يرحبون به لكنهم يخشون تبعاته.. كيف سيغير قانون قيصر علاقة مناطق المعارضة السورية بالنظام؟
يبدو أن تأثير قانون قيصر على مناطق المعارضة السورية في شمال البلاد سيكون كبيراً، وأنه سيغير شكل علاقة هذه المناطق بالنظام، وقد يطلق مبادرات للتحرر الاقتصادي من سيطرة بشار الأسد،.
ولكن الذي دخل حيز النفاذ اليوم الأربعاء 18 يونيو قد يأتي أيضاً بأضرار كبيرة على هذه المناطق التي تعاني أصلاً من أوضاع متدهورة.
ترحيب حذر
يرى السوريون الذين فروا من حكم بشار الأسد إلى معاقل المعارضة السورية بشمال البلاد أن العقوبات الأمريكية الجديدة المتمثلة في قانون قيصر خطوة في الاتجاه الصحيح للضغط على النظام لكنهم يخشون تبعاتها على حياتهم يقولون إنه يتعين حمايتهم من أي تداعيات مثل انهيار العملة، فيما بدأوا بالفعل يبحثون عن بديل.
واعتبر أحمد رمضان عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني المعارض في سوريا ورئيس “حركة العمل الوطني من أجل سوريا” ان قانون قيصر” يمثل آلية مناسبة للخروج من حالة تعطيل مجلس الأمن، “.
وقال “ومن هنا يأتي موقفنا المؤيد للعقوبات لكونها ستحد من قدرات النظام، وكذلك الشخصيات المتورطة في جرائم الحرب”.
ورآى عبد الحكيم المصري وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة ، أنه”إذا ما كانت الدول جادة بتطبيق هذا القانون فالنظام سيجبر على الانتقال إلى الحل السياسي”.
وتوقع المصري، في لقاء دعت إليه رابطة أهل حوران، عبر عبر موقع التواصل الاجتماعي”gotomeeting”؛ لمناقشة القانون وتداعياته الاقتصادية، أن يستخدم النظام السوري قانون قيصر “كحجة للضغط على الشعب” مشيراً إلى فقرة في القانون تسمح بإدخال المواد الطبية والغذائية شريطة الإعلان عن المواد التي سيتم إدخالها، وبعد موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وبدأ الأربعاء سريان أشد عقوبات أمريكية حتى الآن على دمشق بموجب قانون قيصر، الذي يحمل اسم مصور عسكري سوري هرّب آلاف الصور خارج سوريا تُظهر عمليات قتل جماعي وتعذيب وجرائم أخرى.
لم يتطرق إلى وضع مناطق المعارضة ولا الأكراد
ولم يتطرق قانون القيصر إلى وضع مناطق السورية الحليفة لتركيا أو المناطق الخاضعة للنفوذ الكردي رغم أنها تتعامل بشكل مكثف مع النظام.
ولكن وزير الاقتصاد والمالية في “الحكومة المؤقتة السورية” التابعة للمعارضة، قال لموقع “عربي21، إن افتتاح أي معبر تجاري مع النظام في هذا التوقيت، سيعرض المنطقة إلى العقوبات الأمريكية، وهذا ما ستعمل الحكومة المؤقتة على تفاديه.
وتابع، بالإشارة إلى بند صريح في قانون “قيصر”، يعاقب كل من يتعامل مع النظام السوري، مبينا أن المواد المسموح بإدخالها إلى مناطق سيطرة النظام (غذائية، طبية)، ستكون تحت إشراف من منظمات معتمدة من الجانب الأمريكي.
وقال بكر العلي (30 عاما)، في منطقة إدلب التي تخضع لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا، في تصريح لرويترز “إنه قرار جيد. لكن المهم هو ألا نتأثر نحن به.
انهيار الليرة حتى قبل العقوبات.. والأمم المتحدة تحذر من مجاعة
وفي الشهر الماضي انهارت الليرة السورية، التي ضعفت خلال ما يقرب من عشر سنوات من الحرب، حيث يشير تجار إلى العقوبات المحدقة باعتبارها أحد العوامل التي تزيد الطلب على العملة الصعبة إلى جانب الانهيار المالي في لبنان المجاور.
