3 سيناريوهات أمام الجزائريين للخروج من المخاض السياسي
«التأجيل»، «التمديد»، «الوفاق الوطني».. مصطلحات تغزو الساحة السياسية في الجزائر حالياً، في وقت كان الجميع يترقب الانطلاق الرسمي للسباق الرئاسي المقرر ربيع 2019، وسط ضبابية حول مصير الاقتراع.
وقبل أسابيع قليلة كان خطاب «الولاية الخامسة» للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، الصوت الأعلى في البلاد بعد دعوات متتالية من أحزاب ومنظمات موالية له طيلة 2018، تدعوه للتقدم للسباق.
تراجع سيناريو الولاية الخامسة
وخلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أطلقت حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في البلاد) دعوات لتأجيل انتخابات الرئاسة من «أجل إتاحة المجال لتوافق حول رئيس جديد يقود برنامجاً إصلاحياً في كافة المجالات».
وتنوّعت ردود الأفعال إزاء الدعوة بين رافض ومتحفظ حول التمديد للرئيس بوتفليقة.
فيما أعربت أحزاب التحالف الرئاسي عن انفتاحها على أي مبادرة تهدف إلى «مواصلة البرنامج الإصلاحي للرئيس»، لكن السلطات الرسمية تلتزم الصمت إزاء الملف.
وبعد هذه الدعوة بأيام أطلق الوزير السابق عمار غول، وهو رئيس حزب تجمع أمل الجزائر (موالاة) دعوة لعقد مؤتمر للوفاق قبل موعد انتخابات الرئاسة، تحت إشراف بوتفليقة، كما لم يعترض على تأجيل الاقتراع في حال حصل توافق.
واعتبرت دعوة هذا السياسي المقرّب من الرئاسة، بمثابة إشارة من السلطات إلى استعدادها أو نيتها تأجيل الموعد الرئاسي، وتمديد الولاية الحالية لبوتفليقة، التي تنقضي نهاية أبريل 2019.
تعديل دستوري لشرعنة التأجيل
وسط هذا الجدل السياسي نشرت صحيفة «المجاهد» (حكومية) في 13 ديسمبر/كانون الأول، في افتتاحيتها أن «انتخابات الرئاسة ستجرى في موعدها أبريل/نيسان»، وأن «احترام الرزنامة الانتخابية يُعد حجر الأساس في قيمنا الديمقراطية».
ووصفت الصحيفة ما يتم تداوله بشأن تأجيل الاقتراع بأنه «يدخل في إطار استراتيجية لبث الغموض وتسويق رديء يعكس فقدان الثقة بالذات بالنسبة لأصحابها».
وفي 16 ديسمبر، نقلت صحيفة «لوسوار دالجيري»، (خاصة/ ناطقة بالفرنسية)، عن مصادر وصفتها بالموثوقة، أن «انتخابات الرئاسة لن تجري في موعدها».
ووفق مصادر الصحيفة، فإن ما يتم تداوله حول تأجيل الانتخابات هو سيناريو رسمي، وليس مجرد دعوات حزبية.
وأوضحت أن بوتفليقة سيقوم بتعديل دستوري محدود، عبر البرلمان، للمادة 110 من الدستور، التي تنصّ على أن تمديد ولاية الرئيس يكون «في حالة الحرب فقط» بشكل يسمح له بالاستمرار في منصبه لفترة أخرى.
وأضافت الصحيفة أن ما يتم تداوله حول عقد «مؤتمر للوفاق» هدفه توفير غطاء سياسي داخلي لهذه التعديلات الدستورية من أجل أن تحظى بدعم داخلي.
الحسم في يناير
ووسط هذا الغموض بشأن مصير الاقتراع الرئاسي، تسرّبت تقارير حول عقد لقاء بين قادة 4 أحزاب للتحالف الرئاسي، ومستشارين لبوتفليقة، بإقامة رئاسية غرب العاصمة، الأربعاء الماضي، لمناقشة الملف.
ولم يتسرّب عن اللقاء أية معلومات، كما لم يعلن عن عقده بصفة رسمية.
وجاء اللقاء مع بداية العد التنازلي لاستدعاء الهيئة الناخبة للاقتراع، حيث تنص المادة 136 من الدستور على أنه «تُستدعي الهيئة الانتخابية بموجب مرسوم رئاسي في ظرف تسعين 90 يوماً قبل تاريخ الاقتراع».
وحسب خبراء قانونيون، فإن نهاية ولاية بوتفليقة الحالية، تكون مع انقضاء أبريل/نيسان 2019، وبالتالي فانتخابات الرئاسة تكون في الشهر نفسه.
