مسؤولون إسرائيليون وسعوديون وإماراتيون دفعوا ترامب لعقد “صفقة كبرى” مع بوتين
على هامش زيارته إلى موسكو، سيلتقي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الرئيسَ الروسيَّ فلاديمير بوتين، في ظل تقارير إسرائيلية عن تقديم عرض لبوتين يتضمن سحب القوات الإيرانية من سوريا مقابل رفع الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على موسكو بفعل الأزمة الأوكرانية.
وقال ديوان الحكومة الإسرائيلية إن نتنياهو سيوضح للرئيس الروسي أن إسرائيل لن تقبل بوجود عسكري لإيران أو أذرعها على الأراضي السورية، وأنها تصر على تنفيذ اتفاق فصل القوات السورية-الإسرائيلية من عام 1974، وفق صحيفة «هآرتس».
عرض إسرائيل لم يرُق لإيران بل هاجمته
في الجانب الإيراني، قلل علي أكبر ولايتي، مستشار الرئيس الإيراني، من أهمية زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لروسيا.
وهاجم ولايتي، مستشارُ المرشد الأعلى للشؤون الدولية الذي وصل إلى روسيا، الأربعاء 11 يوليو/تموز 2018، زيارة نتنياهو لموسكو، بالقول: «نتنياهو شخص متسكع، يسافر يومياً إلى العالم، ولم يعد أحد يهتم بتصريحاته؛ لذا فإن وجوده أو عدم وجوده في روسيا ليس له أي تأثير على مهمتنا الاستراتيجية في هذا البلد».
واعتبر ولايتي «التعاون في المنطقة بين جبهة المقاومة بقيادة إيران وروسيا في مواجهة الإرهاب ورعاته بسوريا وسائر دول المنطقة، نموذجاً مثالياً للتعاون بين إيران وروسيا».
وأشار إلى أن الظروف الراهنة حساسة جداً، وأن العالم يقع تحت تأثير تصرفات شخص مارق هو الرئيس الأمريكي، الذي يخترق بتمرُّده القوانين الدولية.
وكان ولايتي غادر طهران إلى موسكو على رأس وفد رفيع؛ ليسلِّم رسالتين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ إحداهما من المرشد علي خامنئي، والأخرى من الرئيس حسن روحاني.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، إن إيران أرسلت عدداً من الرسائل المماثلة لعدد من الدول في الفترة الأخيرة، وكان هذا عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو/أيار الماضي، بغية توضيح موقفها للآخرين ولتؤكِّد شجبها الخطوة.
إيران تسعى إلى ضمان موقف حلفائها من أزمة الاتفاق النووي
كانت الخارجية الإيرانية قد أكدت أن مضمون الرسائل التي يحملها ولايتي إلى روسيا يؤشر إلى أهمية واستراتيجية العلاقات الإيرانية-الروسية. وذكر عضو لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان علاء الدين بروجردي، الأربعاء 11 يوليو/تموز 2018، أن العنوان الرئيس الذي تحمله الرسالتان يتعلق بانتهاك الولايات المتحدة الأميركية الاتفاق النووي وانسحابها منه، وإعادة فرض العقوبات على طهران.
أتى كل هذا في الوقت الذي تستعد فيه طهران لدخول العقوبات الأميركية المفروضة عليها حيز التنفيذ العملي في شهري أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني 2018، وكان الرئيس حسن روحاني قد بعث برسائل لنظرائه في عدة دول، أكد فيها موقف بلاده مما فعلته أميركا، وأن طهران ما زالت ملتزمة بالاتفاق النووي
هذه تفاصيل أكثر عن عرض بنيامين نتنياهو للرئيس الروسي فلاديمير بوتين
صفقة كبرى غير متوقعة بين الأميركيين والروس، اقترحها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لحل الصراع في سوريا مقابل رفع العقوبات الأميركية على روسيا.
