ولي العهد السعودي يتعهد بتقديم قتلة خاشقجي للعدالة
تعهد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يوم الأربعاء بتقديم قتلة الصحفي جمال خاشقجي للعدالة، وذلك في أول تصريحاته العلنية منذ أن أثار مقتل الصحفي البارز عاصفة من الغضب والاستنكار على مستوى العالم
وأبلغ الأمير محمد مستثمرين دوليين في مؤتمر كبير بالرياض بنبرة تحد بأن الضجة المثارة بشأن مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول لن تعرقل المملكة عن مسعى الإصلاح.
وجاءت تصريحاته بعد ساعات من نقل صحيفة وول ستريت جورنال عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قوله إن ولي العهد السعودي باعتباره الحاكم الفعلي للمملكة يتحمل المسؤولية النهائية عن العملية التي أفضت إلى مقتل خاشقجي.
وقال الأمير محمد وسط تصفيق الحضور ”سوف نثبت للعالم بأن الحكومتين (السعودية والتركية) متعاونتان لمعاقبة أي مجرم وأي مذنب والعدالة في الأخير سوف تظهر“.
وتتعرض السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، لضغوط متزايدة بشأن مقتل خاشقجي الذي كان يكتب بصحيفة واشنطن بوست ومن أبرز منتقدي ولي العهد.
وتسببت الأزمة في توتر علاقات الرياض مع الغرب ودفعت عشرات من الساسة الغربيين وكبار المصرفيين العالميين والرؤساء التنفيذيين للشركات إلى مقاطعة مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي افتتح أعماله في الرياض الثلاثاء.
وذكرت الرئاسة الفرنسية في بيان أن الرئيس إيمانويل ماكرون أبلغ العاهل السعودي الملك سلمان في اتصال هاتفي بأن فرنسا قد تتخذ بالتنسيق مع شركائها إجراء ضد من تثبت مسؤوليتهم عن القتل.
غير أن رد الفعل الفرنسي كان حذرا نسبيا في ظل محاولة باريس للاحتفاظ بتأثيرها لدى الرياض وحماية علاقاتها التجارية التي تشمل الطاقة والتمويل ومبيعات الأسلحة. وفي الفترة من 2008 إلى 2017 كانت السعودية ثاني أكبر مشتر للسلاح من فرنسا بصفقات تجاوزت قيمتها 11 مليار يورو منها صفقات بقيمة 1.5 مليار يورو في العام الأخير.
ونفت السعودية في بادئ الأمر تورطها في اختفاء خاشقجي بعدما دخل القنصلية، لكن مسؤولا سعوديا عزا في آخر الأمر مقتله في الثاني من أكتوبر تشرين الأول إلى محاولة فاشلة لإعادته للمملكة. ورفضت تركيا المساعي السعودية لتحميل المسؤولية لعناصر مارقة وحثت الرياض على البحث ”من أسفل السلم إلى أعلاه“ عن المسؤولين عن الحادث.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مصادر مطلعة على اجتماعات مديرة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) جينا هاسبل في تركيا قولها إن هاسبل استمعت إلى تسجيل صوتي لاستجواب خاشقجي وقتله. وامتنع متحدثون باسم (سي.آي.إيه) والمخابرات التركية عن التعليق على استماع هاسبل للتسجيل. وكانت المسؤولة الأمريكية غادرت متوجهة إلى تركيا يوم الاثنين.
ووصفت بريطانيا، وهي أيضا من كبار موردي الأسلحة للمملكة، رواية السعودية لملابسات مقتل خاشقجي بأنها تفتقر للمصداقية. وبعد قليل من اتصالها هاتفيا بالملك سلمان، قالت رئيسة الوزراء تيريزا ماي يوم الأربعاء إن لندن ستمنع جميع المشتبه بضلوعهم في الحادث من دخول البلاد.
وتسرع إدارة ترامب وصناعة الدفاع الأمريكية الخطى لإنقاذ الصفقات الفعلية القليلة ضمن حزمة أسلحة للسعودية قيمتها 110 مليارات دولار جرى الترويج لها كثيرا مع تنامي المخاوف بشأن دور قيادة المملكة في مقتل خاشقجي.
* علاقات متوترة
قال الأمير محمد إن السعودية وتركيا ستعملان معا ”للوصول للنتائج“ من خلال تحقيق مشترك في الحادث، ووصف التعاون بين الرياض وأنقرة بأنه ”مميز“ على الرغم من الانتقادات الشديدة من أنقرة.
