مصر بوابة روسيا لاختراق الشرق الأوسط اقتصادياً، تفاصيل المنطقة الصناعية التي ستبنيها موسكو في بورسعيد
في الـ23 من مايو، سيُعقد الاجتماع الـ11 للجنة الروسية المصرية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني في موسكو، برئاسة وزير الصناعة والتجارة الروسي، دينيس مانتوروف، ونظيره المصري، طارق قابيل، بحسب ما ذكرته صحيفة EurAsia Daily الروسية.
ومن المنتظر أن يناقش الطرفان مجموعةً واسعةً من قضايا التجارة والتعاون الاقتصادية، فضلاً عن تنفيذ مشاريع مشتركة في المجالين الصناعي والتجاري.
محطة الضبعة على جدول الأعمال
في هذا الصدد، سيكون جدول أعمال اللجنة المشتركة واسع النطاق، حيث سيتم التطرق إلى تعزيز العلاقات في مجال الطاقة النووية ومجال تسليم المنتجات الزراعية وهندسة السكك الحديدية وصناعة الطائرات.
وسيناقش الطرفان مسألة تنفيذ مشروع محطة “الضبعة”، الذي سيكون من تصميم روسي، وإعادة بناء وتحديث المرافق والتخزين التابعة للمشروع. علاوة على ذلك، ستتم مناقشة قضايا تحديث شركة “حلواني” للأجهزة المعدنية.
ومن المثير للاهتمام أن الحدث الرئيسي لاجتماع اللجنة المشتركة يتمثل في التوقيع على اتفاقية إنشاء المنطقة الصناعية وتهيئة الظروف الملائمة لذلك، وهو ما تم تأجيله عدة مرات، نظراً لأن تنقيح الاتفاقية استغرق بعض الوقت. ولكن في الوقت الراهن، تم إطلاق هذا المشروع الذي يعتبر من أولى الاتفاقيات التي تم التوصل إلى إبرامها منذ بلوغ العلاقات بين البلدين ذروتها سنة 2014.
وقد تم تصميم المنطقة الصناعية في مصر بهدف الترويج للمنتجات التكنولوجية الروسية المتطورة في أسواق جديدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي أوروبا مستقبلاً، انطلاقاً من أراضي أكبر جمهورية عربية.
وخلال أغسطس/آب سنة 2014، تم التوصل، في سوتشي، إلى اتفاق بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي لإنشاء منطقة صناعية روسية في منطقة قناة السويس. ووفقاً لمذكرة تفاهم تم توقيعها في فبراير/شباط سنة 2016، بين روسيا ومصر، ستضم المنطقة الصناعية شركات لإنتاج الصناعات الثقيلة وصناعة السيارات والبتروكيماويات والطاقة والدواء ومواد البناء. كما تنص المذكرة على إنشاء ميناء في المنطقة في المستقبل.
ومن المخطط أن تجهز روسيا، في المنطقة الصناعية، كل المعدات والوسائل اللازمة. كما ستوفر أفضل الظروف لتوطين الإنتاج والتمكن من بيع السلع داخل مصر وخارجها. ومن بين الشركات التي من المحتمل أن تتمركز في المنطقة الصناعية الروسية في مصر، مجموعة “غاز غروب”، “وكاماز”، “وأواز”، “وغازبروم نفط”، “وتانت نفط”، “وإنترو راو”.
ووفقاً لتوقعات وزارة الصناعة والتجارة الروسية، ستتمكن الشركات الروسية في المنطقة الصناعية من إنتاج ما تقدر قيمته بحوالي 3,6 مليار دولار سنوياً، بحلول سنة 2026. وبموجب هذا الاتفاق ستحصل الشركات الروسية على العديد من الامتيازات من الدولة المصرية، على غرار التعريفات التفضيلية لموارد الطاقة والنظام الضريبي التفضيلي الخاص، بالإضافة إلى الموقع المعد مسبقاً.
