفارون من القمع الصيني يخشون الاعتقال في الخارج
في غضون ذلك، وجد الفارُّون من الصين أنَّ هناك عدداً مُتضائِلاً من الوجهات التي تقع خارج إطار سيطرة بكين. فقال تورسون، الذي فر إلى تركيا عام 2016 ورفض الإفصاح عن اسمه الحقيقي: «منذ ازدادت شدة القمع، تزداد العلاقات بين تركيا والصين دفئاً. وبالتالي يزداد شعور الأويغوريين في تركيا بعدم الأمان».
تمكَّن مسؤولو الأمن الصينيون من العثور على رقم الهاتف الشخصي لتورسون، واتصلوا به مرتين العام الماضي لإقناعه بالعودة إلى الصين.
وأردف تورسون: «قال المسؤول في تهديداتٍ مقنعة إنَّنا نستطيع مراقبتك على مدار اليوم، لذا لا تعتقد أنَّه بإمكانك الهروب منا في تركيا لتنفيذ أنشطة غير شرعية». لكنَّه قال إنَّه يرغب بمغادرة تركيا بعدما انتابه شعورٌ بالقلق بعد اختفاء صديق طفولته في بيشكك في شهر مايو/أيار بالإضافة إلى المكالمات التي تلقاها.
لا يقتصر هذا التجسس على الأويغوريين فقط. ففي أبريل/نيسان الماضي، ألقت السويد القبض على رجل تبتي صيني لمزاعم تجسُّسه على تبتيين آخرين يعيشون في السويد. لكن الأويغوريين يقولون إنَّ مثل عمليات التجسس تلك متفشية ضمن دوائرهم بسبب مزيج الإكراه والتهديد الذي كان يستخدمه ضباط الأمن الصينيون على أفراد العائلة الذين ظلّوا في الصين».
قال أليب، وهو أكاديمي من الأويغور درس في ماليزيا ورفض الإفصاح عن اسمه بالكامل: «تلك الجهود الرامية إلى تجنيدك من أجل التجسس لصالحهم شائعة». وقد عُرِض عليه في عام 2011 «كومة كبيرة للغاية» من الرنمينبي (عُملة صينية) بعد احتجازه لاستجوابه أسبوعاً، مقابل التجسس على زملائه الطلاب في ماليزيا. لكنَّه رفض، وقال: «عادةً ما يحاول مسؤولو الأمن بالدولة أن يكونوا مهذبين للغاية، كأن يمنحوك بعض الهدايا. ولكن يتخلل كلامهم أحياناً تهديدات خفية».