وطرح ولي عهد أبوظبي على مُحاوِرٍ أميركي، خلال لقاءٍ خاص عُقِد قبل فترة وجيزة من انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ما بدا أنَّه في ذلك الوقت «صفقة كبرى غير متوقعة»، حسب وصف تقرير كتبه آدم إنتوس، الكاتب المتخصص بشؤون الأمن القومي والشؤون الخارجية بمجلة The New Yorker الأميركية.
إذ أخبر القائد الإماراتي المُحاوِر الأميركي أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ربما يكون مهتماً بحل الصراع في سوريا، مقابل رفع العقوبات التي فُرِضَت رداً على التصرفات الروسية في أوكرانيا.
هؤلاء الحلفاء الثلاثة هم فقط الذين يتطلعون لتقارب أميركي – روسي
«بن زايد لم يكن القائد الوحيد في المنطقة الذي فضَّل التقارب بين خصمي الحرب الباردة السابقين»، حسبما قال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون.
ففي حين نَظَر أقرب حلفاء أميركا في أوروبا إلى اهتمام ترمب بالشراكة مع بوتين بشيءٍ من الجزع، تبنَّت ثلاث دول تمتَّعت بنفوذٍ منقطع النظير لدى الإدارة القادمة– هذا الهدف سراً، وهي إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وشجَّع المسؤولون من البلدان الثلاثة مراراً نظرائهم الأميركيين على التفكير في إنهاء العقوبات المُتعلِّقة بأوكرانيا مقابل مساعدة من بوتين في إخراج القوات الإيرانية من سوريا.
ولكنها صفقة مستحيلة التنفيذ حتى لو اتفقوا عليها
ويقول خبراء: إنَّ صفقة كهذه لن تكون قابلة للتنفيذ، حتى لو كان ترمب مهتماً بالأمر. فهم يقولون إنَّ بوتين لا يمتلك لا الاهتمام ولا القدرة للضغط على القوات الإيرانية لمغادرة سوريا. من جانبهم يقول مسؤولون بالإدارة الأميركية: إنَّ سوريا وأوكرانيا ستكون ضمن الموضوعات التي سيبحثها ترمب وبوتين في قمتهما بالعاصمة الفنلندية هلسنكي في 16 يوليو/تموز. ولم يرد مسؤولو البيت الأبيض على طلب للتعليق على المسألة.
ويُحقِّق المحقق الخاص روبرت مولر وفريقه من مكتب التحقيقات الفيدرالي، المُكلفون بالتحقيق في التدخُّل الروسي في انتخابات 2016، فيما إذا كانت الإمارات سهَّلت الاتصالات بين فريق ترمب والمسؤولين الروس وسَعَت للتأثير على السياسة الأميركية.
فقبل 9 أيام من تنصيب ترمب رئيساً، التقى إريك برنس، مؤسس شركة بلاك ووتر للخدمات الأمنية، وأحد المقربين من كبير مُخططي ترمب الاستراتيجيين السابق ستيف بانون، في منتجعٍ لمحمد بن زايد في جزر سيشل، مع كيريل دميترييف، رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي، الذي استخدمه الإماراتيون كوسيط.
ويقول كاتب تقرير The New Yorker: إن تقريراً آخر ساهم هو أبضا في كتابته لصحيفة The Washington Post الأميركية في أبريل/نيسان 2017 كشف عن اللقاء الذي تم بالمحيط الهندي، وذكر أنَّ «الإمارات وافقت على التوسُّط لعقد اللقاء جزئياً لاستكشاف ما إذا كان بالإمكان إقناع روسيا بالحد من علاقتها مع إيران، بما في ذلك في سوريا، وهو هدفٌ لإدارة ترمب على الأرجح سيتطلَّب تنازلات كبرى لموسكو بخصوص العقوبات الأميركية».
الروس اقترحوا على فريق ترمب طرقاً لمنع تنصت الاستخبارات الأميركية
فريق المحقق مولر ركَّز أيضاً على لقاءات فريق ترمب الانتقالي في ديسمبر/كانون الأول 2016، التي تضمَّنت مسؤولين إماراتيين وروسيين. جرى أحد هذه اللقاءات بفندق في نيويورك بحضور محمد بن زايد، وجرى آخر في برج ترمب بحضور سيرغي كيسلياك، الذي كان آنذاك سفيراً لروسيا لدى واشنطن.
