واشنطن: لضربات الجوية شلت برنامج الأسلحة الكيماوية السوري
قالت القوى الغربية يوم السبت إن ضرباتها الصاروخية استهدفت قلب برنامج الأسلحة الكيماوية في سوريا لكن الهجوم المحدود لن يوقف على الأرجح التقدم الذي يحرزه الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية التي دخلت عامها الثامن.
وأطلقت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا 105 صواريخ خلال الليل، بعد مزاعم عن هجوم بغاز سام في سوريا، استهدفت ثلاث منشآت قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إنها مركز للأبحاث في حي برزة في دمشق ومنشأتان قرب حمص.
ويمثل القصف أحدث تدخل للدول الغربية ضد الأسد وحليفته روسيا لكن الدول الثلاث قالت إن الضربات اقتصرت على القدرات الكيماوية لسوريا ولم تهدف إلى الإطاحة بالأسد أو التدخل في الصراع السوري.
وليس من المرجح أن تغير الضربات الجوية، التي نددت بها دمشق وحلفاؤها بأنها عمل غير مشروع من أعمال العدوان، مسار حرب متعددة الأطراف أودت بحياة ما لا يقل عن نصف مليون شخص.
ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العملية بأنها ناجحة.
وقال على تويتر: ”المهمة أنجزت“ في ترديد لعبارة استخدمها الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش في عام 2003 لوصف الغزو الأمريكي للعراق وهو الوصف الذي تعرض لسخرية واسعة النطاق بسبب استمرار العنف هناك لسنوات.
وقال اللفتنانت جنرال كينيث مكينزي للصحفيين في البنتاجون ”نعتقد أننا هاجمنا قلب برنامج الأسلحة الكيماوية السوري بضرب برزة بالتحديد“.
لكن مكينزي أقر بأن عناصر البرنامج لا تزال قائمة وإنه لا يمكن أن يضمن عدم قدرة سوريا على تنفيذ هجوم كيماوي في المستقبل.
وقالت نيكي هيلي المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي إن ترامب أبلغها بأنه إذا استخدمت سوريا الغاز السام مرة أخرى فإن ”الولايات المتحدة جاهزة للضرب“.
وقالت الدول الغربية إن الضربات تهدف إلى منع شن مزيد من الهجمات بأسلحة كيماوية في سوريا بعد الهجوم المزعوم في دوما في السابع من أبريل نيسان الذي أسفر عن مقتل ما يصل إلى 75 شخصا. وخلصت تلك الدول إلى أن حكومة الأسد هي المسؤولة عن الهجوم.
وفي واشنطن قال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية يوم السبت إن الأدلة تظهر استخدام الكلور وغاز الأعصاب في ذلك الهجوم وهو ما دفع أمريكا وحلفاؤها إلى شن الضربات.
لكن مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي بدا خلال قمة في بيرو ليس واثقا بشكل كبير من استخدام السارين وقال إن واشنطن من المرجح أن تحدد ما إذا كان السارين قد استخدم مع الكلور.
* صمود الأسد
بعد مضي عشر ساعات على الضربات الصاروخية استمر تصاعد الدخان من أنقاض المباني المدمرة في مركز البحوث والدراسات العملية في برزة الذي قال موظف سوري إنه كان موقع أبحاث ونشاط تطوير المكونات الطبية.
ولم ترد تقارير حتى الآن عن سقوط قتلى.
ونشرت سوريا مقطعا مصورا يظهر أنقاض معمل أبحاث تعرض للقصف لكنه يظهر أيضا الرئيس بشار الأسد أثناء وصوله لمكتبه كالمعتاد مع عنوان مرافق للمقطع يقول ”صباح الصمود“.
وساعد الجيشان الروسي والإيراني على مدى السنوات الثلاث الماضية الأسد على سحق التهديد الذي تشكله المعارضة للإطاحة به.
وتشارك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في الصراع السوري منذ سنوات بتسليح جماعات معارضة وقصف مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد ونشر قوات على الأرض لمحاربة التنظيم. لكن الدول الثلاث أحجمت عن استهداف حكومة الأسد بخلاف وابل من الصواريخ الأمريكية في العام الماضي.
وعلى الرغم من أن جميع الدول الغربية قالت منذ بداية الحرب الأهلية السورية إن الأسد ينبغي أن يتنحى عن السلطة إلا أنها أحجمت عن تنفيذ أي هجوم ضد حكومته في السابق بسبب غياب استراتيجية أوسع نطاقا لهزيمته.
وأوضحت سوريا وحلفاؤها أنهم يعتبرون الهجوم ضربة واحدة وليس من المرجح أن تلحق ضررا كبيرا بالأسد.
وقال مسؤول كبير في تحالف إقليمي يساند الأسد لرويترز إن الحكومة السورية وحلفاءها ”استوعبوا“ الضربة وإنه تم إخلاء المواقع المستهدفة منذ أيام بناء على تحذير من روسيا.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم السبت إن الضربات التي قادتها الولايات المتحدة على سوريا ”غير مقبولة ولا قانونية“.
