تحركات أوروبية لانقاذ الاتفاق النووي الايراني بعد انسحاب واشنطن
سارعت القوى الأوروبية الأربعاء لانقاذ الاتفاق الذي يقيد برنامج ايران النووي بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب واشنطن منه وإعادة فرض العقوبات على طهران.
من جهته، طلب المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي الأربعاء من الأوروبيين تقديم “ضمانات عملية” لإيران لكي تواصل التزامها بالاتفاق النووي الموقع في 2015 بعد انسحاب واشنطن منه.
وأثار ترامب غضبا واسعا لا سيما في القارة الأوروبية بقراره التخلي عن الاتفاق رغم ترحيب بعض الأطراف بالخطوة التي تحمل خطر تقويض الجهود الدبلوماسية لحل عدة ملفات على الساحة الدولية وإضافة عامل جديد لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
واستهزأ بالاتفاق الذي وصفه في خطاب أمام الأمة ألقاه في البيت الأبيض الثلاثاء بـ”الكارثي” و”المخجل” بحق الولايات المتحدة وقال أنه لا يقيد طموحات طهران النووية.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الاربعاء عبر إذاعة “آر تي ال” أنه سيلتقي الاثنين المقبل إلى جانب نظيريه البريطاني والألماني ممثلين عن ايران “لدراسة الوضع”.
وتابع أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون سيجري محادثات هاتفية مع نظيره الايراني حسن روحاني بعد ظهر الاربعاء تعبر عن “رغبتنا في البقاء في الاتفاق”.
وشدد لودريان على أن القوى الأوروبية ستحاول “الحفاظ” على الامتيازات الاقتصادية التي حصلت عليها ايران اثر رفع العقوبات عنها بموجب الاتفاق.
وفي هذا السياق، أكد مسؤول من الرئاسة الفرنسية الاربعاء ان المسؤولين الاوروبيين سيبذلون “كل جهد” ممكن لحماية مصالح شركاتهم العاملة في ايران.
لكن خامنئي قال في خطاب بثه التلفزيون الإيراني ويبدو أنه موجه إلى المدافعين عن الاتفاق ومن بينهم الرئيس حسن روحاني، “يُقال بأنّنا سنواصل مع ثلاثة بلدان أوروبيّة. لستُ واثقاً بهذه البلدان الثلاثة أيضاً (…) إذا أردتم عقد اتفاق فلنحصل على ضمانات عمليّة وإلا فإن هؤلاء سيقومون جميعاً بما فعلته أمريكا. إذا لم تتمكّنوا من أخذ ضمانات حتميّة فلن يكون مقدوراً مواصلة السير ضمن الاتفاق النووي”.
– “بنية متآكلة” –
ودعا ترامب إلى “اتفاق جديد ودائم” لا يتضمن قيودا أشد على برنامج ايران النووي فحسب، بل كذلك على صواريخها البالستية ودعمها مجموعات مسلحة في الشرق الأوسط.
وقال “لا يمكننا منع قنبلة نووية ايرانية في ظل البنية المتآكلة والعفنة التي أبرم على أساسها الاتفاق الحالي”.
وأضاف “لن نسمح بالتهديد بتدمير المدن الأميركية ولن نسمح لنظام يهتف +الموت لأميركا+ بالوصول إلى أكثر الأسلحة فتكا على الأرض”.
وأعرب روحاني الذي يهدد انهيار الاتفاق موقفه داخليا عن غضبه متهما ترامب بشن “حرب نفسية”.
وحذر من أن طهران قد تستأنف تخصيب اليورانيوم “اللامحدود” كرد على قرار ترامب. لكنه أكد أن بلاده ستناقش سبل الرد مع الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق قبل الإعلان عن قراره.
وتغذي مطالب ترامب وإشارته المتكررة إلى أن الايرانيين يستحقون نظاما أفضل من “الديكتاتورية” التي تحكمهم حاليا التكهنات بأن هدفه النهائي هو تغيير النظام.
– ضربة لأوروبا –
وشكل القرار هزيمة كبيرة لأوروبا التي ناشد قادتها الرئيس الأميركي بإعادة النظر في الأمر.
وفي بيان مشترك، أفادت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والرئيس الفرنسي ماكرون أنهم تبلغوا قرار ترامب “بأسف وقلق”.
لكن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين أكد أن واشنطن تتصرف “بموجب العقوبات التي تحت إمرتنا بشكل مباشر أو ثانوي”.
ويعني ذلك أنه قد يتم استهداف الشركات الأوروبية التي لديها استثمارات أو عمليات في الولايات المتحدة في حال واصلت التعامل تجاريا مع ايران.
ويتم حاليا وضع خطط في بروكسل لاقتراح اجراءات تحظر تطبيق العقوبات الأميركية في تحرك نادر ضد حكومة حليفة.
لكن بولتون أكد أن التعاون مع أوروبا بشأن ايران لم ينته.
وقال لشبكة “فوكس نيوز” إن الولايات المتحدة “ستعمل مع الأوروبيين وغيرهم ليس فقط بشأن الملف النووي لكن كذلك بخصوص تطوير ايران صواريخ بالستية ودعمها المستمر للإرهاب وأنشطتها العسكرية التي تهدد اصدقاءنا”.
– “قرار شجاع” –
وبينما رحب خصما ايران الرئيسيان اسرائيل والسعودية بقرار ترامب، تعهدت القوى الموقعة على الاتفاق مواصلة الالتزام به دون الولايات المتحدة.
وأصرت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني على أن الاتفاق “يحقق هدفه القاضي بضمان عدم تطوير ايران اسلحة نووية، والاتحاد الاوروبي مصمم على الحفاظ عليه”.
ويوفر القرار لترامب انتصارا سياسا داخليا حيث يفي بأحد أبرز وعود حملته الانتخابية.
لكن تداعياته على المدى الطويل بالنسبة للسياسة الأميركية الخارجية والشرق الأوسط لا يمكن التكهن بها.
وحذر بعض المحللين من أن التحرك سيعقد جهود الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون بشأن برنامج بلاده التسلحي الأكثر تطورا.
وقال المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية جون برينان إن تحرك ترامب “أعطى كوريا الشمالية سببا إضافيا للمحافظة على أسلحتها النووية”.
وأعرب الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما الذي أبرمت إدارته الاتفاق عن أسفه لقرار خلفه قائلا “ان نضرب بعرض الحائط الاتفاقات التي وقّع عليها بلدنا هو امر يهدد بالنيل من مصداقية الولايات المتحدة”.
وأما وزارة الخارجية الروسية فأعربت عن “خيبة أملها العميقة” من إعلان ترامب.
وقال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان واشنطن “هي الخاسرة” من الانسحاب.
إلا أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو شدد على “دعمه الكامل” لقرار ترامب “الشجاع”.