5 دول أوروبية ترفض صفقة القرن .. ولديهم خيار آخر تخشاه إسرائيل
بينما رحّب العديد من الدول العربية بصفقة القرن الأمريكية التي تمنح جزءاً كبيراً من الأراضي الفلسطينية لإسرائيل بما فيها القدس، فإن الموقف الأوروبي من صفقة القرن جاء حازماً في رفضه لخطة ترامب.
وقدمت خمس دول أوروبية بياناً موحداً يرفض الصفقة بشكل قاطع، أدلت به البعثة الألمانية الدائمة إلى الأمم المتحدة نيابةً عن الدول الأوروبية الأربع الأعضاء في مجلس الأمن: بلجيكا وأستونيا وفرنسا وألمانيا، وبولندا بصفتها عضوة أوروبية سابقة في مجلس الأمن.
الموقف الأوروبي من صفقة القرن جاء موحداً
واللافت أن الدول الخمس تمثل أنحاء مختلفة من القارة.
ففرنسا تمثل الجانب اللاتيني الأكثر تعاطفاً دوماً مع المواقف العربية.
وألمانيا تمثل ما يمكن أن نسميه الجانب الجرماني في أوروبا الأكثر تعاطفاً تقليدياً مع إسرائيل، كما أنها لديها دوماً حساسية تجاه كل ما يهودي، ومع ذلك كانت البعثة الألمانية هي التي تولت إلقاء البيان.
اللافت أيضاً وجود أستونيا وبولندا، وهي ممثلة لأوروبا الشرقية، وهما دولتان أقرب للمواقف الأمريكية لاسيما بولندا التي تتمتع بعلاقة وثيقة مع واشنطن خاصة في ظل إدارة ترامب.
لكن رغم ذلك فإن بولندا العضو السابق في مجلس الأمن شاركت في التعبير عن الموقف الأوروبي الرافض لصفقة القرن.
وبدأ البيان بمحاولة التأكيد على الشراكة الأمريكية الأوروبية، قائلاً: “نحن ملتزمون التزاماً تاماً بالشراكة العابرة للأطلسي، ونُقدِّر كل الجهود، بما في ذلك جهود الولايات المتحدة، للمساعدة في إيجاد حل سلمي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. لقد أُحِطنا علماً بالمقترحات التي قدمتها الولايات المتحدة بشأن إيجاد حلٍّ لهذا الصراع”.
ثم لا يلبث البيان أن يؤكد أن الخطة مخالفة لمواقف الاتحاد الأوروبي.
إذ يقول: “ما زلنا ملتزمين بالتوصُّل عن طريق التفاوض إلى حلٍّ يتضمن قيام دولتين على أساس حدود عام 1967، ويشمل مبادلة الأراضي تبادلاً متكافئاً، على النحو المتفق عليه بين الطرفين، ويتضمَّن دولةً إسرائيلية ودولةً فلسطينية ديمقراطية مستقلة مجاورة ذات سيادة وقابلة للحياة تعيشان جنباً إلى جنبٍ في سلامٍ وأمن واعتراف متبادل.
غير أن المبادرة الأمريكية، التي طُرِحَت في 28 يناير الماضي، تنحرف عن هذه المعايير المتفق عليها دولياً.
وبالطبع فإن حديث الأوروبيين عن مبادلة الأراضي تبادلاً متكافئا وهو مبدأ وافقت عليه السلطة الفلسطينية مبدئياً يشير إلى أن تبادل الأراضي الذي تقترحه الخطة الأمريكية أبعد ما يكون عن التكافؤ، بل لا ينطبق عليه مفهوم تبادل.
إذ يتضمن منح السلطة الفلسطينية أراضي محدودة صحراوية في النقب مقابل الاستيلاء على أضعاف مساحتها من أخصب أراضي الضفة الغربية .
نقترح تجاهل الخطة
ولا يغلق الأوروبيون الباب أمام التسوية السياسية، لكنهم فقط يقفزون فوق خطة ترامب عبر الدعوة للعمل من أجل استئناف المفاوضات المباشرة بين الطرفين لحل جميع قضايا الوضع النهائي، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالحدود ووضع القدس والأمن ومسألة اللاجئين، بهدف بناء سلامٍ عادل دائم.