ما وظيفة كل طرف في هذا المشروع؟
وستُغطي المنطقة الصناعية الروسية مساحة ألفي هكتار شرق المنطقة الصناعية لمدينة بورسعيد. من جهته، سيقوم الجانب المصري بإعداد أراضي المنطقة الصناعية وتهيئتها، بينما ستقوم روسيا بتمويل البنية التحتية للمشروع، في مرحلة أولى. وعلى مساحة 100 هكتار، سيتم بناء عدد من المباني الصناعية، كما سيحصل المستثمرون على مركز متعدد الوظائف مع غرف فندقية ومركز مؤتمرات ومكاتب وغيرها.
ويرتبط اختيار روسيا لمصر كموقع لمنطقتها الصناعية بالعديد من العوامل الاقتصادية، فضلاً عن بعض الاعتبارات السياسية. وفي الحقيقة، يلعب العامل الجغرافي دوراً هاماً، حيث إن الطرق التجارية الرئيسية التي تربط بين الشرق الأوسط وإفريقيا ودول الخليج العربي وأوروبا تمرّ عبر مصر.
وتقدر الاستثمارات في هذا المشروع بنحو 7 مليارات دولار، وسيتم تنفيذها على 3 مراحل، على امتداد 13 سنة تقريباً. وسيقدر الاستثمار الأولي في البنية التحتية للمنطقة الصناعية بحوالي 190 مليون دولار، وهو ما سيوفّر 35 ألف موطن شغل.
نظرة روسيا لمصر
وبالنسبة لروسيا، تعتبر مصر، من وجهة نظر جيوسياسية، منطقةً متميزة من شأنها أن تعزز مكانة موسكو على الخارطة الاقتصادية العالمية، بحسب ما ذكرته الصحيفة الروسية، بالإضافة إلى أنها سوق محلية ضخمة.
ومع انخفاض القدرة الشرائية للمواطن المصري، تتوفر جملة من المزايا التي تجعل روسيا تعمل على تحقيق مصالحها في واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية في العالم.
وبدورها، تحاول شركة “روساتوم” الحكومية الروسية للطاقة النووية تطوير فرص التعاون مع مصر في مجالات متعددة. وبناء على ذلك، يبدو أن التعاون العسكري التقني بين البلدين قد بلغ أعلى مستوياته. ومن المتوقع أن تصبح المنطقة الصناعية في منطقة قناة السويس نقطة هامة لإنتاج وتسويق المنتجات العسكرية.
في المقابل، لا تزال مصر تواجه جملة من المشكلات الاقتصادية الداخلية. وعلى الرغم من اعتمادها على استثمارات خارجية مثيرة للإعجاب مُقدّمة من قبل الدول الغربية والممالك العربية في الخليج العربي، على غرار حليفتي القاهرة الرئيسيتين في المنطقة؛ أبوظبي والرياض، إلا أن الوضع الاقتصادي للبلاد لم يتمكن من تجاوز تبعات الثورة. وقد يجعل ذلك روسيا تشك في صحة اختيارها لشريكها الرئيسي في منطقة شمال إفريقيا بحسب ما ذكرته الصحيفة الروسية.
توقعات مبشرة لمصر
ومن المتوقع أن يشهد الوضع الاقتصادي المصري تحسناً كبيراً، بحلول نهاية هذه السنة. وتستند هذه التوقعات إلى نمو الاستثمار الأجنبي في مصر، خاصة في قطاع النفط والغاز. في الأثناء، يظل هدف البنك المركزي المصري تخفيض معدل التضخم إلى حدود 13% مع نهاية الربع الأخير من السنة المالية 2018. فضلاً عن ذلك، تمكنت الحكومة المصرية من دفع جزء من ديونها لدى بعض مشغلي مشاريع النفط والغاز لسنة 2017.
