100 ألف ياباني في معسكرات الاعتقال الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية
اعتقلت الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية أكثر من 100 ألف أمريكي من أصول يابانية في معسكرات اعتقال امتدت في الغرب.
بما أن مشكلة معسكرات الاعتقال قد بدأت في الظهور مرة أخرى في الولايات المتحدة، فلعل من المفيد تذكر آخر مرة أقيمت فيها هذه المعسكرات في الولايات المتحدة.
بعد هجوم بيرل هاربور، اعتقلت الولايات المتحدة أكثر من 100 ألف أمريكي من أصول يابانية لأسباب ظاهرها الأمن الداخلي.
في الواقع، كان الدافع الرئيسي للاعتقال عنصرياً. إذن، كيف كانت الحياة في معسكرات الاعتقال الأمريكية هذه؟
وفقاً للتقرير الذي نشره موقع Big Think الأمريكي؛ ففي 19 فبراير 1942، أصدر الرئيس روزفلت الأمر التنفيذي رقم 9066 الذي سمح للقادة العسكريين وأمرهم «بتحديد المناطق العسكرية التي يمكن استثناء أي من أفرادها أو كلهم، والمناطق التي يكون دخول أي فرد إليها أو البقاء فيها أو الخروج منها مرهوناً بالقيود التي يفرضها وزير الحرب أو القائد العسكري المختص حسب تقديره».
بموجب هذا الأمر التنفيذي، احتُجز قرابة 112,000 رجل وامرأة وطفل ينحدرون من أصول يابانية -ثلثهم كان من المواطنين الأمريكيين- في معسكرات اعتقال.
كيف بدأت المعسكرات؟
بالنظر إلى مشهد عمره 80 عاماً، يتضح لنا أن الاعتقال بالإقامة الجبرية للأمريكيين من أصول يابانية كان بدافع عنصري. استجابةً للقوة العسكرية اليابانية المتنامية والتطورات قبيل الحرب العالمية الثانية، فقد أصدر الرئيس روزفلت تقريرين لمعرفة ما إذا كانت ستوجد الضرورة لاعتقال الأمريكيين من أصول يابانية حال نشوب صراع بين اليابان والولايات المتحدة.
لم تدعم أي من القرارات الخطة، بل إن أحدها تمادى «للشهادة بامتلاك هذه المجموعة الإثنية المشتبه فيها درجة استثنائية من الولاء». ولكن بالطبع، أثبتت هجمات بيرل هاربور قدرتها الأبلغ على الإقناع من هذه التقارير.
فجَّرت هجمات بيرل هاربور حالة من الحنق الشديد تجاه اليابانيين، وهو ما تسبب في الضغوط على إدارة روزفلت لاعتقال الأمريكيين من أصل ياباني. ولقد أدلى الفريق جون دويت -الذي صار فيما بعد المشرف على برنامج الاعتقال- بشهادته إلى الكونجرس قائلاً:
«أنا لا أريد أياً منهم هنا، إنهم عنصر خطر، ولا سبيل لمعرفة موضع ولائهم.. ولا فرق إذا كان مواطناً أمريكياً؛ فإنه ما زال يابانياً. فالجنسية الأمريكية لا تحدد جانب الولاء بالضرورة.. ولكن علينا القلق حيال الفرد الياباني طوال الوقت إلى أن نمحوه من الوجود».
ولقد دعم موقف دويت عدد من المجموعات المعادية للمهاجرين الموجودة من قبل في الساحل الغربي، مثل Joint Immigration Committee وNative Sons and Daughters of the Golden West. وبالنسبة للكثيرين، كان الاعتقاد السائد هو أن الحرب عذر للتخلص من الأمريكيين اليابانيين. وفي مقابلة أجراها مع مجلة Saturday Evening Post، صرح أوستين أنسون، السكرتير الإداري في Salinas Vegetable Grower-Shipper Administration قائلاً:
«إننا متهمون بالرغبة في التخلص من اليابانيين لأسباب أنانية، والأمر كذلك بالفعل. إنه السؤال عمن يعيش على ساحل الهادي، الرجل الأبيض أم البني؟ وإذا ما اختفى اليابانيون غداً، فإننا لن نشعر بافتقادهم في غضون الأسبوعين لأن المزارعين البيض سينتشرون ويزرعون كل ما كان يزرعه اليابانيون. كما أننا لا نريد عودتهم بعد انتهاء الحرب».
ولكن من المثير للسخرية بالنسبة لأنسون أن الترحيل الجماعي الذي تم بموجب الأمر التنفيذي رقم 9066 كان معناه وجود نقص حاد في العمالة الزراعية؛ فقد رحل الكثير من القوقاز للحرب، ومن ثمَّ وقعت الولايات المتحدة على اتفاقية هجرة عدة ملايين شخص مكسيكي من العمال الزراعيين بموجب ما سمي برنامج براسيرو.
الحياة في المعسكرات
ظل الأمريكيون من أصول يابانية لأغلب فترة الاعتقال متبلدي المشاعر تجاه اعتقالهم، وكانت عبارة شيكاتا غا ناي تتردد كثيراً – وهي تعني «لا مفر من الأمر»، والتي تمثل للكثيرين التوجه لدى اليابانيين لتحمل المعاناة الخارجة عن نطاق سيطرتهم.
أُرسل الأمريكيون اليابانيون في بادئ الأمر إلى مراكز تجمع مؤقتة، والتي كانت في أراضي المعارض ومضامير السباقات، وكانت هناك ثكنات بُنيت على عجالة، حيث كان المعتقلون يوضعون في مآوى ضيقة، ويُجبرون على استخدام مرحاض ليس أكثر من حفر في الأرض. ومن هنا، كانوا يُرحلون إلى معسكرات دائمة -مطوقة بالأسلاك الشائكة والحرس المسلح- في أماكن نائية ومعزولة عبر الولايات السبع كاليفورنيا وأريزونا وكولورادو ووايومنغ وأيداهو ويوتاه وأركنساس.