وفي الوقت ذاته يحاول البيان الحد من تأثيرات هذه الخطة على المستوى الميداني، إذ يدعو البيان كلا الطرفين إلى ضبط النفس والامتناع عن أي إجراءات أحادية الجانب مخالفة للقانون الدولي، وإعادة الانخراط في المفاوضات. ونُدين جميع أعمال العنف ضد المدنيين، بما في ذلك أعمال الإرهاب والاستفزاز والتحريض والتدمير.
وبالطبع بينما خصّ البيان الفلسطينيين بتهمة الإرهاب الموجهة إليهم حتى لو لم تقرن باسمهم في البيان فإنه لم يتحدث كثيراً عن الاغتيالات والغارات الإسرائيلية ولا الحصار على غزة.
موقف حازم من المستوطنات والقدس الشرقية
ويركز البيان على النشاط الاستيطاني الذي كافأته خطة ترامب باعتزامها ضم المستوطنات إلى إسرائيل.
يقول البيان في هذا الصدد: “ونؤكد من جديد قلقنا بشأن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة، الذي يُعد نشاطاً غير شرعي بموجب القانون الدولي ويُشكِّل عقبة أمام السلام وحل الدولتين. ونشعر بقلقٍ عميق إزاء الخطوات المحتملة نحو ضم الأراضي بعد التصريحات المتكررة التي أشارت إلى احتمالية ضم بعض مناطق الضفة الغربية. إذ إن ضم أي جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك أراضي القدس الشرقية، يُشكِّل خرقاً للقانون الدولي، ويقوِّض صلاحية حل الدولتين، ويتحدى فرص تحقيق السلام العادل الشامل الدائم. وبناءً على التزامنا بالقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بهذه القضية، فإننا لا نعترف بسيادة إسرائيل على الأراضي المحتلة منذ عام 1967.
وسوف نستمر في التواصل مع الطرفين والأطراف المعنية لإحياء عملية سياسية تتماشى مع القانون الدولي، وتضمن حقوقاً متساوية ومقبولة لكلا الطرفين. ونؤكِّد مجدداً التزامنا بأمن إسرائيل، بما في ذلك أمنها من التهديدات الحالية والناشئة في المنطقة.
لن نمنحكم الشرعية
البيان رغم أنه لن يغير على الأرض شيئاً في ظل التوقعات بأن تعمد إسرائيل تدريجياً لتنفيذ الخطة، وضم الأراضي الفلسطينية، فإنه ينزع عن كل الإجراءات الإسرائيلية المدعومة بالخطة الأمريكية أي شرعية أوروبية، وهي شرعية بالنظر إلى الوزن الكبير للاتحاد الأوروبي اقتصادياً وسياسياً، وكذلك علاقته الوثيقة مع إسرائيل، وكذلك الوزن الأخلاقي الذي اكتسبه الاتحاد الأوروبي عبر السنوات الماضية.
ومن الناحية الاقتصادية، قد تأتي أهمية الأوروبي من أنه سيمثل ضغطاً على المستوطنات فيما يتعلق باعتبار أن المنتجات المصنعة بها ليست إسرائيلية.
كما أن الموقف الأوروبي يكتسب أهمية خاصة للفلسطينيين، باعتبار أن الاتحاد داعم رئيسي للسلطة ولوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، وبالتالي فإن هذا قد يوفر حماية ولو جزئية من الضغوط المالية الإسرائيلية والأمريكية بل وحتى الضغوط المالية العربية المحتملة التي قد تعاقبهم على رفض الخطة.
الأهم أن البيان يثبت الحقوق الفلسطينية إلى حين إجراء الانتخابات الأمريكية الرئاسية، وفي حال قدوم إدارة أمريكية جديدة قد هذا الموقف الأوروبي محفزاً لها تعود لقواعد الشرعية الدولية ولا تجعل صفقة القرن هي المرجعية التي تبدأ بها.