وفي لقاءٍ جرى في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2016 بين كيسلياك وفريق ترمب الانتقالي، أراد كلا الطرفين مناقشة الصراع في سوريا، واقترح السفير الروسي ترتيب محادثة بين مايكل فلين، الذي كان سيصبح مستشار الأمن القومي المقبل لترمب، وأشخاص أشار إليهم السفير بأنَّهم «جنرالاته»، وذلك بحسب شهادة لصهر ترمب ومستشاره البارز غاريد كوشنر في الكونغرس.
ولمنع وكالات الاستخبارات من التنصُّت على المحادثة، اقترح كيسلياك استخدام «خط آمن»، ما دفع كوشنر لاقتراح استخدام أجهزة الاتصالات الآمنة الموجودة بالسفارة الروسية في واشنطن.
هناك هدف استراتيجي لابن زايد من وراء التقارب مع الروس
ويُعَد محمد بن زايد واحداً من المفكرين الاستراتيجيين في الشرق الأوسط. وينحدر بن زايد من مدرسة الواقعية السياسية «Realpolitik» أكثر من القادة العرب الآخرين في جيله. وسعى بن زايد، إبَّان إدارة الرئيس باراك أوباما، لإقامة علاقات أوثق بين الإمارات وبوتين، أملاً في تشجيع موسكو على تقليص شراكتها مع إيران، خصوصاً في سوريا. (تعتبر الإمارت والسعودية –بدرجة كبيرة مثل إسرائيل- أنَّ إيران هي التهديد الاستراتيجي الأكبر لهما. وكانتا أيضاً تفتقدان للثقة في إدارة أوباما).
وكحافز لبوتين من أجل الشراكة مع دول الخليج، بدلاً من إيران، بدأت الإمارات والسعودية ضخ مليارات الدولارات من الاستثمارات في روسيا، وعقد اجتماعات رفيعة المستوى في موسكو وأبوظبي والرياض وجزر سيشل.
وليس واضحاً ما إن كان مقترح بن زايد قبل الانتخابات قد جاء من بوتين نفسه أم أحد المقربين منه، أو أنَّ القائد الإماراتي هو من أتى بالفكرة. لكنَّ التعليق أوحى بأنَّ بن زايد اعتقد أنَّ جعل بوتين ينقلب على إيران سيتطلَّب تخفيف العقوبات على موسكو، وهو تنازل تطلَّب الدعم من الرئيس الأميركي.
وقال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون لكاتب التقرير: إنَّه لو كانت هيلاري كلينتون هي مَن فازت بالانتخابات، كانت فكرة القبول بالعدوان الروسي في أوكرانيا ستصبح ميؤوساً منها، لكنَّ ترمب تعهَّد بنهجٍ مختلف.
وإسرائيل أيضا تتودد لبوتين للاتفاق على إيران في سوريا
ضغط المسؤولون الإسرائيليون من أجل التقارب بين واشنطن وموسكو، بعد فترة وجيزة من انتصار ترمب الانتخابي. ففي لقاءٍ خاص أثناء الفترة الانتقالية بعد انتصار ترمب، قال رون ديرمر، السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، وأحد أقرب المقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: إنَّ الحكومة الإسرائيلية تُشجِّع إدارة ترمب المقبلة على التعاون على نحوٍ أوثق مع بوتين، بدءاً من سوريا، على أمل إقناع موسكو بدفع الإيرانيين لمغادرة البلاد، وذلك بحسب ما أخبرني به أحد الحضور.
وكما هو الحال مع بن زايد، جعل نتنياهو التودد لبوتين أولوية، لاسيما بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015. أراد الزعيم الإسرائيلي ضمان استمرار إمكانية وصول الطيران الحربي الإسرائيلي للمجال الجوي السوري، الذي سيطر عليه الروس جزئياً، لمنع إيران ووكلائها من نشر منظومات الأسلحة المتقدمة التي قد تُهدِّد الدولة اليهودية. ورفض مسؤولٌ إسرائيلي التعليق على رسالة رون ديرمر، لكن قال: إنَّ «إسرائيل تعتقد أنَّه من الممكن الوصول لاتفاقٍ أميركي – روسي في سوريا من شأنه دفع الإيرانيين للخروج»، وإنَّ فعل ذلك «قد يُمثِّل البداية لتحسُّنٍ في العلاقات الأميركية – الروسية إجمالاً».
