صفقة عسكرية بـ15 مليار دولار السبب الحقيقي وراء الأزمة بين السعودية وكندا
خلف الأزمة بين كندا والسعودية وسلامة الناشط السعودي رائف بدوي وشقيقته سمر، صفقة عسكرية قيمتها 15 مليار دولار. ورقة بيد المملكة، يعتبر محللون أنها في صلب الخلاف الدبلوماسي الأخير.
الصفقة نفسها التي كانت ستدخل المليارات بعقود الصناعة والصيانة والتدريب مدة 14 عاماً، هي نفسها أحد أكبر أسباب انتقاد حكومة جاستن ترودو عقد اتفاقية من هذا النوع وبهذا الحجم مع المملكة.
سرية الاتفاقية التي طلبتها السعودية عند إبرام الصفقة مع شركة General Dynamics دفعت الساسة الكنديين إلى التحفظ على الإفصاح عن معلوماتها وتفاصيلها، فكانوا يصفون السيارات بأنها شاحنات تارة وسيارات جيب تارة أخرى.
لكن الشبهات حول الصفقة لم تمنع نشطاء كنديين من مراقبة استخدام ما تبين لاحقاً أنه مدرعات وعربات عسكرية ثقيلة ضد المعارضين السعوديين، بعدما تسربت فيديوهات في صيف 2017، تُظهر استخدام هذه المدرعات في منطقة العوامية بالمنطقة الشرقية – ذات الأغلبية الشيعية-، وصلت إلى حد رفع دعاوىتطالب بإيقاف التصدير، ولكنها باءت بالفشل.
تسريبات نشرتها صحف كندية كشفت عن جانب من الصفقة ونوع المركبات، نذكر منها:
- 928 مركبة مدرعة خفيفة حديثة تُعرف باسم LAV 6 354، منها حاملات جنود.
- 119 عربة LAV 6 من نوع «الاعتداء الثقيل»، مع مدافع قوية بعيار 105 ملليمترات.
- 119 سيارة أخرى مدرعة ومضادة للدبابات، كما تم تصنيف 119 أخرى على أنها دعم «للتدخل الفوري»، مع برج من طابقين وبندقية من 30 مليمتراً.
وتشمل المركبات المتبقية سيارات إسعاف ومراكز قيادة متنقلة ووسائل نقل كبار الشخصيات ومركبات استرداد مزودة بالرافعات.
تصريحات الوزيرة تعكس «مبادئ الليبراليين»
رئيس تحرير جريدة «البلاد» الصادرة في أونتاريو، ليث الحمداني، قال لـ»عربي بوست»، إنّ سجل الحزب الليبرالي الحاكم في ملف قضايا حقوق الإنسان جعله أكثر عرضة لضغط منظمات المجتمع المدني، مقارنة بالحكومة المحافظة السابقة التي تمت الاتفاقية في عهدها. تلقت الحكومة وقتها أيضاً موجة انتقاد لم تؤثر على موقف رئيس الوزراء السابق ستيفن هاربر، الذي مضى قدماً في الصفقة.
وقال الحمداني إن التصريحات تتجانس مع مبادئ الحزب الليبرالي الكندي فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، وإن كانت تُطبّق بـ»خجل» في مواقع أخرى مثل قطاع غزة.
الحمداني لفت إلى أن التلويح بإيقاف المعاملات التجارية يهدد بتسريح آلاف الموظفين، وهو ما يعطي السعودية يداً عليا في هذه الأزمة.
الأزمة بدأت عندما أعربت وزيرة الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند، في وسائل الإعلام الاجتماعية، الخميس 2 أغسطس/آب 2018، عن «انزعاجها» لسماع اعتقالسمر بدوي، شقيقة الناشط السعودي رائف بدوي.
من الجدير ذكره أن زوجة رائف وأطفاله الثلاثة يعيشون في كيبيك وأصبحوا مواطنين كنديين الشهر الماضي (يونيو/حزيران 2018).
والمتحدثة باسمها أكدت موقفها رغم رد الفعل السعودي الصادم
وقالت المتحدثة باسم الحكومة الكندية ماري بيار بيريل، في تغريدة رداً على طرد السفير الكندي وسحب السفير السعودي، إن «كندا ستدافع دائماً عن حماية حقوق الإنسان، وضمن ذلك حقوق المرأة، وحرية التعبير في جميع أنحاء العالم. ولن تتردد حكومتنا أبداً في تعزيز هذه القيم، وتعتقد أن هذا الحوار ضروري للدبلوماسية الدولية».
وأعلنت أن السلطات الكندية كانت تحاول حتى مساء أمس الأحد (5 أغسطس/آب 2018) الاتصال مع السعوديين، علماً أن الإثنين عطلة رسمية فيدرالية في كندا.
التصعيد يأتي بعد سنوات من التوتر بسبب الصفقة العسكرية
وقال عمر علام، وهو مستشار أعمال في كندا يقدم المشورة للشركات التي تتطلع إلى القيام بأعمال تجارية مع السعودية، إن السعوديين غاضبون مما يعتبرونه تدخلاً أجنبياً في شؤونهم الداخلية.
