“الأسد باق” باتفاق مع المعارضة
كشفت وثيقة سرية عن اتفاق بين مجموعة موالية للنظام السوري ومجموعة أخرى من المعارضة، وذلك ضمن مسار سري غير معلن، انطلق بشكل موازٍ لمفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، والمتوقفة إلى حين تشكيل اللجنة الدستورية بهدف صياغة دستور جديد للبلاد.
وبيّن مصدر من المعارضة السورية، طلب عدم ذكر اسمه، أن الفكرة بدأت أثناء قيام معهد للدراسات باستضافة شخصيات من المعارضة والنظام لبحث الملف السياسي السوري.
وقام بعدها أحد الباحثين في المعهد ويدعى “سلمان الشيخ” -إماراتي من أصل باكستاني- والمقرب من الحكومة الإماراتية، بتشكيل هذا المسار والانفصال عن المعهد، متبنياً فكرة الحوار السوري- السوري، وهو ذات المصطلح الذي يكرّره رئيس وفد النظام في جنيف بشار الجعفري، ويرفض فكرة المفاوضات.
المشاركون في المؤتمر، سوريّاً ودولياً
وتشير الوثيقة إلى أن الاجتماعات التي أقيمت في العاصمة السويدية ستوكهولم ضمت مجموعتين، الأولى هم القادمون من داخل سوريا، ويطلق عليهم “مجموعة دمشق”، وهم شخصيات مجتمعية تعمل بمجال الطب والقطاع الأكاديمي والمجتمع المدني، وكذلك هناك مسؤولون سابقون، وحسب أحد الشخصيات المعارضة التي حضرت إحدى الجلسات، فإن هذه المجموعة مقربة من النظام السوري، ومن بين الأسماء سامي الخيمي، السفير السوري السابق في بريطانيا، ونبيل سكر المستشار الاقتصادي للرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وهم على تواصل مع علي مملوك مدير مكتب الأمن القومي السوري.
أما المجموعة الثانية التي سمَّتها الوثيقة بـ”مجموعة ستوكهولم” فهم شخصيات سياسية معارضة ومستقلة، تمثل المجتمع المدني والمغتربين، إلى جانب جماعات المعارضة المسلحة، وفق ما جاء في الوثيقة، ولفت ذات المصدر لـ”عربي بوست”، إلى أن هناك معارضين من مختلف الأجسام السياسية، ومن بينهم أعضاء في الائتلاف الوطني السوري المعارض، وشخصيات عسكرية من أحرار الشام وجيش الإسلام والجبهة الشامية وفصائل الجبهة الجنوبية.
هذا من ناحية سوريا، أما الدول التي حضر ممثلون منها فهي “تركيا، أميركا، إيران، السعودية”، والتي يتواصل معهم الشيخ للخطوة القادمة، مع العلم أن أي من تلك الدول لم تصدر أي تصريح رسمي عما يجري.
ونفى عضو هيئة التنسيق الوطنية وعضو وفد هيئة التفاوض السورية أحمد العسراوي مشاركة هيئة التنسيق في تلك الاجتماعات التي نظمتها “مجموعة الشيخ” برعاية إماراتية، ولفت إلى أنهم ملتزمون بمفاوضات جنيف فقط التي تتبنى القرارات الدولية. بينما أشارت نائب رئيس الائتلاف الوطني ديما موسى، لـ”عربي بوست”، إلى أن المسار الأساسي للحل السياسي في سوريا هو مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة، وأضافت: “نحن نعتبر أن الحل السياسي في سوريا يأتي عبر مفاوضات جنيف فقط، وأي مشاركة في مسارات أخرى تقتصر على تلك التي تصب نتائجها في مسار جنيف”، وتابعت موسى قولها: “الانتقال السياسي الشامل هو الحل الوحيد في سوريا، وهذا لا يتحقق إلا عن طريق تشكيل جسم حكم انتقالي وفق بيان جنيف 1 والقرار 2254″.
البحث عن المرجعية الدولية
بحسب مصادر من داخل تلك المجموعة، يحاول القائمون على المسار الحصول على الشرعية الدولية، من خلال الدعوة إلى إطلاق حوار سوري على أساس “السقف المفتوح الذي لا يستثني أي موضوع من الطرح والنقاش”، وذلك أيضاً واضح بحسب ما جاء في الوثيقة.
وربطت عمل المشاركين في المسار مع القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن لحل القضية السورية، وأهمها القرار 2254، لكن ضمن مسار جديد كلياً، حيث تقول الوثيقة إن المشاركين اتفقوا على “تشكيل مجموعة عمل تركز أساساً على تطوير مقترحات بشأن حوار سوري- سوري موسع، في سياق عملية سياسية جديدة”، ولفتت إلى أن هذا الحوار “متمم ومساند للجهود الدولية الحالية، ومساعد في بناء زخم تجاه التوصل لتسوية سياسية مستدامة وفق ما يدعو إليه القرار 2254″.
