كواليس إقالة عضو مجلس الأمة الجزائري واندلاع أزمة داخل حزب بوتفليقة
انتهت التصريحات والتصريحات المضادة بين الأمين العام للحزب الحاكم بالجزائر جمال ولد عباس، وعضو مجلس الأمة المنتمي إلى الحزب ذاته (جبهة التحرير الوطني) عبد الوهاب بن زعيم، بالفصل النهائي.
ونشر السيناتور عبد الوهاب بن زعيم الرسالة التي وصلت إليه من رئيس المجموعة البرلمانية للحزب في 7 مايو/أيار 2018، والتي تتضمن قرار الفصل الصادر من لجنة الانضباط التابعة للحزب.
وعلَّق بن زعيم على قرار فصله بقوله: “دعوتي لله عز وجل ونحن على أبواب شهر رمضان على ولد عباس جمال: كما استقويت عليَّ بسلطانك.. أدعو الله أن يُريني قوته وسلطانه فيك… إن الله عزيز ذو انتقام”.
رسالة وجيزة دون قرار
قرار فصل عضو مجلس الأمة عبد الوهاب بن زعيم من الحزب كان برسالة لم تتعدَّ كلماتها 50 كلمة، وجاءت على مرحلتين؛ الأولى رسالة من الأمين العام للحزب، جمال ولد عباس، إلى رئيس المجموعة البرلمانية محمد زوبيري، ومن ثم رسالة من هذا الأخير إلى المعنيِّ.
واعتبر المحلل السياسي الجزائري داود سلماني أن الفصل جاء برسالة ولم يتضمن قراراً، رغم أن ما جاء في محتوى الرسالة تحدث عن قرار من لجنة الانضباط بالحزب، وهو ما يجب أن يطلع عليه السيناتور.
ويعتبر أن تسرع الحزب في حسم فصل السيناتور برسالة وجيزة “يعكس تعجل رئيس الحزب، جمال ولد عباس، الحسم في القضية، وبسط يده على بعض أعضاء الحزب المتمردين”.
ومن حق السيناتور بن زعيم، وكذا الرأي العام -يردف المحلل السياسي في تصريحه لـ”عربي بوست”- “معرفة تفصيلات القرار واحدة بواحدة، كما هو معروف بنماذج القرارات الإدارية، يبرز أسباب الفصل، وأعضاء لجنة الانضباط، والقوانين التي استندوا إليها في القرار، كانت جمهورية أو قوانين داخلية للحزب”.
“ولا يخفى على أحد أن السيناتور هو ممثل الشعب في مجلس الأمة، يرفع انشغالاته، ويحرص على تحسين ظروفه؛ لأنه منتخَب بالدرجة الأولى؛ لذا فالفئة التي اختارته كان عليها معرفة ما حصل بالضبط”، كما قال سلماني.
فصل من الحزب والمجموعة البرلمانية
رسالة الفصل التي وصلت إلى عضو مجلس الأمة الجزائري بن زعيم، لم تتضمن قرار الفصل عن هيكلة الحزب وحسب؛ بل امتد إلى المجموعة البرلمانية بقرار الفصل منها أيضاً.
فالرسالة التي وجهها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، إلى رئيس المجموعة البرلمانية، محمد زوبيري، تحت رقم 66/18 بتاريخ 12 أبريل/نيسان 2018، تحدثت عن قرار فصل عبد الوهاب بن زعيم من الحزب، وطالب باتخاذ الإجراءات اللازمة.
لكن الرسالة التي بعث بها رئيس المجموعة البرلمانية، محمد زوبيري، إلى السيناتور بن زعيم في 15 أبريل/نيسان 2018، تحدثت عن الفصل من الحزب وكذا من المجموعة البرلمانية في آن واحد.
وجاء في الرسالة: “بعد المقدمات… قرار لجنة الانضباط بفصلكم بصفة نهائية من الحزب؛ وبالتالي من المجموعة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني بمجلس الأمة”.
لأنه طالب برحيل وزيرة التربية
تعود قصة السيناتور بن زعيم عبد الوهاب إلى 25 فبراير/شباط 2018، لما نشر على صفحته في فيسبوك، منشوراً طالب من خلاله برحيل وزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريت، بعد قرارها فصل الآلاف من الأساتذة بعد إضرابهم المعروف.
واعتبر حينها بن زعيم القرار “تعسفياً”، يضاف إلى قرار الإحالة المسبقة إلى التقاعد بالنسبة للآلاف من الأساتذة، موضحاً أن وزارة التربية أصبحت تلجأ إلى قرارات إدارية بحتة بعيداً عن العدالة والقضاء في تسيير ملف الإضرابات.