وبينما يقع شمال غرب سوريا خارج نطاق حكم الأسد فإن الليرة السورية ما زالت تُستخدم هناك. وانخفضت قيمتها هذا الشهر إلى ثلاثة آلاف ليرة مقابل الدولار من 47 ليرة فقط عندما بدأ الصراع عام 2011.
ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن تراجع قيمة الليرة للنصف منذ مايو/أيار تسبب في رفع أسعار السلع الأساسية لمستويات قياسية بعيدة جداً عن القدرات الشرائية لأربعة ملايين شخص في شمال غرب سوريا، حيث فر العديد من السوريين عند استعادة الأسد لأراض من مسلحي المعارضة.
وخلال جلسة عبر الفيديو بمجلس الأمن الدولي أمس، قال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا إن الوضع في هذه البلاد يزداد سوءاً، حيث يعاني 9 ملايين و300 ألف سوري من انعدام الأمن الغذائي، وهناك أكثر من مليونين آخرين مهددين بذلك، وإذا تفاقم الوضع فقد تحدث مجاعة.
تأثير قانون قيصر على مناطق المعارضة السورية
يبدو أن تأثير قانون قيصر على مناطق المعارضة السورية لن يختلف كثيراً عن الوضع في مناطق النظام، في ظل ارتباط اقتصاد هذه المناطق ببقية البلاد، خاصة فيما يتعلق بالعملة المتداولة، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من سكان مناطق المعارضة، يتلقون استحقاقات من النظام مثل أجور ورواتب تقاعد بالليرة السورية المتداعية.
ولكن مسؤولي الحكومة التابعة للمعارضة ألمحوا إلى أنهم بدأوا في فك الارتباط باقتصاد النظام قبل سريان القانون.
فقد أوضح وزير الاقتصاد والمالية في “الحكومة المؤقتة السورية” أن المعارضة أحكمت إغلاق المعابر التجارية مع النظام السوري منذ أشهر، وذلك مع اشتداد أزمة كورونا، وانتشار الفيروس في مناطق سيطرة النظام.
كما كشف أحمد رمضان عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني المعارض في سوريا عن تشكيل الإئتلاف للجنة مختصة لمتابعة تفاصيل القانون السياسية والقانونية بالتنسيق مع الجانب الأمريكي، ومن أهم مهامها متابعة تنفيذ العقوبات، والكشف عن أي جهة تتعامل مع النظام، وكذلك مراقبة محاولات الأخير الالتفافية على القانون.
وترغب الدول الغربية في أن ترى حدوث تقدم صوب انتقال سياسي في سوريا قبل أن تقدم يد العون في إعادة إعمار البلاد.
وتقول دمشق إن العقوبات الجديدة تمثل انتهاكاً للأعراف الدولية وتعتبر جزءاً من حرب اقتصادية.
ورفض الأسد، في مقابلة عام 2015، الصور التي عرضها قيصر، معتبراً أنها “مزاعم بلا دليل”، وجزء من “مؤامرة” تمولها قطر ضد حكومته.
التجار يرفضون استخدام عملة الأسد
وعشية دخول قانون قيصر الأمريكي حيز التنفيذ، بدأت السلطات المحلية في مناطق سيطرة الجماعات المعارضة في إدلب اعتماد الليرة التركية في التعاملات اليومية عوضا عن الليرة السورية.
وحتى قبل دخول قانون القيصر حيز التنفيذ، وبعد تجاوز سعر صرف الدولار الواحد حاجز 3 آلاف ليرة سورية وتأرجح الأسعار، عمد عدد من التجار إلى إغلاق محالهم التجارية في ريف حلب الخاضع للمعارضة، فيما قام غالبيتهم باعتماد الليرة التركية والدولار في عمليات البيع والشراء.
ودفع الانهيار غير المسبوق في قيمة الليرة السورية من بداية يونيو/حزيران الجاري، المعارضة والمجالس المحلية إلى دعوة صريحة لتداول الليرة التركية، ولتسعير المواد الغذائية الأساسية كالخبز، إضافة إلى أسعار الذهب.
