7 آلاف امرأة جزائرية تتعرضن للتعنيف سنوياً بسبب خروجهن للشارع أو طريقة لبسهن، والسلطات تفتح تحقيقاً
بلباسها الرياضي الذي مزج اللونين الأبيض والأسود، تصل ريمة إلى حواف متنزه الصابلات في العاصمة الجزائر، لم تكن هي المرة الأولى التي تمارس فيها رياضة الجري بهذا المكان، فطول شهر رمضان الماضي، كانت تخرج في التوقيت نفسه قبل أذان المغرب؛ لتجري نصف ساعة قبل العودة إلى البيت.
في المرات السابقة كانت ريمة تقوم بحصتها الرياضية بشكل عادي، رغم بعض النظرات التي تراقبها بين الفينة والأخرى بعدوانية، لكنها لم تكن تنتظر يوماً أن تكون ضحية اعتداء لفظي وجسدي، ففي الوقت الذي اقتربت منه إلى قلب المتنزه، وقف شاب يبدو في عقده الثالث، ويصرخ بأعلى صوت: “اسمعي.. هل أنتِ معجبة بنفسك كهذا؟”.
لم تردّ على تلك التساؤلات، وواصلت الركض إلى أن عادت من دورتها، لتجد الشاب معترضاً طريقها محاولاً دفعها من الأمام، يصرخ بشكل هستيري ولعابه يتطاير: “ماذا تفعلين هنا؟ اذهبي فمكانك في المطبخ”.
الاعتداء على ريمة تطوَّر إلى حملة عدوانية ضد الجزائريات، أطلقها شبان على وسائل التواصل الاجتماعي بحملة عنوانها “رشَّها بالآسيد خلِّيها تتشوَّه”! والمستهدف هنا كل فتاة تخرج بلباس غير محتشم، قابلتْها النساء بحملة مضادة بشعار “بلاصتي ماشي غير في الكوزينة”؛ أي مكاني ليس فقط في المطبخ، قبل أن تتدخل السلطات الجزائرية والفاعلون الحقوقيون على الخط.
كان لعابه يتطاير وهو يصرخ في وجهها : “مكانك المطبخ “
لماذا تخرجين في هذا الوقت؟
صدمة ريمة كانت كبيرة، لكنها لم تتوقع أن تتعرض لصدمة أكبر منها، حينما توجهت إلى السلطات لوضع شكاية بالمعتدي عليها، توجهت إلى مصالح الدرك التي استقبلتها، واستمعت إلى شكواها، لكنَّ ردَّ الدركيين كان صاعقاً حينما سألها أحدهم: “لماذا تخرجين أنت للجري في هذا الوقت؟”.
وسبق لريمة أن نشرت مقطع فيديو اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، تُبدي فيه حزنها العميق مما حدث، وتتأسف لرد فعل جهات الأمن، قبل أن تتساءل إن كانت ممارسة الرياضة قبل أذان المغرب حراماً؟
“خلّيها ترونكيل”
بعد نشرها الفيديو، تلقَّت ريمة اتصالات مساندة من قِبل برلمانيات، وصحفيات، وعدد من الناشطات، دون نسيان المئات من المساندات في مختلف ولايات الجمهورية الجزائرية.
كلهن أكدن لها أن المرأة الجزائرية حرة، ومكانها ليس كما يروِّج له البعض المطبخ والبيت وكفى؛ بل من حقها ممارسة الرياضة والذهاب الى أي نشاط تريده ما دام ذلك يكفله القانون والدستور.
وقد استجاب العشرات من النساء والرجال لحملة مساندة ريمة، من خلال إطلاق تمرين جري على الهواء بمتنزه الصابلات حيث وقعت الحادثة.
وتأتي هذه الحملة بعد هاشتاغ “خلّيها طرونكيل (اتركها في هدوء)”، الذي انتشر كالنار في الهشيم بعد حادثة الاعتداء مباشرة.
مؤشر الاعتداء على الجزائريات مخيف
تَعتبر ريمة الاعتداء عليها جزءاً من الصورة العامة لظاهرة الاعتداءات المتكررة على المرأة الجزائرية.
أغيلاس إمقران، ناشط سياسي وحقوقي جزائري، يرى أن أرقام الاعتداء على المرأة في الجزائر مرعبة، فمنذ بداية السنة الجارية (2018)، كما يقول أغيلاس لـ”عربي بوست”، “سجلت الجهات المختصة ما يزيد على 7 آلاف اعتداء”.
