إيران وروسيا تستعدان لإحكام السيطرة في سوري
ثمة عامل مشترك واحد لأحداث الأيام الأخيرة في سوريا، وقد بدأ يتضح: لقد بدأت المعركة بالسيطرة من خلف الكواليس في نظام بشار الأسد في اليوم الذي سيعقب انتصاره في الحرب الأهلية الدموية التي دمرت سوريا تقريبًا بصورة كاملة. التوتر في الدولة ظهر أمس عندما أرسلت روسيا أسطولامن عشر سفن على الأقل وغواصتين إلى شواطئ سوريا والناتو شن هجومًا على خطوات موسكو. إرسال الأسطول الروسي هو جزء من هجوم الجيش السوري على المعقل الكبير الأخير للمتمردين في إدلب شمال الدولة جاء بعد يوم من التوقيع على اتفاق أمني جديد بين إيران وسوريا.
نشر قوات جوية روسية قبل ثلاث سنوات هو الذي رجح كفة الحرب في سوريا لصالح الرئيس بشار الأسد، الذي كان يسيطر في تلك الفترة على حوالي ربع مساحة سوريا. واليوم روسيا تحافظ على وجودها العسكري في سوريا من أجل ضمان انتصار الأسد، ولكن لها مصالح استراتيجية أخرى وعلى رأسها الحفاظ على مخرج إلى البحر الأبيض بواسطة الميناء الذي تسيطر عليه في شواطئ مدينة طرطوس في شمال سوريا. وسائل الإعلام الروسية تصف تعزيز القوات البحرية الحالي بأنه الأكثر كثافة منذ بداية الحرب الأهلية. وسائل الإبحار الروسية مزودة بصواريخ كروز التي تستطيع المساعدة في الهجوم على المتمردين في إدلب.
بالرغم من أن كلتا الدولتين جزء من نفس نظام القوات المؤيد لنظام الأسد ولا تتواجهان بينهما مباشرة، إلا أن هناك تضارب مصالح معين بين روسيا وإيران. كل واحدة منهما تتطلع إلى عقد صفقات اقتصادية مستقبلية مع النظام لإعادة إعمار الدولة (التي من شأنها جزئيًا الاستناد إلى استغلال مواد النفط التي تبقت في سوريا) ولكلتيهما مصلحة في الحفاظ على وجود عسكري في سوريا.
وزير الدفاع الإيراني وصل أول أمس في زيارة إلى سوريا وأعلن بأنه وقع على اتفاق بين كلتا الدولتين، والذي إيران في إطاره تساعد في إعادة تأهيل الجيش السوري والصناعات العسكرية في الدولة. الرسالة الإيرانية من وجهة النظر الإسرائيلية هي: نحن هنا من أجل أن نبقى. هذه الأقوال قيلت بعد حوالي شهر من استكمال نظام الأسد السيطرة على الجانب السوري من الحدود في هضبة الجولان، وبعد أن أعلنت روسيا أنها اتفقت مع الإيرانيين على إبعاد قواتهم حتى 85 كيلو مترًا من الحدود مع إسرائيل. التفاهم الروسي الإيراني لا يتضمن محيط مدينة دمشق الموجود داخل المنطقة الفاصلة الجديدة.
التحذيرات الإسرائيلية بخصوص الشأن الإيراني وجهت في السنة الأخيرة ضد تواجد رجال الحرس الثوري في سوريا وضد نشر أنظمة عسكرية إيرانية في سوريا. إعادة تأهيل الجيش السوري، الذي وضعه متدهور جدًا بعد سنوات من الحرب، لا يحتل مكانة متقدمة في جدول التهديدات التي تقلق إسرائيل.
في إسرائيل يشخصون تهديدات محددة، وداخل الحلف الوثيق بين سوريا وإيران أيضًا. في الأسابيع الأخيرة ثمة حدثان في منطقة مدينة أبو كمال شرق سوريا بالقرب من الحدود مع العراق، فهناك هاجم الجيش السوري مرتين بميليشيات شيعية مؤيدة لإيران. هذه الخطوة بدت وكأنها جزء من صراع داخلي على السيطرة على طول ما يسمى الجسر البري الإيراني، وهو الخط الواصل من إيران مرورًا بالعراق وحتى دمشق ومن هناك إلى بيروت.