ومن المفترض أن تستثمر شركات من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول غربية أخرى ما قيمته 10 مليارات دولار تقريباً في مشاريع في مصر. لكن، ستبقى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أكبر المستثمرين، من بين ممالك الخليج العربي، في بلاد الفراعنة.
ويعتبر مجال البناء وتطوير الأعمال العقارية من المجالات الأكثر جذباً للاستثمار الأجنبي في مصر، بعد مجال النفط والغاز، نظراً لارتباطه بالسوق الاستهلاكية الكبيرة في مصر. وقد باتت تظهر بوادر انتعاش الاقتصاد المصري وتعزيز الجنيه المصري، على المدى القريب، بالإضافة إلى النهوض بالميزانية العامة.
تحديات تواجه مصر
لكن، في الوقت ذاته، تشير تقارير وكالات التصنيف الدولية إلى أن التحديات التي ستواجه مصر لا تزال كبيرة، خاصة أنها ناتجة عن الصراعات الدائرة في البلدان المجاورة، وانعدام الاستقرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط. ويعتبر الإرهاب أحد أهم أسباب انعدام الاستقرار في العالم، كما تظل مصر عاجزة عن دحره من أراضيها بصفة تامة.
ومنذ فبراير الماضي، انطلقت، في شبه جزيرة سيناء، عمليات واسعة النطاق ضد الإرهاب، التي لا تزال متواصلة. ونتيجة لذلك، قد يتأثر تنفيذ مشروع المنطقة الصناعية الروسية في منطقة قناة السويس بمعارك الجيش المصري، على الرغم من ارتباطه بشكل مباشر بالتقدم الاقتصادي للبلاد، والانفتاح السياسي والتجاري، وعلاقات التعاون الاقتصادي والتكنولوجي بين موسكو والقاهرة.
وفي 14 مايو، عُقدت مشاورات 2+2 بين وزراء الدفاع والخارجية لكل من روسيا ومصر في موسكو. وفي خضم هذه المشاورات، تمثلت المواضيع الرئيسية في الوضع في سوريا، والقضية الفلسطينية ومكافحة الإرهاب، فضلاً عن عواقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني. كما تم النظر في تنفيذ المشاريع الاقتصادية الروسية المصرية.
العلاقات بين روسيا ومصر ستتطور أكثر
وتعتبر العلاقات بين روسيا ومصر، على المستوى السياسي، جيدة، خاصة أن التعاون العسكري التقني يساهم في توطيدها. ومع بدء العمل على المنطقة الصناعية القريبة من بورسعيد، الشرقية، سيكون أمام البلدين فرص كبيرة لتحقيق التعاون الاقتصادي، وبالتالي، توطيد العلاقات السياسية أكثر.
وسيتم خلق تكنولوجيا متطورة للصناعة النووية، التي بالإضافة إلى مساهمتها في إنتاج الكهرباء، ستساعد على خلق فرص عمل جديدة. وخلال نوفمبر/تشرين الثاني سنة 2015، وقّعت القاهرة اتفاقاً حكومياً بشأن تشييد محطة للطاقة النووية مكونة من أربع وحدات، قدرة إنتاج كل واحدة منها 1200 ميغاواط.
وفي مايو/أيار، وافق الجانب المصري على الحصول على قرض روسي بقيمة 25 مليار دولار، لبناء محطة بسعة إجمالية قدرها 4800 ميغاواط، علما أن المدفوعات المصرية لروسيا ستستمر على مدار أكثر من 13 سنة، أي الفترة الممتدة بين سنة 2016 وسنة 2028، بمعدل 3% سنوياً.
من جهتها، تبحث مصر عن صيغة متقدمة من التعاون العسكري التقني مع روسيا على أساس اتفاقية التعاون العسكري لسنة 2014-2015، التي تتضمن عقوداً لشراء أسلحة تبلغ قيمتها أكثر من 3.5 مليار دولار، وأنظمة صواريخ مضادة للطائرات ومقاتلات ومروحيات هجومية وأسلحة ومعدات عسكرية أخرى.