ليست الأموال ولا الامتيازات وراء الإفشاء بأكبر أسرار مصر لإسرائيل، الموساد يكشف دوافع عميلها، صهر عبدالناصر
كشف فيلم وثائقي بعنوان “داخل الموساد.. عملاء إسرائيليون يتحدثون”، بعض أبرز العمليات الاستخباراتية التي قام بها الموساد الإسرائيلي، منها علاقة أشرف مروان، صهر الرئيس جمال عبدالناصر، بهم ودوافعه للعمل معهم، وفيما إذا كانوا قد خانوه بالكشف عن ارتباطه بهم.
ويظهر في الوثائقي الذي يُعرض حالياً على قناة ARTE الفرنسية-الألمانية، نائب رئيس الموساد شمويل غورين في الفترة (1982- 1984) وهو يصف أشرف مروان، بأنه أفضل مخبر سري في مجاله، وأفضل مخبر سري سبق وأن حصلوا عليه، ويتحدث عن عدم تصديقه الأمر عندما سمع اسمه كعميل محتمل للمرة الأولى.
ويمتنع المسؤول السابق في تجنيد العملاء السريين في الموساد حينذاك، أفي داغان، الذي يُزعم أن مروان تواصل معه، عن ذكر التفاصيل العملياتية، التي قال إنه يعتبرها حتى الآن سراً، لكنه أكد أن مروان وجد طريقاً يصله إليهم.
ويقول غورين إنه كان يعمل في أوروبا، وعلم أن أشرف مروان تواصل معهم. ثم تفحص المواد التي جلبها لهم في لقائهم الأول، وعندما تفحصها أكثر، قال لو أن هذه المواد صحيحة فستكون بمثابة هزة للعالم، لأنه كان لا يصدق كيف وصلت أكبر الأسرار التي تمتلكها مصر إلى أيديهم.
فتلك المعلومات ساهمت في منع إسقاط طائرتين إسرائيليتين على الأقل، على متنها المئات من الإسرائيليين.
كيف كان يحصل على المعلومات؟
مروان الذي كان متزوجاً من ابنة الرئيس جمال عبد الناصر، كان له مكانة مميزة حيث أوكلت له مهام مختلفة، يلتقي رؤساء الاستخبارات في ليبيا والسعودية، وربما مع أحد من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي أيه”، أو الإيطاليين، بحسب ما يقول غورين.
وما سهل عملية جمع المعلومات على مروان أنه صهر الرئيس، فبحسب غورين “في مصر لن يسأل أحد صهر الرئيس أية أسئلة، فمن يسأل يفقد رأسه”.
ويقول إنه عندما جاء مروان إلى لندن، “نظف السفير (المصري) حذاءه، في كناية إلى إيلائه اهتماماً كبيراً، لأنه كان صهر الرئيس وكان يعلم ما الذي كان يجري، فحصل على سيارة ومكتب وكل شيء ببساطة.
ما كان دافعه؟ بحسب الإسرائيليين
وهنا يطرح معد الوثائقي سؤالاً للمسؤولين السابقين في الموساد حول دوافع هذا الصهر للتعاون معهم سيما وخاصة أن المال لم يكن مشكلته.
يقول المسؤول السابق في التجنيد في الموساد داغان، إن ما دفع مروان للعمل مع الموساد هو الثأر والإحباط من فقدانه مكانته بعد وفاة حميه جمال عبدالناصر.
ويعتبر غورين أن الأنانية لعبت دوراً في توجهه للعمل معهم، لأنه كان يريد أن يمارس تأثيراً.
وعن الكيفية التي تم التواصل فيها معه، يشير إلى أن مروان التقى رئيس الموساد سابقاً تسفي زامير شخصياً، وقال مروان إن مصر لا تحبه، وهناك على الأقل أحد يحبه، في إشارة إلى الإسرائيليين، على حد زعمه.
يقول زامير إنه كانت علاقة محترمة تجمعهما، وكانا يقدران بعضهما جداً، وكان مروان يشعر بذلك، كما كان هو أيضاً.
الإبلاغ عن قرار شن حرب 6 أكتوبر
ويزعم الإسرائيليون أنهم تلقوا خبر توقيت شن حرب “يوم الغفران” أو حرب 6 أكتوبر من قبل المصريين من أشرف مروان، المقرب من صانعي القرار في مصر، الذي كان يُلقب باسم الملاك كعميل.