ووصفت وسائل الإعلام السورية الهجوم بأنه ”انتهاك فاضح للقانون الدولي“. ووصفه الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بالجريمة وقال إن قادة الغرب مجرمون.
وكانت روسيا قد وعدت بالرد على أي هجوم يعرض جنودها للخطر لكن البنتاجون قال إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية لم تستخدم.
وأضاف البنتاجون أن سوريا أطلقت 40 صاروخا أرض-جو لكن بعد أن كانت الضربات الغربية قد انتهت. وقال مكينزي ”نحن واثقون من أن كل الصواريخ التي أطلقناها أصابت أهدافها“.
ووصفت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الضربة بأنها ”محدودة وموجهة“ لا تهدف لإسقاط الأسد أو التدخل على نطاق أوسع في الحرب.
ووصفت واشنطن المواقع التي استهدفتها الضربة بأنها عبارة عن مركز قريب من دمشق لأبحاث وتطوير وإنتاج واختبار الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وموقع لتخزين الأسلحة الكيماوية بالقرب من مدينة حمص وموقع آخر قريب من حمص لتخزين معدات الأسلحة الكيماوية ويضم أيضا مركزا للقيادة.
وقال البنتاجون إن أحد الأهداف التي شملتها الضربات كانت تضم عناصر تستخدم في أسلحة كيماوية، وإن الضربات شلت إلى حد كبير قدرة إنتاج مثل تلك الأسلحة.
وتحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ترامب وماي هاتفيا لبحث نتائج الضربات.
وحث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش كل الدول الأعضاء في مجلس الأمن على التحلي بضبط النفس وتجنب التصعيد في سوريا لكنه قال إن مزاعم استخدام أسلحة كيماوية في سوريا تتطلب تحقيقا.
تفتيش على الأسلحة
من المقرر أن يحاول مفتشون من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية زيارة دوما يوم السبت لتفقد الموقع الذي يشتبه أنه شهد هجوما بالغاز في السابع من أبريل نيسان. وانتقدت موسكو رفض الدول الغربية انتظار النتائج التي سيتوصل إليها المحققون.
ونفت روسيا وقوع أي هجوم كيماوي في دوما واتهمت بريطانيا بأنها وراء اختلاق الهجوم لتصعيد ما وصفته بالهيستيريا المناهضة لروسيا.
وتوخت القوى الغربية الحذر الشديد يوم السبت لتجنب المزيد من التصعيد بما في ذلك نزاع غير متوقع مع روسيا.
وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي إن باريس ”أخطرت الروس مسبقا“ بالضربات لتفادي أي نزاع.
وقال ديمتري بيليك عضو البرلمان الروسي الذي كان في دمشق وشهد الضربات لرويترز عبر البريد الإلكتروني ”الهجوم له طبيعة نفسية أكثر منها عملية. لحسن الحظ لم تحدث خسائر في الأرواح أو أضرار كبيرة“.
وفي دوما نقلت وسائل إعلام رسمية عن بيان للقيادة العامة للجيش السوري القول إن الجيش أعلن يوم السبت خلو الغوطة الشرقية من المسلحين بعد رحيل آخر مسلحي المعارضة من مدينة دوما باتجاه شمال البلاد.
وقال البيان ”أتمت وحدة من قواتنا والحليفة تطهير الغوطة الشرقية من التنظيمات الإرهابية وذلك بعد إخراج جميع الإرهابيين من دوما، آخر معاقل الإرهابيين“.
وينهي هذا فعليا أي وجود للمقاومة في المناطق الواقعة على مشارف دمشق المعروفة بالغوطة الشرقية مما يمثل أكبر انتصار تحرزه الحكومة السورية منذ بداية الحرب.
وشمل الهجوم الأمريكي البريطاني الفرنسي المشترك صواريخ أكثر من هجوم أمريكي مماثل العام الماضي لكنه قصف أهدافا اقتصرت على منشآت الأسلحة الكيماوية لسوريا. ولم يكن للتدخل الأمريكي العام الماضي أي أثر يذكر على الحرب.
ووافقت سوريا في 2013 على التخلي عن أسلحتها الكيماوية بعد هجوم بغاز أعصاب قتل مئات الأشخاص في الغوطة الشرقية. وبموجب الاتفاق كان من المسموح لسوريا الاحتفاظ بالكلور لاستخدامه في أغراض مدنية فيما حُظر استخدامه لأغراض عسكرية.
وتكررت مزاعم استخدام الأسد للكلور خلال الحرب على الرغم من أنه لا يسفر عن أعداد كبيرة من الضحايا على خلاف غازات الأعصاب وعلى خلاف الأعداد التي سقطت في هجوم الأسبوع الماضي.