“NO” الأوروبية فضحت “نعم” العربية
لكن النقطة الكاشفة في البيان أن الدول الأوروبية البعيدة كانت أكثر وضوحاً وحسماً وتوحداً في رفضها لخطة السلام الأمريكية، وفي دعمها لحقوق الشعب الفلسطيني، بينما هناك دول عربية قابلت الخطة بالترحيب أو النقد اللين، ومن الدول العربية من استهل اجتماع وزراء الخارجية العرب بالترحيب بها والإشادة بالقريحة التي أنتجتها.
فقد رحبت دول مثل سلطنة عُمان والإمارات والمملكة المغربية والبحرين بالخطة بدرجات متفاوتة، فيما تنقلت مواقف دولة كبرى كمصر من الترحيب بالخطة عقب صدورها إلى التأكيد على حماية الحقوق الفلسطينية في مستهل اجتماع وزراء الخارجية العرب، بينما الموقف السعودي بدا أكثر حذراً في التعامل مع الخطة وأقرب لمواقف المملكة التقليدية رغم العلاقة الوثيقة بين الأمير محمد بن سلمان وواضع الخطة مستشار الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنير.
وبينما كان يشكو الفلسطينيون دوماً من تخاذل النظام الرسمي العربي، فإن الأمر انحدر من تخاذل إلى تواطؤ، الأمر الذي جعل الجانب الفلسطيني يراهن على المواقف الأوروبية والدولية والإسلامية أكثر من مواقف الدول العربية التي يعتقد أن بعضها لم يكتفِ فقط بالموافقة على الخطة بل قد يكون عرّابها أيضاََ.
مبادرة أوروبية للرد على صفقة القرن بشكل موجع
وأفادت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية بأن مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي، تقودها لوكسمبورغ، خططت لطرح مبادرة لاعتراف أوروبي مشترك بدولة فلسطينية، وذلك رداً على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط.
وأشارت الصحيفة إلى أن وزير خارجية لوكسمبورغ، جان أسيلبورن، بحث بالفعل المبادرة مع وزراء خارجية كل من: أيرلندا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا والبرتغال وفنلندا والسويد ومالطا وسلوفينيا.
ورغم أن دولاً أوروبية تعترف بصورة منفردة بالدولة الفلسطينية، فإن الاتحاد الأوروبي ككل لا يعترف بها، حيث يتبنى موقفاً يتمسك بأنه يتعين تسوية قضية الدولة الفلسطينية من خلال مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين في إطار حل الدولتين.
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل بعثت برسائل إلى الدول التي ترعى المبادرة الأوروبية جاء فيها أن “هذا ليس الوقت المناسب للاعتراف الأحادي بدولة فلسطينية، لأنه سيحول دون إمكانية الدخول في مفاوضات مباشرة بين الجانبين من أجل الوصول إلى اتفاق دائم”، مضيفة أن إسرائيل تحاول حالياً إقناع الأوروبيين بمنح مبادرة السلام الأمريكية فرصة.
ويبدو أن طرح لوكسمبورغ لم يمر خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الأخير.
إذ قال مفوض الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، إن وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد ناقشوا خلال اجتماعهم الأخير خطة “صفقة القرن”، مشيراً إلى أنه لن يتم اتخاذ قرارات رسمية في هذا الشأن إلا “بعد الانتخابات الإسرائيلية”.
وكان بوريل قد أكد في مؤتمر صحفي أعقب الاجتماع الذي عقد في بروكسل مؤخراً، ضرورة دراسة كيفية إعادة إطلاق “عملية السلام في الشرق الأوسط على أسس مقبولة لدى الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني مع الاستمرار باحترام قرارات الشرعية الدولية”، على حد تعبيره.
ورغم أن هذه المبادرة لم ترَ النور حتى الآن، فإنها تعبر عن مفارقة تاريخية غريبة وهي أن صفقة القرن بات أبرز عرابيها من العرب، بينما قد يكون الاتحاد الأوروبي بات أحد أكبر عائق أمام تنفيذها.