٢٥ عاما على الشراكة الأورومتوسطية.. ولاتزال مصر قوة إقليمية مؤثرة ونموذجا لحسن الجوار
ربع قرن مضى على الشراكة الأورومتوسطية، التي عرفت باسم “عملية برشلونة (يوروميد EUROMED)، وتتجسد اليوم في الاتحاد من أجل المتوسط ، تلك المبادرة الفريدة التي جمعت البلدان المطلة على البحر الابيض المتوسط شكلت نقطة تحول في العلاقات الأوروبية المتوسطية وجعلت من هذا البحر العابر لثلاث قارات ملتقى شعوب وحكومات تعمل من أجل مصير مشترك.
فعقب مرور 13 عاما من الشراكة الأورومتوسطية،التي وضعت أسس للعلاقات الإقليمية خلال مؤتمر برشلونة الأورومتوسطي 1995، قدمت مصر وفرنسا -وتحديدا خلال “قمة باريس” في 2008، وبحضور رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي وحوض المتوسط والمفوضية الأوروبية- مبادرة لإنشاء الاتحاد من أجل المتوسط خلفاً لعملية برشلونة، ليصبح المنظمة الحكومية الدولية الأورو-متوسطية الوحيدة التي تضم الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي ال28، و16 دولة من جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط، و هي: (مصر، ألبانيا، المغرب، البوسنة والهرسك، تركيا، ، الأردن، لبنان، تونس، موريتانيا، موناكو، الجبل الأسود، ليبيا، سوريا والجزائر، فلسطين و إسرائيل) .
و بدأ الاتحاد من أجل المتوسط عمله برئاسة دورية تشترك في توليها دولة عضو بالاتحاد الأوروبي مع أحد الشركاء المتوسطيين، فكانت مصر و فرنسا أول بلدين يتوليانها خلال الفترة من عام 2008 إلى عام 2012، لينطلق عهد جديد من التعاون والشراكة بين ضفتي المتوسط.
وسار الاتحاد على خطى “عملية برشلونة”، والتزم بالأهداف الرئيسيّة للشراكة الأورومتوسطية، و عمل على خلق منطقة سلام واستقرار في حوض المتوسط عبر تعزيز الحوار السياسي والأمني، و الديمقراطية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان ، بجانب تحقيق الازدهار المشترك من خلال شراكة اقتصادية ومالية ومنطقة تجارة حرة ، فضلا عن التقارب بين الشعوب بتشجيع الحوار بين الحضارات والتنوع الثقافي والاجتماعي .
ورأى السفير ناصر كامل الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط- في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الاوسط- أنه مع الذكرى الخامسة والعشرين لإطلاق عملية برشلونة فقد حان الوقت لتقييم ما تم إنجازه خلال ربع قرن من الحوار والتعاون وكذلك التفكير في مستقبل الشراكة الأوروبية المتوسطية.
وأضاف انه ومن المقرر أن يستعرض وزراء خارجية الدول الأعضاء، الجمعة (٢٧ نوفمبر) ، خلال انعقاد المنتدى الإقليمي السنوي للاتحاد من أجل المتوسط، جهود الشراكة الأورومتوسطية منذ تأسيسها عام 1995 وتحديد المجالات والأولويات الاستراتيجية خلال السنوات القادمة .
فقد شهدت ال25 عاما الماضية شراكة غير مسبوقة بين أوروبا و البلدان المطلة على البحر المتوسط في شمال أفريقيا وغرب آسيا، ودعما للعلاقات متعددة الأطراف، وإشراك المجتمع المدني في المشروعات التنموية و تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين.
كما قدمت تلك الشراكة العديد من المبادرات في مختلف المجالات بهدف تحقيق التنمية المستدامة بالمنطقة وإقامة مشاريع محددة تلبي تطلعات شعوب المتوسط.
و عكف الاتحاد على تقديم مبادارات ومشروعات من شأنها الحد من البطالة وتقليل الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، و الارتقاء بعلاقات التعاون بين الدول ، بالاضافة لوضع شروط تجارية متبادلة وعادلة لشركاء البحر المتوسط .
وبالرغم من تعطل الكثير من المشروعات الطموحة بسبب نقص التمويل، نجح الاتحاد من أجل المتوسط في إقامة ما يزيد عن 50 مشروعا اقتصاديا بميزانية تخطت ال 5 مليارات يورو ، لتحقيق مزيد من التعاون والتقارب الإقليمي و خدمة شعوب المنطقة، و من أبرز الأمثلة على تلك المشروعات الهامة مشروع تحلية المياه في قطاع غزة، فضلا عن إعداد خبراء من مختلف دول الاتحاد لتقرير دولي بالتعاون مع الأمم المتحدة حول التغير المناخي بالمتوسط والذي أنذر بأن منطقتنا هي ثاني أكثر المناطق في العالم تأثرا بظاهرة الاحتباس الحراري.
وعن دور مصر في المنظمة الأورومتوسطية والمنطقة، فلم تكتف بالمساهمة بقوة مع فرنسا عام ٢٠٠٨ في إنشاء الاتحاد، بل ظلت طوال تلك السنوات تلعب دورا فعالا ومحوريا في الأنشطة المختلفة، نظرا لاهتمامها الدائم وحرصها على التعاون مع مختلف دول العالم و مع جيرانها بمنطقة المتوسط بصفة خاصة .
ولعل اختيار شخصية دبلوماسية مصرية على رأس الأمانة العامة للاتحاد من أجل المتوسط ، وهو السفير ناصر كامل، خير دليل على الأهمية والمكانة التي تحظى بها مصر في منطقة البحر المتوسط شمالا وجنوبا.
و استفادت مصر بعشرات المشروعات التنموية الإقليمية التي يساهم في إقامتها الاتحاد في مختلف المجالات لاسيما فيما يتعلق بالمرأة والشباب والتوظيف، والتعليم العالي والبحث العلمي، والعمل المناخي، والنقل والتنمية الحضرية وغيرها من المجالات.
وبدورها، عملت مصر على تنفيذ أهداف الشراكة الاورومتوسطية، حيث تعد شريكا مميزا داخل الاتحاد من أجل المتوسط، فلم تدخر جهدا في حل القضايا الإقليمية الملحة مثل محاربة الاٍرهاب و الهجرة غير الشرعية ، كما نجحت في تمكين المرأة والدفع بالشباب في المناصب القيادية، بجانب تنفيذ استراتيجية التنمية المستدامة “رؤية مصر 2030” بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، و خاصة إقامة مشروعات تعتمد على الطاقة النظيفة، فضلا عن الاهمية التي توليها مصر لقضية التغير المناخي الذي يهدد منطقتنا، و استضافتها للعديد من الفاعليات الاورومتوسطية.
وقد أكد الامين العام للاتحاد من أجل المتوسط أن مصر “نقطة مضيئة بالمنطقة”، و تقدم أفضل النماذج في سياسة حسن الجوار، وتعد شريكا إقليميا يحتذي به سواء فيما يتعلق بالنقلة النوعية التي أحدثتها بمختلف المجالات، وفِي مقدمتها الاقتصاد والطاقة والتنمية، أو لكونها بلد على استعداد دائم لتقديم يد العون لشركائه، مشيرا في هذا الصدد الى المساعدات التي قدمتها مصر للبلدان الاخرى في ظل جائحة كورونا.