والصفقة النهائية مقايضة سوريا بأوكرانيا
على صعيدٍ منفصل، تذكَّر مسؤولٌ أميركي سابق إجراءه محادثة مع وزير بالحكومة الإسرائيلية يتمتع بعلاقات وثيقة مع نتنياهو بعد تنصيب ترمب، حاول الوزير خلالها إقناع الأميركيين بفكرة «مقايضة سوريا بأوكرانيا».
وقال المسؤول السابق لكاتب التقرير: «يمكنك تفهّم لِماذا تشكل المساعدة الروسية في سوريا أولوية أكبر بكثير لدى إسرائيل من التصدي للعدوان الروسي في أوكرانيا».
وأضاف المسؤول: «لكنَّني اعتبرتُ محاولة إسرائيل إقناع الولايات المتحدة بأنَّ إشاحة النظر عن العدوان الروسي في أوكرانيا تخدم المصالح الأميركية بصورة جيدة، تبسُّطاً كبيراً. وبالطبع قد يختلف ترمب مع ذلك لأسبابه الخاصة».
وها هما وزيرا الخارجية السعودي والإماراتي يطرحان الفكرة مجدداً
بعد تولي ترمب المنصب، أُثيرت الفكرة مجدداً من جانب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، أثناء عشاء خاص في مارس/آذار 2017 ضمَّ العديد من الضيوف الآخرين.
وتذكَّر أحد الحضور وزيري الخارجية العربيين يقولان رسالة مفادها: لِمَ لا نرفع العقوبات الأوكرانية عن روسيا مقابل إقناع الروس بإخراج إيران من سوريا».
وفي حين قال مسؤول إماراتي كبير: إنَّه لا يتذكَّر هذا النقاش. اعتبر الشخص الذي حضر العشاء أن الأمر: «لم يكن مجرد بالونة اختبار. كانا يحاولان جعل الفكرة مقبولة».
وهناك مَن أوقف الصفقة، لكنها لم تمُت.. فالروس يعيشون بالقرم
«ما كان التوقيت ليكون أسوأ بالنسبة للصفقة المقترحة»، وفقاً للمسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين.
فبالإضافة إلى تحقيق مولر الذي كان يلوح في الأفق آنذاك، كان أعضاء بالكونغرس في ذلك الوقت يدفعون باتجاه توسيع العقوبات على روسيا، لا تقليصها.
وقال ترمب لمساعديه: إنَّه مُحبَط؛ لأنَّه لا يستطيع إحراز تقدُّم بسبب المعارضة السياسية في واشنطن. وافترض الأميركيون الذين سمعوا محاولات الإقناع الإسرائيلية والإماراتية والسعودية في مطلع 2017 أنَّ الفكرة ماتت. لكن قبل قمة هلسنكي، بدأ ترمب الإدلاء بتصريحات أوحت بأنَّه قد يكون منفتحاً على عقد اتفاق مع بوتين في نهاية المطاف.
ففي الثامن من يونيو الماضي، دعا ترمب لإعادة روسيا إلى مجموعة الدول السبع الصناعية. (كانت روسيا قد طُرِدَت منها قبل 4 سنوات بعد ضمّها لمنطقة القرم الأوكرانية).
ثُمَّ، وأثناء عشاء لقمة الدول السبع في كندا، أفادت تقارير بقول ترمب إنَّ القرم روسية؛ لأنَّ الناس الذين يعيشون هناك يتحدثون اللغة الروسية. وبعد عدة أسابيع، وعند سؤال ترمب عما إذا كانت التقارير التي تفيد بتخلي واشنطن عن معارضتها الطويلة لضم روسيا للقرم صحيحة، رد قائلاً: «سيكون علينا أن نرى»