وخلص إلى القول: “إذا كان لا بد من العزل فلنعزل شخصاً واحداً وهو وزيرة التربية؛ لأنها لم تستطع حل المشاكل أحسن من أن نعزل آلاف التلاميذ وآلاف الأساتذة!”.
ويعتبر المحلل السياسي داود سلماني لـ”عربي بوست”، “تحرك السيناتور بالسابقة في تاريخ الحزب الحاكم بالجزائر، ووصفه بالجريء بعد مطالبته بإقالة الوزيرة”.
من شخصية العام إلى مطرود
في يوليو/تموز 2016، وقع الاختيار على شخصية عبد الوهاب بن زعيم كشخصية العام؛ نظراً إلى مجهوداته في تحسين أوضاع معيشة المواطنين، وتحركاته في نقل انشغالاتهم إلى قبة البرلمان والوزراء.
وتم الاختيار حينها بعد سبر الآراء من مختلف بلديات العاصمة وبعض النشطاء على فيسبوك من مختلف البلديات، وممثلي المجتمع المدني؛ كالهلال الأحمر الجزائري والكشافة الإسلامية الجزائرية والجمعيات الناشطة.
السيناتور أعطى الصورة الحقيقية لما يجب أن يكون عليه النائب البرلماني، فمنذ انتخابه لعضوية مجلس الأمة ازداد نشاطه وعمله في الميدان، هناك من راهن بأنه سوف يختفي من الميدان مباشرة بعد انتخابه كعضو مجلس أمة في ديسمبر/كانون الأول 2015، ولكنه أظهر العكس ونجح في التحدي وبرهن على أنه يستحق أن يمثل حزب جبهة التحرير الوطني، وكان على قدر الثقة التي مُنحت له.
يُمنع الكلام إلا بترخيص
الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني أكد أن السيناتور بن زعيم وعدداً من أعضاء البرلمان الآخرين خالفوا قانون الحزب، وحُق عليهم الامتثال أمام لجنة الانضباط التي يعود إليها القرار.
واعتبر “كل التصريحات التي تأتي من هنا وهناك دون ترخيص مسبق منه، تعد تصريحات غير مسؤولة ولا تمثل الحزب، وذلك وفقاً للقانون الداخلي لـ(جبهة التحرير الوطني)، والذي يفرض على كل منتمٍ إلى الحزب تصريحاً مسبقاً قبل التصريح”.
وبخصوص مطالب بن زعيم بإقالة الوزيرة نورية بن غبريت، فردَّ حينها جمال ولد عباس بقوله: “رئيس الجمهورية هو الوحيد الذي يملك صلاحيات تعيين الوزراء وإنهاء مهامهم”.
وأكد في الوقت نفسه: “هناك 7 إطارات من الحزب تمت إحالتهم إلى لجنة الانضباط؛ لخرقهم القانون الأساسي والنظام الداخلي، ويعد بن زعيم ثامنهم”.
لسنا عبيداً
السيناتور المقال من الحزب الحاكم عبد الوهاب بن زعيم، يعتبر ما قام به رئيس حزب جبهة التحرير الوطني، ديكتاتورية وخارجاً عن إطار العمل السياسي، ومسيئاً أيضاً إلى المشهد العام للحريات في الوطن.
وأكد بن زعيم لـ”عربي بوست” أن “زمن العبيد ولَّى، والأمين العام للحزب يريد فرض بعض التوجيهات التي أكل الدهر عليها وشرب، وتعليمات التصريحات بتراخيص مسبقة استعباد بأتمِّ معنى الكلمة”.
يضيف: “فلأجل حريتي، أستطيع أن أضحي بكل ما أملك، وإن كان الخروج من الحزب هو ثمن لهذه الحرية فلا حرج، بشرط أن تكون شرعية، وبطريقة دستورية وبعيدة عن استعباد البعض”.
وأكد أن “انتقاده وزيرة التربية كان في محله، ولا يزال متمسكاً به، وكل مسؤول يكون عاجزاً في تسيير قطاعه، سيكون محلاً للانتقاد، كما أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يعلم مطلبه برحيل الوزيرة” .
داود سلماني المحلل السياسي الجزائري، يرى أن الخلاف في بيت الحزب العتيد سيزداد مع اقتراب موعد الرئاسيات 2019.
واعتبر وجود تحركات داخلية بعد إقالة بن زعيم يوحي بوجود عدم رضا كبير في تسيير شؤون الحزب، خاصة بعد قرار البعض الوصول إلى أروقة المحاكم.
ولا يستبعد المتحدث أن تكون إقالة السيناتور عبد الوهاب بن زعيم القاطرة التي ستحرك أكثر معارضي الحزب.