قبل حوالي شهرين وردت تقارير عن هجوم جوي في المكان نفسه ونسب إلى إسرائيل. الحرب في سوريا حسمت في صالح نظام الأسد، ولكن واقع اليو
م الذي سيعقب ذلك ما زال آخذًا في التشكل وهو مرتبط بصراعات قوى عديدة بين الأطراف المختلفة.
لا يوجد لإدارة ترامب في المرحلة الحالية سياسة واضحة بشأن إعادة إعمار سوريا باستثناء مبدأ واحد: إلقاء المسؤولية الكاملة بهذا الشأن على روسا ونظام الأسد. سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة «نيكي هيلي» أوضحت ذلك أمس في لقاء أمنى عقد في واشنطن. «سوريا تعود للأسد وروسيا الآن»، قالت هيلي. «المنطق هو أنهم حطموا سوريا، والآن هم عليهم إصلاح ما فعلوه، هم يتوقعون من الولايات المتحدة أن تقوم بالإصلاح، ولكننا سنظل خارج هذه العملية»، أضافت هيلي.
إن مقاربة الإدارة الأمريكية تثير الخوف في أوساط خبراء في واشنطن، والذين يحذرون من أن إيران، وفي غياب التدخل الأمريكي، سيكون من الأسهل عليها أن تكسب من عملية إعادة الإعمار، وهذا بالضبط في الفترة التي يرزح فيها الاقتصاد الإيراني تحت ضائقة في أعقاب العقوبات الأمريكية. أقوال وزير الدفاع الإيراني هذا الأسبوع أشارت إلى نية بلاده.
تحاول طهران السيطرة أيضًا على سوق الاتصالات في سوريا، والذي جزء من بنيته التحتية في الأساس في منطقة دمشق ظلت قائمة بعد الحرب. اتفاق بشأن ذلك سبق ووقع في السنة الماضية بين دمشق وطهران. إلى جانب مصدر الدخل الثابت الذي من شأنه أن ينمو مع السنين، فإن السيطرة على سوق الاتصالات من شأنه أن يخدمهما أيضًا من ناحية استخباراتية، قال لـ «هآرتس» مات برودسكي، الخبير الأمريكي للسياسة الخارجية الذي نشر مؤخرًا بحثًا حول النشاط الاقتصادي الإيراني في سوريا.
وأضاف أن إيران نفذت عملية مشابهة في العراق، وحسب أقواله: «هنالك حوار حذر بشأن محاولتهما لإنشاء تواصل من الوجود العسكري من العراق حتى لبنان. السيطرة على البنى التحتية للاتصالات تساعدهم في تحقيق هذا الهدف». برودسكي وصف في بحثه كيفية تخطيط النظام السوري لأن يؤمم بواسطة تشريعات للأراضي الزراعية التي تركها لاجئون هربوا من سوريا ثم توزيعها على مقاتلي الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران. على جزء من هذه الأراضي من المتوقع أن تقام مشاريع للسكن يتولى تنفيذها مقاولون إيرانيون.
إضافة إلى ذلك، ثمة شركات إيرانية لها علاقة بالحرس الثوري سيطرت على مناجم الفوسفات في سوريا، وشركات بناء إيرانية أضحت نشطة في منطقة دمشق. «الإيرانيون لا يرون في سوريا منطقة عسكرية فحسب، بل أيضًا ساحة للنشاط الاقتصادي هم بحاجة إليها في السنوات القريبة القادمة»، قال برودسكي.
أما الدكتورة اريان طبطبائي، الخبيرة في الشؤون الإيرانية في معهد «راند»، فقالت لـ «هآرتس» إن «الإيرانيين لن يوافقوا على الخروج من سوريا في السنوات القريبة؛ لأنهم يخططون لأن يكسبوا الكثير من الأموال هناك. والعقوبات الأمريكية تزيد الضغط على النظام لاستغلال عملية إعادة إعمار سوريا من أجل تحسين الوضع». القيادة الإيرانية ـ حسب أقوالها ـ تقدر بأنه «حتى لو كان واضحًا أن إيران تكسب من إعادة الإعمار، فإن هذا لن يمنع أوروبا ودول الخليج من أن تضع أموالًا. لا أحد يريد أن تتحول سوريا إلى نسخة أخرى من ليبيا». نظام الأسد من جانبه يحاول مؤخرًا إقناع رجال أعمال سوريين تركوا الدولة في بداية الحرب بالعودة والاستثمار فيها، على الأقل في منطقة دمشق.