أفلام الرعب العالمية: ولع جماهيري رغم بعض الانتقادات
وصف فيلم “مكان هادئ” بأنه يخرج من دائرة أفلام الرعب المعتادة إلى ما بات يعرف بـ”الرعب الراقي” وهو وصف يحمل نقدا مبطنا لتلك الأفلام التي يعتبرها كثير من النقاد غير جديرة بالإعجاب، كما يقول الكاتب نيكولاس باربر.
بعد العرض الأول للفيلم القصير “إشراق ساكن” في مهرجان كان السينمائي في مايو/آيار، كتب بطل الفيلم جيمي لي-هيل تغريدة أتبعها بوسم (# رعب راق). وحينما سأله أحدهم عن سبب استخدام هذا التعبير، رد قائلا: “هذا الفيلم يتضمن دراما ذكية وعمقا رمزيا”.
فهل قصد لي-هيل أن أفلام الرعب المعتادة ليست “دراما ذكية” وليس ذات “معان رمزية”؟ إذا كان هذا ما قصده فعليه أن يخشى ملاحقة معجبي تلك الأفلام له بشكل مرعب على غرار ملاحقات الزومبي!
لكن لي-هيل ليس الوحيد الذي ميز بين الرعب وما بات يعرف بـ”الرعب الراقي”، فجون كراسينسكي المخرج والمشارك في تأليف فيلم “مكان هادئ” قال في مقابلة أن فيلمه لا يسير على خطى أفلام الرعب العادية بل يستلهم “أفلام الرعب الراقي”، قاصدا تلك الأفلام التي عرضت مؤخرا ولقت حفاوة غير معتادة من قبل النقاد.
من تلك الأفلام فيلم “بابادوك” (2014) الغامض للأسترالية جينيفر كينت، و”الساحرات” (2015) إخراج روبرت إيغرز الذي يدور خلال حقبة الاستيطان المبكر لأمريكا، وفيلم ديفيد روبرت ميتشل السهل الممتنع “أعراض لاحقة” (2015)، و”اللحم الحي” (2016)، الأكثر نضجا للمخرجة الفرنسية جوليا دوكورنو، فضلا عن “أخرج من هنا!” (2017) للأمريكي جوردن بيل والمرشح للأوسكار لمناهضته للعنصرية – يضاف إليها “بالوراثة” تمثيل توني كوليت الذي يعرض حاليا.
تمتاز تلك الأفلام بعمق الفكرة والجرأة أكثر مما ألفناه من أفلام الرعب، ما حدا بصحفيين لوصفها ليس فقط بالرعب الراقي بل بأنها “تجاوزت حدود الرعب نفسه”.
وقال آخرون عنها إنها “رعب ذكي” وأنها “أشمل من الرعب”، وغيرها من الأوصاف – وكأن المقصود هو النأي بها عن أفلام الرعب. لكن المحبين لأفلام الرعب كما عهدناها لا يسعدهم هذا التعالي والتقليل المستمر من شأن الأفلام التي يعشقونها.
وقد أوجزت الروائية والناقدة آن بيلسون بالتعبير عن مشاعر المعجبين بتغريدة قالت فيها: “كلما نجح فيلم رعب، سارعوا لوصفه بـ(الذكي) أو (الراقي) أو (المتميز). إنهم يمقتون أفلام الرعب ويريدون وصف الناجح منها بأي شيء آخر!”. أما المؤلفة والمخرجة إبريل وولف فمضت أكثر من ذلك، قائلة: “سيجن جنوني لو لم يكفوا عن وصف تلك الأفلام بـ(الرعب الراقي)! إنها أفلام رعب فحسب، وليس ما يضير في ذلك! ليس كل فيلم أحبه أسارع لوصفه بالفيلم (الراقي)!”
