يُغرونهم بالأموال الطائلة للتوسع في زراعتها.. أيادٍ إسرائيلية وراء تحوُّل أسطح منازل فلسطينيين لمزارع للماريجوانا
في منزل صغير على أطراف مدينة قلقيلة كان يتخذ كل تدابيره الأمنية، أغلق الهواتف الجوالة وصادر الأقلام خشية أن يكون بداخلها كاميرات مراقبة أو جهاز تصنت، ثم اصطحبنا إلى سطح منزله حيث يزرع الماريغوانا سراً، ليكون في مأمن عن ملاحقة الأجهزة الأمنية، فكيف تجرأ الفلسطينيون واتجهوا للاتجار في المواد المخدرة، ملتفِّين على العادات والتقاليد الفلسطينية؟
كيف تُزرع الماريجوانا؟
ذهبنا لمنزل أحد العاملين في هذه الزراعة غير المشروعة لنعرف كيف تُزرع الماريغوانا في المنازل، اصطحبَنا عيسى طه، (39 عاماً)، إلى بيته ،وقال إنه يعمل في هذه التجارة منذ 5 سنوات، طلب منا السرية التامة، ليدلل ذلك على الهاجس الذي ينتاب مزارعي الماريغوانا مِن تتبُّعهم وملاحقتهم من قِبل الأجهزة الفلسطينية.
استغلال للمزارعين
اصطحبَنا طه إلى داخل غرفة مغطَّاة بالنايلون على سطح المنزل، لنجدها امتلأت بعشرات الشتلات من الماريغوانا الناضجة في طور الحصاد، وعند سؤاله من أين يتم الحصول على بذور الشتلات، قال: “يتم الحصول عليها من قِبل تجار فلسطينيين بالضفة الغربية وبمساعدة إسرائيليين”، مبيناً أنه “غالباً ما يستغل التجار الإسرائيليين بعض مزارعي الماريغوانا الفلسطينيين لإغرائهم بزراعتها بمساحات كبيرة في منازلهم وبأراضيهم الزراعية، مقابل حصولهم على مبالغ مالية كبيرة”.
وبيَّن: “عندما فكّرت في زراعة الماريغوانا قبل سنوات فشلت عدة مرات، ولكن بعد محاولات عديدة لزراعتها عن طريق مشاهدة بعض الفيديوهات على شبكة الإنترنت، والاستعانة ببعض الأصدقاء ممن لديهم خبرة، نجحت أخيراً في إنتاج كمية تحقِّق لي الاكتفاء الذاتي طوال العام، بالإضافة إلى بيع كميات منها لبعض الزبائن المعروفين لدي، وكل ذلك حسب وفرة الإنتاج وكمية الشتلات التي تتم زراعتها”.
زراعة وتصنيع الماريجوانا
يقول عيسى: “بعد أن نجلب البذور ونجهز التربة للزراعة، نخلطها بالأسمدة الكيميائية، ونغرس البذور فيها، وذلك في نهاية شهر شباط/ فبراير من كل عام، ننتظر من شهرين إلى 3 أشهر حتى تنمو وتزهر الشتلات المزروعة؛ ومن ثم نقوم بقطفها وتعريضها لأشعة الشمس المباشرة حتى تجف تماماً وتصبح جاهزة للتصنيع والاستخدام”.
“وتتم عملية التصنيع بعد حصاد محصول الماريغوانا وتجفيفه من خلال إدخاله في مكابس خاصة، حتى يصبح خليطاً متماسكاً بُني اللون، ولبقاء الماريغوانا أطول فترة ممكنة دون تعرُّضها للتلف وفقدان المفعول المخدر، يتم تخزينها في أكياس من النايلون، ويتم إحكام إغلاقها جيداً؛ لعدم دخول الهواء بداخلها. يُنتج الدونم الواحد المزروع بالماريغوانا ما يقارب 45 كيلوغراماً، ويصل سعرها إلى أكثر من 22 ألف دولار أميركي”، يقول عيسى لـ”عربى بوست“.
أرباح هائلة
وأشار عيسى: “يتهافت الكثيرون على زراعة الماريغوانا؛ نظراً إلى انخفاض تكاليف زراعتها، وتحقيقها عوائد مالية كبيرة، كما أنها لا تحتاج لكميات كبيرة من المياه اللازمة لعمليات الري، ولا يشترط توافر مصدر طاقة طبيعي كالشمس لنجاحها؛ بل بالإمكان استخدام طرق بديلة كإيجاد مصدر إضاءة كهربائي لتستطيع الشتلات النمو بصورة طبيعية، مما يجعل الماريغوانا أقل تكلفة من زراعة البطاطا والطماطم والخضراوات الأخرى”، حسب قوله.