لم تكن الكثير من هذه المعسكرات -المعروفة بمراكز ترحيل الحرب- أفضل كثيراً من مراكز التجمع المؤقتة. ولقد وصف أحد التقارير المباني أنها «ثكنات مغطاة بالورق والقار ذات هيكل بسيط دون أعمال صرف صحي أو منشآت للطهي من أي نوع». وبالطبع، كان الاكتظاظ أمراً منتشراً.
نتيجة لهذا، صارت الأمراض أحد المخاوف الكبرى، ومنها الدزنتاريا والملاريا والسُل. وكان هذا الأمر مُعضلاً، نظراً للنقص الخطير في الخبراء الطبيين والموارد الطبية، وهو ما لم يخفف منه قرار سلطات ترحيل الحرب بجعل الحد الأقصى لأجر الخبراء الطبيين من الأمريكيين اليابانيين 20 دولاراً في الشهر (أي قرابة 315 دولاراً اليوم)، في حين لم يخضع القوقاز لهذه القيود. وبالمقارنة، كانت الممرضات من القوقاز يتقاضين 150 دولاراً (2,361 دولار) في الشهر في المعسكر الواحد.
أجرت الحكومة الأمريكية استبيانات للولاء كذلك على الأمريكيين اليابانيين مع هدف نهائي متمثل في إمكان تجنيدهم وفصل المواطنين «الأوفياء» من «الخونة».
وغالباً ما كانت هذه الاستبيانات تسألهم عن رغبتهم في الانضمام إلى الجيش، وإذا ما كانوا مستعدين للتخلي التام عن ولائهم لليابان. وبسبب مخاوف التجنيد، والارتباك العام، والغضب المبرر تجاه الحكومة الأمريكية، فقد «أخفق» آلاف الأمريكيين اليابانيين في استبيان الولاء وأرسلوا إلى معسكر بحيرة تول.
وعندما وقع روزفلت لاحقاً على مشروع قانون يسمح للأمريكيين اليابانيين بالتخلي عن جنسيتهم، كانت نسبة 98% من أصل 5,589 معتقلاً ممن تنازلوا عن الجنسية مقرهم بحيرة تول. يستشهد بعض المدافعين عن الأمر أن هذا مثال على الخيانة تجاه الولايات المتحدة، ولكن هذه الحجة تتغاضى بوضوح عن الانتهاك الصارخ لحقوق الأمريكيين اليابانيين. اتضح لاحقاً أن كثيراً من هذه التنازلات كانت تحت الإكراه، وأن تقريباً جميع من تنازلوا عن جنسيتهم سعوا لاستردادها.
وبما أن كثيراً من الأطفال كانوا يعيشون في هذه المعسكرات، فقد تضمنت هذه المعسكرات المدارس. وبالطبع لم تكن هذه المدارس مثالية -فنسبة الطلاب للمعلم الواحد كانت تبلغ 48:1، كما كانت الموارد محدودة. ولم يغب عن الطلاب وجه السخرية في تعلم التاريخ والمُثُل الأمريكية، حتى أن أحد الطلاب كتب في مقال له قائلاً:
«إن الجيل الأول [من المهاجرين اليابانيين] الذي لم يكن لديه من العلم باللغة الإنجليزية ولا البيئة المحيطة سوى القليل، قدِم إلى هذه الأرض حاملاً الروح الأمريكية الرائدة المتطلعة لإعادة التوطين.. وبالرغم من المرور بالكثير من الصعوبات، فقد وصل إلى هدفه ليعاد توطينه مرة أخرى بأمر الإخلاء للطوارئ من أجل ضمان حمايتنا وأمننا العام».
لعل أفضل ما كان بشأن الحياة في هذه المعسكرات -والطريقة المثلى ليظهر المعتقلون طابعهم الأمريكي الأصيل– هو لعب البيسبول. حتى إن أحد المعسكرات كان يضم قرابة 100 فريق بيسبول. ولقد استرجع هيرب كوريما، المعتقل السابق، أهمية لعبة البيسبول في حياتهم في مقابلة له مع صحيفة Christian Science Monitor قائلاً: «أردت أن يحظى آباؤنا -الذين كانوا يعملون بجد- بفرصة مشاهدة مباراة بيسبول. ولقد كان أكثر من نصف المعسكر يخرج لمشاهدة المباريات؛ حيث كانت مصدر البهجة الوحيد هناك».
العواقب
عندما أغلقت المعسكرات أخيراً عام 1945، كانت حياة الأمريكيين اليابانيين قد انهارت تماماً، فأعيد بعضهم إلى اليابان، في حين استقر آخرون حيثما أُجبروا على البقاء. أما من أرادوا العودة إلى الساحل الغربي، فقد مُنحوا 25 دولاراً وتذكرة قطار، ولكن قليلاً منهم كان لديه ما يعود إليه؛ فكثير منهم باعوا أملاكهم إلى المشترين المستغلين قبيل اعتقالهم، في حين كان ما تركوه خلفهم مغنماً للسرقات. وبعد مرور الكثير من الأعوام، فقد كلف قانون الحريات المدنية بحصول الضحايا على قيد الحياة على 20,000 دولار، رغم أن هذه تبدو كغرامة زهيدة تُسدد نظير قلب مسار حياة ما يفوق 100,000 شخص بلا رجعة.