وتأسَّف المتحدث لما وقع للفتاة مريم، واعتبر ذلك ناتجاً عن عدم التطبيق الصارم للقوانين والدساتير التي تكفل الحريات الشخصية للفرد الجزائري، ذكراً كان أم أنثى.
وألحَّ أغيلاس “على ضرورة حماية المرأة، فهي جزء من هذا الوطن، والحماية لا تكون إلا بتطبيق القانون، ومتابعة المتورطين في هذه الاعتداءات، فكل المنظمات والهيئات تشجب مثل ما حدث للفتاة ريمة”.
توقيف صاحب الحملة
وزير العدل الطيب لوح دخل على خط هذه الحرب على مواقع التواصل الاجتماعي، وخرج بتصريح خلال جلسة بالبرلمان في 19 يونيو/حزيران 2018، أكد فيه أن الجهات الأمنية والقضائية باشرت تحقيقاً معمقاً؛ بسبب تهديدات عبر الفيسبوك، أطلقها مسيِّر صفحة “رشّها بالآسيد”.
وتم اعتقال شاب ثلاثيني من الغرب الجزائري، والتحقيق معه مع وضعه في الحبس الاحتياطي إلى غاية الانتهاء من إجراءات التحقيق، والذي كان قد كتب عبر صفحته على الفيسبوك عبارة “يا شباب، نعمل حملة رش الآسيد على وجه كل فتاة تخرج بلباس فاضح إلى الشارع، بهذه الطريقة -أقسم بالله- ولا فتاة ستفكر في الخروج مرة ثانية”.
العبارة التي انتشرت عبر الفيسبوك، تعاملت معها النساء باستهجان كبير، وقابلنها بحملة فتح تحقيق لمعاقبة كل من ينوي الإساءة إلى النساء في الشارع.
حدة حزام، الناشطة والإعلامية في جريدة “الفجر” الجزائرية، شاركت صورة المنشور وطالبت الجهات الأمنية بالإسراع في التحقيق لحماية النساء من الاعتداءات.
وزير العدل اعتبر أن التحريض على الاعتداء على المرأة الجزائرية والترويج له على مواقع التواصل الاجتماعي غير مقبول تماماً، ملمحاً إلى حملة الرش بالآسيد لكل امرأة غير محتشمة في لباسها، مضيفاً أن “مصالح الأمن المتخصصة في الجرائم الالكترونية والقضاء ما زالت تحقق لمتابعة كل المتورطين في هذه الحملة، التي تسيء إلى الجزائر وبناتها”.
النساء يتضامنَّ
وتؤكد الناشطة الإعلامية “حدة حزام”، لـ”عربي بوست”، أن الجهات الأمنية تعاملت بإيجاب مع المنشور الذي نشرته على صفحتها بالفيسبوك، كما تلقت اتصالات من ناشطات سياسيات وكذا من مسؤولين تطمئنها بتحرك الدولة.
ولم تتوقف “حزام” عند مشاركة صورة المنشور والتحذير من تبعاته؛ بل قامت بالاتصال شخصياً بوزير العدل حافظ الأختام الطيب لوح، عن طريق المكلفةِ الإعلام، وأعلمتها أن “الجزائريات مهددات وعلى الوزارة أن تتحرك”.
وحينها تردف بالقول: “تلقيت أخباراً من الوزارة بأنها أصدرت أوامر وتعليمات منسقة بينها وبين مصالح الشرطة الإلكترونية، لمتابعة المتورطين في الحملة، التي كانت تستهدف كل جزائرية بلباس غير إسلامي”.
وبدت “حدة حزام” مرتاحةً للتحرك العاجل للدولة، الذي وضع حداً لحملة كانت قد تعيد الجزائريين إلى نهاية الثمانينيات وحقبة التسعينيات؛ بسبب بعض الأفكار المتشددة التي تريد فرض نفسها في كل شيء.
وزارة العدل أعلنت عن اعتقال مطلق الحملة
كفاكم علمانية
ورغم الحملة التضامنية الكبيرة التي لقيتها ريمة فإن شعور القلق لم يزاولها بعد، فهناك أطراف استنكرت خروج المرأة إلى الشارع لممارسة الرياضة، وقالت إن هذه العادة دخيلة على المجتمع الجزائري.
واتهمت صفحة “هنا الجزائر” حملة “خلّيها طرونكيل” بأنها حملة علمانية دخيلة، تونس بوابتها، واستنكرت خروج المئات من النساء للجري تضامناً مع المعتدى عليها ريمة.