وحول تبعات الخطوة ومدى نجاحها في الشمال السوري، يرى وزير الاقتصاد في حكومة المعارضة السورية أن أي عمل جديد يكون في بدايته صعباً، لكن الاستبدال أصبح مطلباً جماعياً، ولا سيما من العمال الذين يتقاضون أجورهم بالعملة السورية حتى تكون الأجور ثابتة وفق الليرة التركية، وأيضاً التجار الذي تكبدوا خسائر كبيرة وأغلقوا محلاتهم جراء فرق قيمة العملة.
وفي مناطق درع الفرات وغصن الزيتون شمال حلب وكذلك إدلب، بدأت مراكز البريد التركية بضخ العملة التركية من الفئات النقدية الصغيرة من فئة “الليرة المعدنية و5 ليرات و10 ليرات فئة الورقتين” في الأسواق، بعد الحصول عليها بتصريفها مقابل الدولار الأمريكي، أو من خلال الرواتب التي يحصل عليها موظفو المنظمات الإنسانية أو العسكريون العاملون ضمن صفوف قوات المعارضة المدعومة من تركيا، لتوفيرها في الأسواق وتسهيل عمليات البيع والشراء بين المواطنين، بحسب محمود الخنوس، أحد العاملين في القطاع الإنساني والإغاثي بمنطقة الباب وأعزاز شمال حلب.
هل يكون البديل الليرة التركية أم الدولار؟
ويصف عبدالكريم محمد -وهو من أهالي ريف حلب- تداول الليرة التركية بأنه أفضل الحلول المطروحة والمتاحة حالياً في مناطق المعارضة، لكن أغلب صرافي العملة مع الأسف يحصلون على هامش ربح غير مقبول لتصريف العملة السورية للأهالي وإعطائهم العملة التركية.
ويقول عبدالكريم للجزيرة نت إنه رغم تداول الليرة التركية سابقاً، فإن الأهالي لم يعتادوا حتى اللحظة على استخدامها، ولا سيما الفئات النقدية الصغيرة منها، لكن الإجراء كان أحلى الأمرّين.
من جهته قال الحاج ممدوح النعسان، تاجر مواد غذائية في مدينة عفرين شمال حلب، إنه كان يقوم بتغيير أسعار السلع كل ساعة بحسب أسعار الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي للمحافظة على مستوى ربح معين وعدم التعرض للخسارة في عملية البيع.
ويضيف قائلاً “ورغم ذلك تعرضت كثيراً للخسارة في البيع، فعندما يأتي المساء نصطدم بتراجع قيمة الليرة السورية إلى مستوى متدنٍ عندما أذهب لتحويلها إلى الدولار الأمريكي لكي اشتري السلع من تاجر الجملة”.
وكان وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبدالحكيم المصري قد صرح قبل أيام بأن “كل التعاملات لدى مؤسسات الحكومة المؤقتة” في المناطق التي تشرف على إدارتها شمال سوريا ستكون بالليرة التركية أو الدولار.
وسبق أن قال باسل عبدالعزيز، وزير الاقتصاد والموارد في حكومة الإنقاذ السورية التابعة للمعارضة، (توصف بأنها الذراع المدني لهيئة تحرير الشام التي تهيمن على مناطق واسعة من إدلب وهي على خلاف مع حكومة الإنقاذ): “إنه إلى الآن ليس هناك عملة رسمية في المناطق المحررة، ولكن الذي اتُّفق عليه اعتماد مجموعة من العملات عوضاً عن الليرة السورية المنهارة، فكان الدولار للتعاملات الكبيرة والمتوسطة والليرة التركية والسورية للتعاملات الصغيرة واليومية”.
ووأضاف في تصريح لـ”عربي بوست” أن رواتب الموظفين والعاملين في الحكومة قُيمت عموماً على الدولار، ليصرف بالعملة المتداولة سواء تركية أو سورية، وأن رواتب هذا الشهر قد سلمت لمستحقيها بالعملة التركية باعتبارها متوفرة، كما عُقد اجتماع مع اتحاد النقابات وأعضائها لتحديد الحد الأدنى لأجور العمال بالدولار أو الليرة التركية، لاعتماده من الحكومة.