باحثون: إيران تخلت عن اسم “بلاد فارس” إرضاءً للنازيين الألمان، وللابتعاد عن الأتراك
في العام 1935، طالب الشاه رضا بهلوي الدول الأجنبية علناً اعتماد اسم “إيران” عوضاً عن “فارس”. وقع الاختيار على كلمة “إيران”؛ لأنها كانت تُطلق على البلاد سابقاً خلال عهد الساسانيين، حين كانت تُعرف باسم “إيران شهر”، أو “مملكة الإيرانيين” في الشرق الأوسط.
مؤرخون أوروبيون اعتبروا أن هذا التغيير جاء إرضاءً لألمانيا النازية، وهو طرحٌ أثار جدلاً واسعاً، دفع المؤلف التاريخي والمحامي أردافان أمير-أصلاني، إلى البحث عن خبايا الأمر بعد 83 عاماً، ونشره في صحيفة Le Point الفرنسية.
فضلاً عن ذلك، لطالما اعتمد الإيرانيون أنفسهم هذه التسمية للإشارة إلى بلدهم؛ ومن ثم لم يكن هذا الاسم جديداً عليهم حين أعلن بهلوي اعتماده.
برنار هنري ليفي.. والهوية الآرية في ألمانيا وإيران
البداية مع المفكر والمؤلف الفرنسي برنار هنري ليفي، الذي قال في كتابه “الإمبراطورية والملوك الخمسة”، إن الشاه قرر قطع العلاقة مع الماضي المجيد لبلاد فارس، التي أسَّسها كل من خشايارشا وداريوس، ليعيد تسمية بلاده ويجعلها تستعيد هويتها “الآرية”؛ الأمر الذي يجعل الهوية الآرية محل تساؤل عن مدى تطابقها مع الأيديولوجية النازية.
وأضاف ليفي أن تغيير اسم البلاد كان القصد منه تحقيق التقارب الدبلوماسي بين بلاد فارس بقيادة رضا بهلوي، وألمانيا تحت زعامة أدولف هتلر، في ذلك الوقت، بالإضافة إلى التقارب بين الأيديولوجيات المختلفة.
ويرى ليفي أن الهدف الضمني من وراء تغيير اسم البلاد لم يقتصر على نية الإيرانيين تشارُك مفهوم السمو بين الشعوب الآرية والنازية؛ بل أيضاً تشارُك الموقف ذاته تجاه اليهود. ويثير ذلك شكوكاً حول إمكانية تغيير الشاه اسم بلاد فارس تلبية لأوامر هتلر.
لفظة “الآري” بالنسبة للإيرانيين تعني شعبهم فقط
تعتبر رغبة الشاه في التقرب من ألمانيا النازية دبلوماسياً أمراً واقعياً، لكن يجب وضع هذه الرغبة في سياقها لفهمها أكثر. كما ينبغي أيضاً العودة إلى أصل المصطلح وتحليل تسمية “إيران”؛ لفهم السبب الكامن وراء رغبة رضا بهلوي في إعادة اعتمادها من جديد وإلغاء تسمية “بلاد فارس”.
في الحقيقة، شهد لفظ “الآري” سوء استخدام لمعناه خلال القرن الـ 19. ويعود ذلك إلى الطروحات التي نشرها المفكر الفرنسي جوزيف آرثر غوبينو في مقاله الذي تحدث فيه عن “انعدام المساواة بين الأجناس البشرية”، الأمر الذي جعله بمثابة الأب الروحي للفكر النازي. وقد اعتمد النازيون فكر غوبينو لتطوير أيديولوجيتهم الخاصة.
أما بالنسبة للإيرانيين، فلا يمتُّ لفظ “الآري” إلى السموّ بصلة، وإنما له علاقة بالشعب الإيراني فقط، أي أن آري تعني إيران. وخلال عهد الساسانيين كان لفظ “أريان أكسارشرا” بالفارسية يدل على “مملكة الآريين”. ويعني ذلك أن “الآرية” لها وقع يتماشى مع تسمية “إيران”، والذي يعني باللغة الأفستية (وهي اللغة الهندية الإيرانية القديمة لبلاد فارس) “النبيل”.
ومن ثم، لم تكن كل شعوب فارس آرية!
على بُعد آلاف الأميال، وتحديداً في الهند، استخدمت اللغة السنسكريتية اللفظ ذاته تقريباً، أي “أريا”، مع العلم أن اللغتين المتفرّعتين عن السنسكريتية، أي اللغة الهندو-آرية، واللغة الهندو-إيرانية، انفصلتا، بحسب خبراء اللغة، قبل 4 آلاف سنة تقريباً.