وصلت عائداته على مستوى العالم إلى 255 مليون دولار بينما لم يتكلف إنتاجه أكثر من 4,5 مليونا
وربما كانتا على حق، وربما كانت تلك الأفلام “الراقية” ليست إلا أفلام رعب استقبلت استقبالا حسنا، وربما لا يجب وصف أي فيلم بالرقي اعتباطا! وبالبحث على الإنترنت تجد أن تعبير “فيلم راق” لم يصدر أول مرة لوصف أفلام مثل “بابادوك” و”الساحرات”، بل كان أول ظهور للتعبير ‘Elevated horror’ بالإنجليزية على إحدى اللافتات عام 2010. وفي 2012 قال أحدهم إنه “تعبير جديد يروج على ألسنة كبار منتجي هوليوود”. وهذا التعبير إن دل على شيء فإنما يدل على العلاقة الملتبسة بين هوليوود وأفلام الرعب؛ فلا هي تحبها ولا هي تستطيع الحياة بدونها!
تكلفة زهيدة وعائدات طائلة!
يقول سايمون راملي مخرج أفلام “الأحياء والأموات” و”أحمر وأبيض وأزرق” و”فاشونيستا”، إنه ليست هناك طريقة محددة لضمان إنتاج أفلام مربحة، غير أن أفلام الرعب “من أكثر الأفلام التي تدر ربحا مقارنة بنفقات إنتاجها، ولا يلزم أن تعنَون بقائمة من الطراز الأول، بل يكفي الاعتماد على حملة شعبية تثير ضجة على الإنترنت، كما لا داع لإنفاق 120 مليون دولار إذ يمكن إنتاج فيلم بثلاثة ملايين دولار فقط”.
ومن ثم يقبل المنتجون على أفلام الرعب لاعتبارها الأقل مخاطرة بالاستثمار، ولكن هذا “الإنفاق القليل”، إضافة إلى الدماء والمشاهد البشعة – شئنا أم أبينا – هو السبب في النظر لتلك الأفلام بازدراء باعتبارها بديلا للأفلام الحقيقية وأنها تُنتج بغرفة قبو وكاميرا!
ولم تتحسن تلك الصورة المنفرة في منتصف العقد الأول من الألفية حين احتوت أبرز سلاسلها مثل “المنشار” و”الفندق” على مشاهد شنيعة دامية. ورغم ما حققته من أموال طائلة – ناهزت 975 مليون دولار لسلسلة أفلام “المنشار” – إلا أنها أصابت المتفرج بالغثيان. ولا غرو أن منتجا يضع الفوز بالأوسكار أو البافتا نصب عينيه لا يود أن تقترن سمعته بأفلام من هذا القبيل.
يتذكر راملي حين عرض فكرة أحد الأفلام على شركة إنتاج بريطانية كيف ضحكت المسؤولة “ملء فمها! أشفقت علي وأست لحالي في آن واحد قائلة: نحن لا ننتج أفلام رعب!” ومن يومها ويصف راملي أفلامه بأفلام “دراما العيار الثقيل”.
ويعترف دان برلينكا مؤلف الأعمال التلفزيونية الحائز على جائزة البافتا البريطانية والمتخصص في الرعب، بأنه استخدم وصفا بديلا هو “الإثارة والغموض” ليطرح مؤخرا فكرة سلسلة رعب تلفزيونية.
ويقول المؤرخ السينمائي تيم سنيلسون مؤلف كتاب “أشباح النساء – رعب هوليوود وجبهة الداخل” إن الحرج من أفلام الرعب ليس جديدا، “فرغم النجاح الذي أحرزته أفلام رعب راقية وراجحة بين آن وآخر في تاريخ السينما، كان منها فيلم (ريبيكا) عام 1940 و(طارد الأرواح) عام 1973 – ما نبه المنتجين والمشاهدين لما لها من جاذبية – فإن هوليوود مازالت تستخدم تعبيرات مثل “مثيرة”، “صادمة”، “غامضة”، “دراما نفسية”.. إلخ، لتفادي الوصمة الملتصقة بأفلام الرعب”.
“وصمة” الرعب
وربما جاء التحرر نسبيا من تلك الوصمة على يد شركتي إنتاج مستقلتين وهما بلوم هاوس، (التي أنتجت “أخرج من هنا” و”فصام” و”التطهر”)، وشركة A24 (المنتجة لـ”بالوراثة” و”الساحرات”).