إذ يقول رئيس الموساد سابقاً زامير إن مروان طلب منه القدوم للندن، وأبلغه باعتقاده بأن حرباً ستندلع مع إسرائيل، فقام بتوجيه أسئلة له عن جميع المعلومات التي قدمها لهم، وتحقق منها مراراً وتكراراً، خشية أن يكون قد أصبح عميلاً مزدوجاً.
لكنه اقتنع بالنظر إلى العلاقة الخاصة التي كانت تجمعهما، بأن المعلومات التي قدمها لهم كانت ذات أهمية كبيرة، فكتب إلى إسرائيل بأن الحرب ستندلع، لكن لم يأخذ العسكريون الأمر بالحسبان ولم يصدقوا.
وعندما سئل زامير فيما إذا كان لم يخش حينها بأن مروان كان يكذب عليهم فرد “لا”.
ووقعت الحرب فعلاً في الـ 6 من أكتوبر وسط خلاف بين الجيش والموساد حول صدقية معلومات مروان. يقول زامير إن الجيش الإسرائيلي لم يكن متحضراً للحرب ورد بشكل متأخر، ودفعوا الثمن دماً.
الكشف عن العميل بعد قرابة 30 عاماً من الحرب
كشفت الصحافة الإسرائيلية في العام 2002 أن مروان كان عميلاً للموساد، ومات مروان بعد أعوام في السابع والعشرين من شهر حزيران من العام 2007 بعد أن سقط من شرفة في لندن، وسط تكهنات فيما إذا كانت جريمة قتل أم انتحاراً.
وتحدثت الصحافة المصرية حينها عن عيشه حالة اكتئاب لاتهامه بأنه كان عميلاً مزدوجاً لمصر وإسرائيل.
يقول غورين إن مروان كان قيماً لإسرائيل وهم الملامون على عدم حمايته بشكل ملائم. ويضيف أن مروان كان يأمل في توقف الحديث عنه بعد بدء وسائل الإعلام بنشر الشائعات عنه، متكهناً بأن مواصلة الصحافة الإسرائيلية الحديث عنه أدت إلى رمي أحدهم له من النافذة.
وفيما إذا كان الإسرائيليون خانوه، يقول زامير “بالتأكيد. لقد قدناه إلى هذا الوضع. هذا يجعلني حزيناً.. حزيناً للغاية”، مضيفاً أنه لم يبلغ عنه، بل حماه.
وكان برنامج خاص عن مقتل مروان، بُث العام الماضي على قناة الجزيرة، ذكر أن مقتل مروان جاء بعد أسبوعين فقط من صدور حكم في إسرائيل يثبت أن مروان عمل جاسوساً لصالح الموساد.
وبين أن السلطات البريطانية استبعدت أي شبهة جنائية في موته، بالإشارة إلى تدهور حالته الصحية والعثور على آثار أدوية مضادة للاكتئاب في دمه.
مات مقتولاً، ربما!
وتقول منى عبد الناصر زوجة مروان، وفق وثيقة مسربة نشرتها ويكليكس، أنه لم يسبق له وأن تحدث عن الانتحار، وأنها تخشى أن يكون قد مات مقتولاً. وكانت ابنة عبدالناصر قد اتهمت الموساد الإسرائيلي بقتل زوجها، كما تحدثت عما ذكره مروان لها بوجود أشخاص يريدون قتله في الفترة التي سبقت وفاته.
وينقل الوثائقي عن الطبيب الشرعي المكلف بقضية مروان تأكيده عدم وجود أي دليل على نية مروان الانتحار، وأن ليس هناك من أدلة على أن مروان قد اغتيل، بعد أن تمت إعادة فتح التحقيق في القضية في العام 2010 جراء طلب من الجالية المصرية في لندن.
وكان جوزيف ريباسي أحد 4 موظفين يعملون لدى شركة يوبيكام التي يملكها مروان في لندن، ينتظرونه في بناء مجاور عند حدوث الواقعة.
يقول ريباسي إنه شاهد مروان يطير في الهواء قبل سقوطه على الأرض، ليظهر في الشرفة شخصان بملامح شرق أوسطية، ثم اختفيا مباشرة.
تقول أنى ميشون، الضابطة السابقة في الاستخبارات الداخلية البريطانية أن ذلك ما تم تناقله في الموجة الثانية من التحقيقات، وتم الإبلاغ عن هوية الشخصين لكن تم الاحتفاظ بهويتهما سراً.
وعبرت ميشون عن اعتقادها بأن المخابرات البريطانية تخفي شيئاً في هذه القضية، الأمر المثير للريبة. ولا يعد ذلك الأمر الوحيد المثير للارتياب في واقعة موته، إذ لم تسجل كاميرات المراقبة الموجودة في المكان ذلك اليوم، كما اختفت مذكرات شخصية كتبها مروان مقسمة على 3 كتب وسجلها على أشرطة كاسيت بعد موته.