وقال علام لصحيفة Globe and Mail، إن العلاقات السعودية-الكندية توترت في السنوات الأخيرة؛ بسبب نقاش عام حول ما إذا كان سيتم بيع ما قيمته مليارات الدولارات من العربات المدرعة إلى الرياض واستمرار سجن بدوي.
وتلقت وقتها حكومة ترودو انتقادات كثيرة بشأن الصفقة التي وصفها السعوديون علناً بأنها هدية لتثبيت العلاقات بين البلدين، لافتين إلى أن الرياض كان بإمكانها إبرام اتفاق في أي مكان آخر بالعالم.
واعتبر إعلام أن السعوديين شعروا بنوع من العزل؛ ما دفعهم لرفع أيديهم للأعلى والقول: «كفى».
وهذه ليست المرة الأولى التي يضطر السعوديون فيها إلى مواجهة انتقادات حقوق الإنسان
الخطوة الدبلوماسية السعودية تعيد إلى الذاكرة ما أقدمت عليه عام 2015، عندما وقع خلاف دبلوماسي مشابه مع السويد، استدعت وقتها المملكة سفيرها في ستوكهولم، التي ألغت بدورها اتفاقية دفاعية مع المملكة.
«الطلاق التجاري» تم بعدما حظرت السعودية وزيرة الخارجية السويدي مارغوت والستروم؛ لحديثه في قمة عربية عن حقوق الإنسان، انتقد وقتها أيضاً والستروم قرار جلد بدوي، واصفاً العقاب بـ»ممارسة العصور الوسطى».
والبعض يعتبر أن السعودية تريد جعل كندا عبرة لمن يعتبر
البروفيسورة في العلوم السياسية بجامعة واترلو الكندية، باسمة موماني، غردت على «تويتر»، قائلة: «رأينا الكثير من الدعم للمعارضين السعوديين في المملكة المتحدة وكندا والكونغرس الأميركي وغيرهم. لكن من الأسهل أن تقطع (السعودية) علاقاتها مع كندا أكثر من البقية. ليس هناك علاقة تجارية ثنائية قوية، ومن المرجح أن يتردد صدى وخز حكومة ترودو مع الحلفاء الإقليميين الصقور للسعوديين».
وتعتبر موماني أن الخطوة الدبلوماسية السعودية أكبر بكثير من قضية بدوي، وتوضح لقناة CBC الكندية: «أعتقد أنه يتعين على المرء أن يتراجع خطوة للوراء، ويرى أن هناك قدراً كبيراً من الحرارة على المملكة العربية السعودية، لا سيما معاملتها عناصر المجتمع المدني وأنشطة حقوق الإنسان. أعتقد أن القصد هو جعل كندا مثالاً أو عبرة للآخرين».
وإلى جانب الصفقة، يترقب 15 ألف سعودي في كندا التطورات من كثب
لم يتضح على الفور ما يمكن أن تتأثر به الأعمال الجديدة بين البلدين. ولكن وفق الأرقام الرسمية، بلغ حجم التجارة الثنائية 3.9 مليار دولار كندي في عام 2016 وتخطت 4 مليارات دولار العام الماضي (2017).
وعلى موقع الحكومة الكندية، تشير الأرقام إلى أن العلاقات الثنائية بين البلدين تضم المصالح المشتركة على عدة مستويات أمنية وسلمية، وضمنها أمان الطاقة، والشؤون الإنسانية (وضمن ذلك اللاجئين) وجهود مكافحة الإرهاب.
ويصف الموقع السعودية بأنها من أهم منابع الطلاب الدوليين مع وجود أكثر من 15 ألف مبتعث بكندا، خصوصاً في الدراسات العليا؛ يدرّون ملايين الدولارات سنوياً على الجامعات الكندية، وضمنهم 800 طبيب سعودي يمارسون المهنة. كما تعتبر السعودية ثاني أكبر سوق تصدير لكندا في المنطقة.
وأعلنت وزارة التعليم السعودية، الإثنين 6 أغسطس/آب 2018، إيقاف برامج الابتعاث والتدريب والزمالة إلى كندا وإعداد خطة عاجلة لنقل جميع الطلبة السعوديين الملتحقين بهذه البرامج إلى دول أخرى.
وقال المتحدث الرسمي للوزارة، مبارك العصيمي، في حسابه الرسمي على موقع «تويتر»: «إنفاذاً للتوجيه السامي الكريم المؤكِّد على موقف المملكة حيال ما صدر عن الحكومة الكندية، وما تضمنه التوجيه من إيقاف برامج التدريب والابتعاث والزمالة إلى كندا، فإن الوزارة تعمل على إعداد وتنفيذ خطة عاجلة لتسهيل انتقال أبنائنا المبتعثين إلى دول أخرى، وستعلَن الخطة قريباً إن شاء الله».
وإلى أن تتضح الصورة أكثر، يبدو أن أوتاوا، التي لم تتحفظ عن انتقاد ممارسات السعودية ضد المعارضين من باب «دعم حقوق الإنسان»، تجد نفسها الآن في مأزق يتعارض مع مصالحها الاقتصادية، وقد يكلّفها التصريح كثيراً.