ركزت الشركتان على أفلام الرعب المعتمدة على الفكرة أكثر من المشاهد. ومع ذلك لا يحب الجميع الشكل الجديد لتلك الأفلام، فقد أطلق بريت إيستون إليس مؤلف “نفوس أمريكية معقدة” تغريدة في فبراير/شباط 2016 قال فيها: “لا أحب إطلاقا نوعية الأفلام الجديدة التي توصف بـ(الرعب الراقي)، من أمثال ‘أعراض لاحقة’، و’عمت مساء أمي’، و’بابادوك’، و’الساحرات’!” ورغم ذلك فجمعه تلك الأفلام في حزمة واحدة يعد إقرارا منه بأنها ليست مجرد أفلام رعب ذائعة الصيت، بل تميزت بما يجعلها قائمة بذاتها.
ويساوي وصف أفلام رعب بـ”الرقي” و”الذكاء” ضمنيا اعتبار بقية أفلام الرعب أدنى شأنا، ما يضايق عشاق تلك الأفلام.
يقول برلينكا: “حينما عُرض ‘طارد الأرواح’ أول مرة أدرك الجميع تميزه كفيلم ومع ذلك لم يشككوا في اعتباره فيلم رعب، وهو كذلك دون شك بدليل أنك تجده على الأرفف المخصصة لأفلام الرعب بمحال الفيديو. في الماضي كان يمكن مدح فيلم رعب دون التقليل من شأن بقية الأفلام من نفس النوعية”.
من الناحية الأخرى يبوح برلينكا بسبب آخر يجعله لا يحبذ وصف أفلام الرعب بالأفلام الراقية (بخلاف ما ينطوي عليه الوصف من تعال من النقاد)، فهو يخشى أن تخرج تلك الأوصاف أفلامه من دائرتها الخاصة كأفلام “متمردة” لتصبح أفلاما تحظى بالاحترام المتعارف عليه، وفقا لاذاعة “بي بي سي” البريطانية.
ويقول: “محبو أفلام الرعب مثل عشاق الموسيقى يشتكون من أن فرقتهم الخارجة عن المألوف لا تلقى تقديرا كافيا، وإن لاقته اشتكوا من أنها باتت كغيرها ليس لديها ما يميزها! في الواقع نحن نحب أفلام الرعب التي لا تروق للجميع، نحب خشونتها وصعوبتها وإقرارها بأبشع ما فينا، وهو السبب الدفين في رفضنا لوصفها بـ(الرقي) الذي يحرمها من كونها مغمورة ودفينة تمس بواطننا”.
ويبدو أن تلك الأفلام الجديدة باتت تجبر المنتجين والمشاهدين على تعديل توقعاتهم، وهو الأمر الجيد إن استمر إنتاج أفلام ذات جودة عالية. وعلى المدى الطويل يرجح أن يختفي وصف تلك الأفلام بالأفلام الراقية لتنضوي ببساطة ضمن أفلام الرعب عموما من قبيل “مجزرة الميكروويف” و”الجمعة 13″.
يقول راملي إن ساحة أفلام الرعب تتسع للرخيص المريع، والذكي، والمجدد والخارج عن المألوف، مضيفا: “يمكنني وصف فيلم الغرباء لعام 1932 بأنه (دراما خارج المألوف)، ورأس الممحاة لديفيد لينش بأنه (رعب من الطراز الرفيع)، وسانتا سانغري لجودوروفسكي بـ (فيلم سينما عالمية من الطراز الأول)، وذا شاينينغ بالـ(مصنف رفيع المستوى)، وطفل روزميري بـ(الراقي والمتميز)، وتيتسو الرجل الحديدي لشينيا تسوكاموتو بـ(السينما العالمية الرفيعة)”.
ويتابع قائلا: “لكن ما يجمع تلك الأفلام هو ما تثيره من قلق يدفع المشاهد للتفكير. إنها في نهاية المطاف، وإن تنوعت الطرق، أفلام رعب”.