وأكد أن “الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات البطالة، وقلة فرص العمل المتاحة، تدفع بالعديد من المواطنين للاتجاه نحو زراعة وتجارة المواد المخدرة، لكسب أرزاقهم، حتى وإن كانت الطريقة غير مشروعة، فلا بدائل موجودة على الأرض، لكي يتمكن الشخص من العيش بحياة كريمة وتأمين متطلبات أسرته”، كما يقول عيسى.
وبحسب إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2017، فقد بلغت نسبة البطالة بالضفة الغربية 17.9%، وبلغت نسبة الفقر 13.9%.
سهولة زراعتها وترويجها
لؤي أرزيقات، المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية، يقول إن “زراعة الماريغوانا تتركز في المناطق المصنفة (ج)؛ وهي الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، بحيث تكون بعيدة عن متابعة أجهزة الأمن الفلسطينية، ولسهولة زراعتها وترويجها، حيث يقوم إسرائيليون وعدد من الفلسطينيين بالمناطق المحتلة عام 48، بإغراء بعض المواطنين في الضفة الغربية بالأموال لاستئجار منازلهم واستخدامها في زراعة الماريغوانا” .
وبيَّن أرزيقات لـ“عربي بوست”، أن “شرطة مكافحة المخدرات تمكنت منذ بداية العام الحالي (2018) من ضبط أكثر من 12 ألفاً و874 شتلة ماريغوانا في عدة مدن مختلفة؛ وذلك لتوافر الإمكانيات والتقنيات اللازمة لنجاح هذه الزراعة، والتي غالباً ما يتم تزويدها للمزارعين الفلسطينيين من قِبل شركائهم الإسرائيليين”.
وأكد أن “الشرطة الفلسطينية تقوم بتنفيذ عدة محاضرات إرشادية لطلبة الجامعات والمدارس؛ لتوعيتهم وتحذيرهم من مخاطر المخدرات بشكل عام، وكيفية تجنبها، ومساعدة الأجهزة الأمنية في ملاحقة وتعقُّب تجار ومزارعي المواد المخدرة للحد من هذه الظاهرة “.
ظاهرة منتشرة
يوسف الدريني، مدير مركز كفاية لمكافحة المخدرات والكحول، قال في تصريح لـ”عربى بوست”،إن “زراعة المخدرات بمختلف أنواعها ظاهرة منتشرة بالأراضي الفلسطينية، وخاصة بالضفة الغربية؛ لسهولة الحصول على بذور الشتلات المخدرة وتهريبها من الجانب الإسرائيلي، إضافة إلى سهولة ترويج وبيع المواد المخدرة، وإمكانية تهريبها من مدينة إلى أخرى بطرق مختلفة”.
وبيَّن الدريني أن “هناك ارتفاعاً في نسب متعاطي المواد المخدرة بالأراضي الفلسطينية، حسب الإحصائيات الأخيرة، إلى أكثر من 80 ألف متعاطٍ خلال عام 2017م، إضافة إلى لجوء العديد من الشباب إلى تناول العقاقير المخدرة الأخري وهي الأكثر انتشاراً ورواجاً؛ كالترامادول والأدوية المخصصة للأمراض النفسية والعصبية وإدمانها، بحجة أنها تُحسن المزاج وتعطي الشخص قدراً كبيراً من الراحة والسعادة” .
غياب القوانين
وأضاف: “القانون الفلسطيني المعمول به حالياً لمعاقبة متعاطي المخدرات ضعيف جداً ولا يُشكل رادعاً حقيقياً لهم؛ بل العكس يساعد على زيادة انتشار وترويج المخدرات في المجتمع الفلسطيني”.
ووفقاً للدريني، فلا تزال السلطة الفلسطينية تعمل بالقانون الأردني الصادر عام 1960م في معاقبة مروجي ومتعاطي المخدرات، ويُحكم على الأشخاص بالسجن 3 أشهر فقط في حال تم القبض عليهم وهم في حالة تلبُّس واضحة، وفي بعض الأحيان يتم الإفراج عنهم بعد دفع غرامة مالية بسيطة.