وسيط الأمر الواقع.. روسيا مجبَرة على التدخل لنزع فتيل الأزمة بين إيران وإسرائيل
في ذروة التوتر بين إسرائيل وإيران، تدعو روسيا إلى الحوار وتُضاعف اتصالاتها بين البلدين اللذين تقيم معهما علاقات مميزة، لتجد نفسها في موقع الوسيط بينهما.
يقول المحلل الروسي ألكسي مالاشنكو الخميس 10 مايو 2018: “بالمختصر المفيد، يجد الكرملين نفسه اليوم جالساً بين كرسيَّين”، في إشارة إلى إيران وإسرائيل، مضيفاً أنه “وضع معقَّد وصعب لروسيا، التي تقيم علاقات جيدة مع العدوين اللدودين”.
وشهدت الأراضي السورية، ليل الأربعاء/الخميس، تدهوراً خطيراً إثر تعرُّض منطقة الجولان السورية المحتلة لوابل من القذائف من الأراضي السورية؛ ما دفع إسرائيل إلى الرد بشن عشرات الغارات الجوية على أهداف إيرانية في سوريا.
وأكدت إسرائيل أن غاراتها تأتي رداً على قصف إيراني للقِسم المحتل من هضبة الجولان السورية.
وسارع الكرملين إلى الإعراب عن “قلقه”، داعياً البلدين إلى “ضبط النفس”، والعمل على حل خلافاتهما بـ”الطرق الدبلوماسية فحسب”.
وبُعيد دخولها عسكرياً في النزاع السوري عام 2015، تحولت روسيا إلى لاعب أساسي في الشرق الأوسط.
الوسيط الروسي مرحَّب به
وقال ألكسندر كريلوف، المتخصص بالشؤون الخارجية في جامعة مغيمو الروسية: “إن دور الوساطة الروسي يلقى ترحيباً كبيراً في المنطقة، وهذا الدور مرشح لأن يتعزز” في حال تفاقم النزاع بين إسرائيل وإيران.
وتابع كريلوف أن الدور الروسي يزداد أهميةً؛ “بسبب العلاقات الجيدة التي تقيمها روسيا مع لاعبين، ترفض قوى أساسية التحادث معهم، مثل حماس وحزب الله وإيران والأكراد..”.
وتحولت موسكو بذلك إلى وسيط بين إسرائيل وإيران اللتين تقيمان علاقة عداوة منذ عقود.
وعشية وقوع الضربات الأخيرة، استقبل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأربعاء 9 مايو/أيار 2018، في موسكو رئيسَ الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، للمرة الثانية منذ مطلع السنة الحالية.
وأعلنت موسكو أن سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، كان في طهران الخميس 10 مايو/أيار 2018؛ لمناقشة تداعيات القرار الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. وأوضحت موسكو أن البلدين سيقيمان “تعاوناً وثيقاً” بشأن هذا الملف.
“علاقات ثقة”
وفي مؤتمر صحفي عقده بموسكو، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن موسكو حذَّرت كل الأطراف من “مغبَّة القيام بأي عمل يشكل استفزازاً”.
واعتبر الخبير الجيوسياسي فيودور لوكيانوف، الخميس 10 مايو/أيار 2018، أن اللقاء بين نتنياهو وبوتين، عشية الضربات، “يؤكد أن روسيا قادرة على لعب دور أساسي”، مضيفاً: “بإمكان موسكو، في هذا الإطار، استخدام علاقات الثقة التي تقيمها مع البلدين لمساعدتهما على التواصل وتجنُّب تجاوز المواجهة حدوداً معينة”.
وأضاف لوكيانوف أنه إذا كانت روسيا تَعتبر الهواجس الأمنية لإسرائيل “مشروعة”، فإنها تعتبر أيضاً أن إيران “شريك لا غنى عنه بالنسبة إلى ملفات عدة، خصوصاً الملف السوري”.
وبدأت العلاقات بين روسيا وإيران بالتحسن مع انتهاء الحرب الباردة. وفي الوقت الذي كان المجتمع الدولي ينظر إلى إيران على أنها دولة منبوذة، أقامت روسيا علاقة معها منذ منتصف التسعينيات، وعملت على استئناف تنفيذ عقد بناء مفاعل بوشهر النووي في جنوب إيران بعد أن تخلَّت عنه ألمانيا.
استحالة الجلوس على طاولة واحدة
بالنسبة إلى سوريا، تُعتبر إيران وروسيا، دولتين داعمتين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وبالتعاون مع تركيا، تشكل هذه البلدان الثلاثة رافعة لمحادثات أستانا، التي أتاحت خفض التوتر العسكري في سوريا العام الماضي (2017)، من دون التوصل إلى تقدم بشأن التسوية السياسية.
ويرى الخبير مالاشينكو أن روسيا ستبذل كل ما في وسعها للإبقاء على علاقات جيدة مع إسرائيل وإيران، خصوصاً أن الضربات الإسرائيلية “لا تهدِّد على الإطلاق” الدور الروسي في سوريا.
إلا أن هذا الخبير يقول محذِّراً إن لهذه الاستراتيجية حدودها. وقال: “مهما حسُنت النيات فإن أحداً لن يستطيع حالياً جمع إيران وإسرائيل على طاولة واحدة”.
كما قال لوكيانوف بهذا الصدد: “في حال عملت إسرائيل على التصدي للدور الروسي المهيمن في سوريا، فإن موسكو لا بد من أن تتخذ موقفاً” إزاء هذا الأمر.
وأضاف: “إلا أن احتمال حدوث هذا الأمر يبقى ضعيفاً؛ لأن إسرائيل تعرف أن روسيا هي التي تضع شروط اللعبة في سوريا”.