وأضاف في حلقة نقاشية بمؤتمر الاستثمار ”أولا الحادث الذي حدث مؤلم جدا لجميع السعوديين.. وهو حادث بشع وغير مبرر تماما.. والعدالة في الأخير سوف تظهر“.
في غضون ذلك، قال مصدر بالرئاسة التركية إن الرئيس رجب طيب أردوغان تحدث هاتفيا مع الأمير محمد وبحثا الخطوات اللازمة لكشف كل ملابسات مقتل خاشقجي.
لكن في أوضح علامة حتى الآن على توتر العلاقة بين البلدين، قال مستشار لأردوغان يوم الأربعاء إن يدي ولي العهد السعودي ”ملطختان بدماء“ خاشقجي.
ولم ترد السلطات السعودية بعد على طلب رويترز للحصول على تعليق بشأن تصريحات ترامب أو مستشار أردوغان، لكن الأمير محمد رسم صورة مختلفة للعلاقات مع تركيا.
وقال ”نعرف أن الكثير يحاول استغلال هذا الظرف المؤلم لإحداث شرخ بين المملكة وبين تركيا وأريد أن أرسل لهم رسالة من هذا المنبر: لن يستطيعوا عمل ذلك ما دام موجود ملك اسمه سلمان بن عبد العزيز وولي عهد اسمه محمد بن سلمان في السعودية ورئيس في تركيا اسمه أردوغان، لن يحدث هذا الشرخ“.
وفي تصريحاته لوول ستريت جورنال، ذكر ترامب أنه يريد أن يصدق قول ولي العهد أن اللائمة تقع على مسؤولين أقل مستوى عن عملية القتل التي حدثت في القنصلية السعودية.
لكنه ألمح إلى أن المسؤولية تقع على مستويات أعلى بالقول ”حسنا، الأمير يدير الأمور هناك بدرجة كبيرة في هذه المرحلة. هو يدير الأمور وبالتالي فإنه إذا كان هناك من يلام فإنه هو“.
* ”ما طلعوا إشاعات“
وقد ألقى مقتل خاشقجي بظلاله على مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، إذ انسحب منه أكثر من 25 من المشاركين رفيعي المستوى.
لكن السعودية أظهرت أنه لا يزال بإمكانها إبرام صفقات رغم الضجة، فقد وقعت الثلاثاء اتفاقات قيمتها 50 مليار دولار في المؤتمر الذي يحضره مئات المصرفيين ورؤساء الشركات.
وكان الأمير محمد (33 عاما)، الحاكم الفعلي للسعودية ومهندس مسعاها الإصلاحي، متفائلا بشأن الاقتصاد فتوقع نموا نسبته 2.5 في المئة هذا العام.
وبدا عليه الارتياح في الحلقة النقاشية التي شاركه فيها الحضور ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. وتحدث مازحا بشأن احتجاز الحريري في المملكة العام الماضي، قائلا إن رئيس الوزراء اللبناني حر أن يغادر بعد المؤتمر.
وأضاف ”دولة الرئيس سعد جالس يومين في السعودية فأرجوا إن ما طلعوا إشاعات أنه مخطوف“.
واستدعي الحريري، الذي يحمل الجنسية السعودية، إلى الرياض قبل عام لتحتجزه السلطات لفترة وجيزة وتجبره على الاستقالة من رئاسة الوزراء في خطاب قرأه في بث تلفزيوني من السعودية إلى أن تدخلت فرنسا وأطلقت سراحه.
* مسعى إصلاح اقتصادي
سعى محافظ البنك المركزي السعودي إلى طمأنة البنوك الأجنبية التي انسحبت من المؤتمر بالقول إن المملكة لن تعاقبها وإن بوسعها التقدم بطلبات للحصول على تراخيص للعمل في المملكة، أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط.
وروج الأمير محمد خلال الحلقة النقاشية لنجاح السعودية في مساعيها لتحويل اقتصادها المعتمد على النفط وجعل المملكة المحافظة مجتمعا أكثر تسامحا.
وقال ”كل مشاريعنا ماشية، الإصلاح ماشي وحربنا على التطرف ماشية وحربنا على الإرهاب ماشية، تطوير المملكة العربية السعودية ماشية، مهما حاولوا كبح جهودنا لن نتوقف“.
وعلى الرغم من مقاطعة كيانات كبيرة، منها شركات في وول ستريت، المؤتمر، حضر بعض كبار المصرفيين الدوليين من بنوك مثل (إتش.إس.بي.سي) و(إم.يو.إف.جي) أكبر بنك ياباني.