وزير الجيش الإسرائيلي يتباهى بقتل إيرانيين ويهدد زعماء طهران وبتحويل سوريا إلى “فيتنام إيرانية”
خلقت سلسلة من التصريحات والبيانات والتوجيهات لوسائل الإعلام، التي لم تنسق مع الجيش الإسرائيلي، في الفترة الأخيرة، توتراً بين وزير الدفاع نفتالي بينيت وضباط كبار في الجيش وفي جهاز الأمن بشكل عام. وقد سمع جهاز الأمن في عدد من الحالات عن أقوال الوزير قبل فترة قصيرة من نشرها. وفي حالات أخرى فاجأت هذه البيانات هؤلاء الضباط دون استعداد مسبق. وإن هذه التصريحات -حسب تقديرات عدد منهم- يمكن أن تتسبب بضرر أمني. واعتبر بينيت هذه التصريحات التي حول “تغيير قواعد اللعب” استخفافاً بالجيش والشاباك، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
وعقد مؤخراً في مقر وزارة الدفاع بتل أبيب لقاء ناقش فيه ضباط كبار في الجيش وفي جهاز الأمن تصريحات الوزير العلنية التي شملت تهديدات لحياة زعماء إيران والدفع قدماً بالبناء اليهودي في الخليل وتصريحات عن تغيير قواعد اللعب مع حماس والجهاد الإسلامي. وأثير في النقاش السؤال: كيف سيتم التعامل مع تصريحات بينيت التي اعتبر المشاركون عدداً منها عديمة المسؤولية من ناحية أمنية. لقد اعتقد عدد من المشاركين في اللقاء أن التصريحات استهدفت التقليل من أهمية العمل الأمني لقادة كبار سابقين مثل رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت.
في مناسبات كثيرة في السابق انتقد بينيت السياسة المتبعة تجاه غزة، التي لم تكن متشددة بما فيه الكفاية، حسب رأيه. وأراد قادة كبار في جهاز الأمن وضع هذه الأقوال خلفهم من أجل أن لا يتصادموا مع الوزير الجديد، وأملوا مع مرور الوقت أن يتوقف عن تصريحاته غير المنسقة معهم. ولكن استمرت مفاجأتهم من أقواله وتصريحاته التي كانت أحياناً متناقضة مع موقف جهاز الأمن.
تولى بينيت منصبه في 12 تشرين الثاني الماضي، في اليوم الذي بدأت فيه عملية “الحزام الأسود” في قطاع غزة، عند تصفية بهاء أبو العطا. في اليوم الأول من جولة القتال التي جرت في القطاع تم إطلاق مئات القذائف نحو إسرائيل. في الصباح أعلن بينيت لوسائل الإعلام بأن “بهاء أبو العطا الذي كان مهندس إرهاب الجهاد الإسلامي، وعمل ضد مواطني إسرائيل، تمت تصفيته. لقد فعلنا ذلك ولن نتردد في فعل ذلك أيضاً في المستقبل”.
في الصباح نفسه أضاف: “في هذا الصباح، نرسل رسالة واضحة لجميع أعدائنا، في جميع الساحات. فمن يخطط للمس بنا في وضح النهار لن يأمن بأن يمر عليه ليل. لقد كنتم وستبقون في مرمى الهدف”. وبعد أربع ساعات، بعد أقل من 24 ساعة لتولي منصبه الجديد، نشر بينيت تصريحاً آخر، هذه المرة وبتوجيهاته، قال إن “قوات الأمن الإسرائيلية ستصطاد أي إرهابي إلى أن يصبح أولادنا في أمان ومحميين”.
بعد ثلاث ساعات، نشر بينيت تصريحاً لوسائل الإعلام، ظهر في فيلم قصير هذه المرة إلى جانب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، حيث خلفه قيادة فرقة غزة: “نحن في اليوم الثاني ن المعركة في غزة”، قال بينيت وأضاف: “الإنجازات جيدة. لأن مهندس إرهاب الجهاد الإسلامي تمت تصفيته، وأحدثنا ردعاً”.
وبعد يوم من ذلك، توجه بينيت إلى تلخيص عملية “الحزام الأسود”. في نهاية تقدير الوضع مع كبار ضباط الجيش وجهاز الأمن في مقر وزارة الدفاع، أعلن الوزير لوسائل الإعلام بأن “نحو عشرين مخرباً تمت تصفيتهم في الـ 48 ساعة الأخيرة”. وقال أيضاً إن “قواعد اللعب الجديدة واضحة”. وخلافاً للسابق أعلن أن “الجيش سيعمل هذه المرة بكامل الحرية دون أي قيود”.
بعد العملية، في احتفال أنخاب توليه لمنصبه قال الوزير لأعضاء هيئة الأركان العامة: “أعتمد عليك يا رئيس الأركان، وعليكم يا أعضاء هيئة قيادة الأركان وقادة الجيش الإسرائيلي، بصورة مطلقة. أعتقد أن مستوى الجيش الإسرائيلي وهيئة قيادة الأركان عال جداً. الانطباع عنكم أنكم متنبهون. ولم أر واحداً حضر ولديه علامات تعجب”. رئيس الأركان، الجنرال افيف كوخافي رد بأدب: “نحن مسرورون باستقبالك في اجتماع هيئة الأركان. أعضاء هيئة الأركان هم أشخاص مهنيون من الدرجة الأولى ولديهم تجربة عملية كبيرة، وأعتمد عليهم بصورة مطلقة، وعلى جميع قادة الجيش أيضاً”.