وتشير وثيقة لويكليس، أن الافتراض الأقوى لدى شرطة سكوتلاند يارد هو أن مروان قُتل لكنهم لا يستطيعون إعلان ذلك.
وتشير تكهنات المحللين إلى احتمال أن تكون خلافات حول تجارة السلاح، التي كان يعمل بها مروان مع دول عربية وإفريقية قد أودت به.
مبارك كرّمه.. ووكيل استخبارات مصري سابق يتهمه بالعمالة
وعلى الجانب المصري، ما زال الجدل قائماً حتى اليوم فيما إذا كان أشرف مروان عميلاً لإسرائيل أم أنه كان يعمل لصالح مصر ضد إسرائيل.
إذ يقول وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق اللواء محمد رشاد إن أشرف الذي كان سكرتير الرئيس السادات للمعلومات كان جاسوساً، قدم نفسه للمخابرات الإسرائيلية، للتعاون معها مقابل حفنة من الأموال وحدد مستوى اتصاله ليجمعه برئيس الموساد شخصياً لكي لا ينكشف أمره، على ما صرح لصحيفة الرأي الكويتية أواخر العام 2016.
ويتهم “رشاد” أشرف مروان بتقديم مجموعة من المعلومات القيمة لإسرائيل لكي يثبت أنه ليس جاسوساً مصرياً، منها محضر اجتماع السادات مع القادة السوفيات.
ويزعم رشاد أن المعلومات التي قدمها مروان للإسرائليين أفادتهم ودفعتهم لتحريك قواتهم في أكتوبر بعد أن كانوا قد استبعدوا حصول حرب.
فيما نشرت وسائل إعلام مصرية إشارات رسمية تدل على أنه مروان قدم خدمات جليلة لبلاده مصر وتبعد عنه شبهة العمالة، في ظل غياب موقف رسمي صريح عن الأمر، كشأن بث التلفزيون المصري في 6 أكتوبر 2004، أي بعد عامين من نشر الجانب الإسرائيلي معلومات عن عمالته لصالحهم، فيلما قصيراً يظهر الرئيس الأسبق حسني مبارك وهو يحتضن أشـرف مروان قبل أن يضـعا باقة من الزهـور على قبـر جمـال عبـد الناصر، إلى جانب سماح عمـرو موسى وزير الخارجية الأسبق، بعد أن كشفت إسرائيل عن مروان، لابنته بالزواج مـن ابن مروان في الوقـت الذي كـان فيه موسى في منصب يسمح لـه بالاطلاع على المعلومات سرية.
وأشار موقع اليوم السابع إلى أنه وبعد اغتيال مروان في لندن، أصدر مبارك بياناً رسمياً أكد فيه أن مروان “كان وطنياً مخلصاً وقام بالعديد من الأعمال الوطنية لم يحن الوقت للكشف عنها”، كما أرسل نجله جمال ليشارك في الجنازة التي حضرها شخصيات رفيعة من الحكومة وعدد من قيادات المخابرات المصرية.
وذكرت قناة الجزيرة أن السادات كرم مروان بعد الحرب، فأصبح مندوبه الخاص لدى قادة الدول، ثم عُين رئيس الهيئة العربية للتصنيع.
وكانت مسألة اختلاف ساعة الصفر لحرب6 أكتوبر التي قيل إن مروان أوصلها للإسرائيليين (6 مساء) عن الموعد الحقيقي لانطلاق الحرب (الثانية ظهراً)، أبرز النقاط التي جعلت المحللين يشككون بولاء مروان للإسرائيليين ويتحدثون عن عمله كجاسوس مزدوج لصالح مصر وتقديمه عمداً معلومة خاطئة.
وعن هذا تقول أنى ميشون، الضابطة السابقة في الاستخبارات الداخلية البريطانية، إنه لو قدم معلومة خاطئة ولو بشكل خفيف فأنها أعطت المصريين نقطة تفوق كبيرة، لأنهم تمكنوا من تجاوز قناة السويس واستعادة جزء من سيناء، مضيفة أنها تعتقد بأن مروان لم يكن يعلم التوقيت الصحيح، وأنه ارتكب خطأ وكان يحاول مساعدة الإسرائيليين، لكنها تؤكد أن ذلك يظل يلقي ضوءاً مثيراً على احتمال عمله كعميل مزدوج لصالح المصريين.