الخطوة الأولى.. بناء الثقة بين الطرفين
كما تعهد المشاركون في الاجتماعات على البدء بتطبيق تدابير بناء الثقة كخطوة أولى، كما جاء في الوثيقة، وتنطلق التدابير من خلال إرساء وقف إطلاق نار كامل وشامل في كل الأراضي السورية، يُستثنى منه تنظيما “داعش” و”النصرة”، إضافة إلى الذين لا يعترفون بوحدة الأراضي السورية، ومن ثم الإفراج عن كافة المعتقلين والمختطفين، وفك الحصار عن كافة المناطق السورية وإيصال المساعدات الإنسانية لجميع المناطق دون عوائق، وأخيراً مكافحة الإرهاب والتطرف.
اللافت بحسب إحدى المشاركات، أن مضمون هذه الوثيقة كان جاهزاً، وكانت مهمة الحاضرين مناقشتها دون الخوض في تعديل أو إضافة أي بند منها.
الخطوة الثانية.. مصير الرئيس السوري
النقطة الأبرز التي تضمنتها الوثيقة وهي مصير الرئيس السوري بشار الأسد، ففي الفقرة الثانية من المقترح الذي تقدمت به الوثيقة، تقول إن “القيادة السورية (أي بشار الأسد) تغيّر الحكومة الحالية إلى حكومة تكنوقراط، وفق ما يتيحه الدستور الحالي، تتعامل مع الأطراف لتمهيد الأجواء للتغيير القادم، ولإجراء حوار سوري- سوري”.
الإرشادات الخاصة بالورقة تبيّن لاحقاً أن مصير الأسد تحسمه الانتخابات بإشراف دولي، والتي تمهد لها اتفاقاً سياسياً يجري بين النظام والمعارضة عقب الحوار السوري- السوري، وهذا الاتفاق يجب أن يتمتع بقوى دستورية ويحقق الشرعيتين الوطنية والدولية، وفق الآليات الدستورية، من خلال صياغة دستور جديد وعقد حوار وطني يفضي إلى مصالحة وطنية شاملة.
الخطوة الثالثة.. رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد
تزامناً مع ذلك تطالب الوثيقة بتحسين الظروف الأمنية والاقتصادية وتأمين عودة المهجّرين، مقابل أن تدعم المعارضة رفع العقوبات الاقتصادية التي تمس حياة السوريين.
الوثيقة تدعو أيضاً إلى ضمان حقوق المواطنين من حيث حقهم بالعدالة والتمتع بالكرامة الشخصية والأمن، وذلك ضمن الحكومة الجديدة والقيادة السورية (بشار الأسد)، عبر ضمان “تنفيذ حرمة حرية وكرامة المواطن عملياً” والتأكيد على “تفعيل المواد الدستورية التي تنص على استقلالية القضاء وإشرافه على عمل الأجهزة الأمنية، بما يضمن سيادة القانون”، واقترح المشاركون في إعداد الوثيقة إطاراً زمنياً مدته نحو عامين، لتنفيذ كافة جوانب الاتفاق.
أحد الأعضاء المشاركين في الاجتماعات لفت لـ”عربي بوست”، إلى أن أحد أهم الأشياء التي كان المشاركون يناقشونها هي “الفترة التحضيرية”، التي تسبق عملية الانتقال السياسي، والتي يبقى فيها الرئيس السوري في منصبه، ويجري التحضير فيها لدستور جديد ومصالحة وطنية وحوار سوري حتى الوصول إلى الانتخابات، وعلل ذلك بأن الأجواء الدولية هيأت الظروف المناسبة لهذا الحل، وهو ذات الطرح الإيراني، الذي يركز على تغيير الحكومة وليس النظام.
الخطوة الرابعة.. خارطة الطريق
وتضمنت الوثيقة شرحاً مفصلاً لخطوات تنظيم الحوار السوري- السوري، إضافة إلى أجندة إرشادية ترسم خارطة الطريق حتى نهاية الصراع، وأوضحت أن أعضاء المجموعة يجمعون على “الأهمية المحورية” التي قد يلعبها الحوار في التوصل إلى “تسوية مستدامة للصراع، بناء على رؤية تغيير سياسي حقيقي”، برعاية كاملة من الأمم المتحدة وضمانة واشنطن وموسكو.
وأشارت إلى ضرورة إصدار قرار جديد ملزم من مجلس الأمن، لـ”المصادقة على مخرجات الحوار وإلزام الأطراف بتطبيقه”، إضافة إلى تمثيل كافة أطراف المجتمع السوري، وأكدت على معايير النزاهة والكفاءة إلى جانب الوزن والتأثير السياسي أو الاجتماعي، ومشاركة فاعلة للنظام والمعارضة.
كما أوصت الورقة بوضع مبادئ عامة تضم “الميثاق الوطني أو بيان مبادئ أساسية حول شكل وصفة الدولة في المستقبل، وحماية حقوق وحريات الأفراد وكافة المكونات الاجتماعية والإثنية”، إضافة إلى الاتفاق على مبدأ فصل السلطات، وتحديد واضح للسلطات الرئاسية والمؤسسات الأمنية، وإصلاح القضاء لضمان استقلاليته، والعودة الآمنة والطوعية للاجئين، وعلاقة الدولة بالدول الإقليمية والمجتمع الدولي، حتى الإعلان عن نهاية الصراع بالكامل.