وبعد يوم على رفع الأنخاب تم إطلاق قذائف نحو هضبة الجولان من الأراضي السورية. وأعلن بينيت في الصباح الباكر أنه في أعقاب إطلاق النار “ستجري مشاورة أمنية مع رئيس الأركان، الجنرال افيف كوخافي، ومع كبار قادة جهاز الأمن في الكرياه في تل أبيب”. في اليوم نفسه أنهى الوزير وظيفة زئيف تسوك – رام، رئيس سلطة الطوارئ الوطنية، وعين مكانه نائب مدير عام لوزارة الدفاع، العميد احتياط روني مورنو.
أقوال متبجحة لا داعي لها
تفاقم التوتر بين كبار القادة في جهاز الأمن وبينيت بسبب سلوكه الإعلامي في 20 تشرين الثاني بعد موجة الهجمات، وذلك رداً على إطلاق القذائف من سوريا نحو إسرائيل. “تغيرت القواعد”، قال الوزير مرة أخرى، “من يطلق النار على دولة إسرائيل في وضح النهار لن ينام الليل. هذا ما حدث الأسبوع الماضي وهذا الأسبوع أيضاً. الرسالة الموجهة لزعماء إيران واضحة: لم تعودوا محصنين”.
لم ترق لجهاز الأمن أقواله حول قواعد اللعب التي تغيرت. ومنذ اليوم سيتم ضرب الإيرانيين ومهاجمة أهداف سورية، ولكن اللحظة المهمة التي أثارت استياء قيادة جهاز الأمن، كانت عند إجراء محادثة لشخصية أمنية كبيرة مع مراسلين، قيل فيها ” اعتدنا على أن إسرائيل لا ترد في المنطقة الشمالية في حالات معينة جرت مهاجمتها فيها”. وأضاف هذا المصدر: “هذه المرة هاجمنا أهدافاً إيرانية”.
نسبت وسائل الإعلام إلى هذا المصدر أيضاً اقتباساً حول قتل إيرانيين في سوريا: “لقد أوضحنا للإيرانيين بأن لنا القوة رد شديدة”، قال، وأضاف: “نعرف أن لديهم مصابين، وقتلى أيضاً على ما يبدو”. يعتقد جهاز الأمن أن من يقف من وراء هذه الاقتباسات هو بينيت نفسه. اعتبرت أقوال الوزير في جهاز الأمن أقوالاً متبجحة زائدة. “هم يعرفون من مات لهم في كل مرة هاجمناهم فيها. ولا يوجد سبب للتلويح بذلك”، قال مصدر مطلع للصحيفة.
في نهاية الشهر الماضي، تطرق الوزير لموضوع إيران مرة أخرى. هذه المرة في أعقاب المظاهرات التي جرت في الجمهورية الإسلامية. وقد طلب بينيت من خبراء تكنولوجيا من أرجاء العالم العمل معاً لربط إيران مرة أخرى بشبكة الإنترنت.
لقد عاد إلى سابق عهده
في بداية الشهر الحالي حدث توتر مرة أخرى عندما أعلن الوزير في بيان لوسائل الإعلام بأنه “صادق على بدء خطة لإقامة حي يهودي آخر في موقع سوق الجملة في الخليل”. وقال جهاز الأمن إن الموضوع طرح في نقاش عادي قبل أسبوع، وكانت هناك معارضة لهذه الخطوة التي يمكن أن تشعل الأرض.
في اليوم التالي أعلن بينيت عن سلاح جديد أدخله إلى المعركة وهو “ملاحقة اقتصادية جديدة لنشطاء الإرهاب”. وحسب قوله: “للمرة الأولى، استخدم وزير الدفاع نفتالي بينيت أمر تقييد اقتصادي ضد أعضاء منظمات إرهابية في البلاد والعالم. وللمرة الأولى تستخدم دولة إسرائيل أدوات اقتصادية شخصية ضد نشطاء إرهاب في العالم”، وذلك رغم أن ضباطاً كباراً في الجيش قالوا إن لدى الاستخبارات العسكرية جهات تعمل على هذا الموضوع منذ سنوات، وأن هناك عقوبات تفرض بطرق مختلفة وبمساعدة جهات دولية.
يبدو أن ذروة التوتر وصلت في الأسابيع الأخيرة إلى وضع فهم فيه بينيت الإشارة وقلص تصريحاته بشكل كبير لوسائل الإعلام، وحتى أمس عندما عاد لتهديد إيران وأعلن بأن “سوريا ستتحول إلى فيتنام خاصتكم”. أما بخصوص قطاع غزة، حسب أقوال الوزير، فقد فهم هناك معادلته الجديدة التي تقول: “سيفهم أعداؤنا أن لا يطلقوا النار على اليهود”.