وبحساب 90 يوماً عن هذا التاريخ (أبريل) سيكون بوتفليقة مُلزماً باستدعاء الناخبين وتحديد تاريخ الانتخابات في يناير القادم، كآخر أجل، وهو ما يجعل معرفة مصير هذا الاقتراع بين التثبيت والتأجيل مطلع الشهر المقبل.
الخيار الأرحم
وحول هذا الغموض السائد بشأن مصير الانتخابات، يقول قيادي في حركة مجتمع السلم، التي دعت إلى تأجيل الانتخابات من أجل فسح المجال للتوافق: «ننتظر مدى جدية وصدقية السلطة في هذا المشروع البديل».
وأوضح القيادي للأناضول، مفضلاً عدم ذكر اسمه: «ولا يطول الزمن في ذلك (معرفة موقف السلطة)، وهو آجال استدعاء الهيئة الناخبة قبل 17 يناير، وعندها يكون لكل حادث حديث».
وتابع المصدر: «تبيّن لنا أن تنظيم الانتخابات الرئاسية في ظل هذه الظروف أمر صعب، ولا يخدم البلاد».
وأضاف: «وعندما وجدنا انفراجاً مع السلطة للذهاب إلى طريقٍ بديلٍ عن العهدة (الولاية) الخامسة، تمّ اقتراح فكرة التأجيل مقابل التوافق الوطني والإصلاحات العميقة، وما وراء ذلك فنحن غير معنيين بأيِّ سيناريو مطروح».
وقال: «لو خُيّرنا بين العهدة الخامسة وبين مرشّحٍ سلطويٍّ جديد بنفس الطرق التقليدية السابقة، أو التمديد، فإن الخيار الأرحم لنا هو: التأجيل بشروط».
وعن طبيعة الشروط يقول: «هي: أن يكون الأجل (مدة التأجيل) متفقاً عليه مسبقاً، وأن يكون في إطار توافقٍ وطني، وأن يتضمن إصلاحاتٍ عميقة وشاملة، وأن يكون في إطار مشروع دولة بمشاركة جميع مؤسساتها، وأن يكون مُعلناً أمام الرأي العام».
صراع بين كتلتين في هرم السلطة
من جهته، يفسر رابح لونيسي، أستاذ التاريخ بجامعة وهران (غرب)، هذا الوضع، بالقول إن دعوات التأجيل «هي محاولة لتمديد أو تأجيل الرئاسيات حتى يتسنى التوصل إلى اتفاق حول خليفة لبوتفليقة».
وأوضح لونيسي للأناضول: «لكن يجب أن يعطى لعملية التأجيل غطاء، هو الإجماع الوطني بين كل الأطراف السياسية، كي يتسنى تجاوز الآجال الدستورية، وهو ما يسمى في الخطاب الجديد شرعية الواقع».
وأضاف أن دعوة حزبي حركة مجتمع السلم وتجمع أمل الجزائر لتأجيل الاقتراع هدفها «الوقوف أو عرقلة محاولة ترشيح شخصية مدعومة من قوى نافذة، ولا ترضي الإسلاميين وكذلك مجموعة الرئيس (لم يسمّها)، وذلك كمحاولة للتمديد لبوتفليقة».
ويشرح لونيسي الوضع في هرم السلطة بالقول: «هناك تكتلان متصارعان أحدهما يريد خلافة بوتفليقة برجل قوي يمكن له ضبط الأمور في الدولة وإعادة الانضباط خوفاً من أن مواصلة بوتفليقة لفترة يمكن أن يدخل الجزائر في أزمة خانقة، أو فوضى لا يحمد عقباها».
وتابع: «ونجد في مواجهة هؤلاء مجموعة الرئيس المدعومة من رجال المال وأطراف أخرى (بينهم الداعون للتأجيل) لإنقاذها خوفاً من تضررها من وصول شخصية يمكن أن تهدد مصالحها السياسية والأيديولوجية ومخططاتها»، من دون تقديم تفاصيل حول هويتها.
ويعتقد لونيسي أنه «لا يمكن لنا الجزم لمن تؤول الأمور في الأخير؛ لأن موازين القوى بين التكتلين تتغير من يوم لآخر، وهو ما يبرز من خلال الغموض والتناقضات التي نلاحظها في التصريحات وغيرها».
وختم بالقول: «لكن المهم هو أن صعوبة الاتفاق حول خليفة لبوتفليقة سيعطي قوة لهذا الأخير لمواصلة الحكم سواء بالتمديد أو عهدة خامسة».
ويرى مراقبون أن ظهور بوادر توافق بين جناح في السلطة مع أطراف في المعارضة حول التمديد للرئيس، يهدف لأخذ فسحة من الوقت للتوافق حول الشخصية التي يمكنها أن تقود البلاد خلال مرحلة ما بعد بوتفليقة.