واصلت القبائل الآرية، التي استخدمت هذه اللغة للمرة الأولى، رحلتها نحو الشرق، ووصلت إلى الهند عبر بنجاب، في حين استمر استخدام باقي اللغات المتفرعة على الهضاب الإيرانية.
ويعود أصل عبارة “الأمة الإيرانية” إلى الساسانيين، مع اعتماد لفظ “إيران” أي “الآرية”، و”إيران شهر” الذي يعني “مملكة الآريين” أو الإيرانيين. ولا تعكس هذه المصطلحات معانٍ إدارية؛ بل عرقية وسياسية.
وبحسب تفسير أمير-أصلاني، يعني مصطلح “إيران شهر” الأراضي التي حكمها الفرس، والتي تنتشر فيها الثقافة الفارسية والساسانية. إضافة إلى ذلك، هناك إيرانيون يقطنون خارج الحدود الساسانية، على غرار السقديانيين بآسيا الوسطى والعلانيين في شمال القوقاز والأشكانيين بأرمينيا.
ولم تكن هذه الشعوب تعتبر نفسها إيرانية داخل “إيران شهر”، خاصة الشعوب السامية التي عاشت بالمنطقة التي يمثلها العراق في وقتنا الحاضر.
مع ذلك، تم الاعتراف بهم كجزء من إيران من قِبل الحاكم الساساني الذي كان ملكاً لـ”الإيرانيين” و”غير الإيرانيين”. ويشير ذلك إلى أن أول حكام الساسانيين الذين تداولوا على حكم الإمبراطورية الفرثية عملوا على إضفاء هيكلة جديدة على بلاد فارس تضم ثقافة وديانة وطنية خاصة بها.
لم يُغيّر بهلوي اسم البلاد من أجل الإيرانيين
لم تتداول الشعوب القديمة لفظة “إيران” للإشارة إليها؛ بل بلاد فارس، وتحديداً من قِبل الشعبَين الإغريقي والروماني، اللذين اعتمدا هذه التسمية في إشارة إلى “بارس”، أي منطقة فارس الواقعة جنوب غربي إيران، والتي ينحدر منها الساسانيون والأخمينيون.
بل لفصل إيران الحاضر عن الماضي
وفي الواقع، لم تغير إيران اسمها من أجل الإيرانيين، إلا أن هذا التغيير جاء من أجل العالم الغربي، الذي كان يطلق على إيران “بلاد فارس” خلال العصور القديمة. ويبدو أن الشاه رضا بهلوي رأى في هذا المصطلح دلالة غريبة وتقاليد فولكلورية؛ الأمر الذي دفعه إلى أن يعيد صياغة خلفيتها.
أظهر للعالم مدى قدرته على فرض سلالته (لتمييزها عن سلالة القاجار الناطقة باللغة التركية) عبر اختيار اسم “إيران”، وتقديمها في صورة وريثة الساسانيين والأخمينيين.
والانفتاح على العالم الغربي
بالإضافة إلى ذلك، يندرج اختيار اسم “إيران” ضمن “خطة تعزيز التواصل” التي أقرها الشاه ليقدم بلاده كدولة حديثة منفتحة على العالم. كما عمل أيضاً، عبر هذا المخطط، على أن يميز سلالته عن سلالة القاجار، التي عُرفت بحكامها الفاسدين والخاضعين لقوى أجنبية على غرار روسيا وبريطانيا العظمى.
كما أراد الشاه الحصول على دعم القوى “الصاعدة” دون خسارة استقلاليته.
فتقرَّب من ألمانيا بدلاً من تركيا
دفعه ذلك إلى تحقيق التقارب مع ألمانيا النازية أكثر من تركيا، التي يحكمها في ذلك الوقت مصطفى كمال أتاتورك. ورغم أن محاولات التقرب من برلين انطلقت قبيل بروز هتلر، تحديداً منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، فإن ذلك لا يُخفي حقيقة أن تغيير اسم البلاد تم بعد تقارب إيران من ألمانيا النازية.
ولا يوجد أي تقارب أيديولوجي بين الأمتين
من جهة أخرى، لا يمكننا ملاحظة أية تقارب أيديولوجي بين البلدين؛ لعدم وجود أية نقاط تشابه بين الآرية الإيرانية والآرية النازية. وبحسب الباحث فريدريك ساليه، لو أرادت إيران تحقيق تقارب مع ألمانيا، فذلك يعود إلى دوافع سياسية انتهازية أكثر من التركيز على الأهمية الأإيديولوجية.
وبغض النظر عن الأبحاث التي سيتم إجراؤها في خصوص هذا الموضوع، فمن المؤكد أننا لن نجد أبداً أي دليل على إمكانية خضوع إيران لإملاءات ألمانية بخصوص تغيير اسم البلاد.