وثائق تكشف طرق إسرائيل لمنع فلسطينيي 48 من العودة إلى ديارهم
ألغت إسرائيل الحكم العسكري على مواطني الدولة العرب بعد أن تأكدت من عدم استطاعتهم العودة إلى قراهم التي طردوا منها أو تركوها ـ هذا ما يتبين من الوثائق التاريخية التي ترفض الدولة نشرها حتى الآن. الوثائق التي صيغت قبيل إلغاء الحكم العسكري في 1966 تكشف الاعتبارات التي كانت تقف من وراء فرضه والاعتبارات التي رافقت رفع القيود الشديدة التي فرضت في حينه على عرب المثلث وشمال النقب. الوثائق تنشر في أعقاب نضال قام به معهد الأبحاث «عكفوت» ضد أرشيف الدولة، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
بعد انتهاء حرب الاستقلال فرض الحكم العسكري على معظم العرب من مواطني الدولة ـ المثلث والنقب والشمال، في منطقة الجليل (حسب معهد عكفوت فرض على 58 في المئة منهم)، أخضع الحكم العسكري العرب الذين كانوا يعيشون في هذه المنطقة لسلطة القائد العسكري الذي كان يمكنه تقييد حركتهم والإعلان عن مناطقهم بأنها مناطق مغلقة، أو السماح لهم بالخروج منها والدخول إليها فقط بتصريح مكتوب من الحكم العسكري.
من الوثائق التي نشرت الآن تتبين الطرق التي استخدمتها إسرائيل لمنع المواطنين العرب من العودة إلى قراهم التي تركوها في 1948 بعد رفع القيود عنهم، وفي المقام الأول غرس كثيف للأشجار حول القرى وداخلها. في النقاش الذي جرى في 1965 في مكتب مستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية، شموئيل طوليدانو، نوقش موضوع القرى المتروكة في العام 1948. وحسب الوثيقة كانت مغلقة أمام الدخول إليها بالأساس بسبب الرغبة في منع إعادة توطينها من جديد. وهذه القرى تضمنت جبتية، والدامون، وميعار، وكتاير، وغيرها.
من الوثيقة يتضح أنه من أجل منع إعادة توطينها، أمرت إسرائيل بتحريج هذه القرى. الكيرن كييمت زرعت فيها أشجاراً بل ووصفت بـ «الأحراش ما زالت صغيرة وغير متكاثفة». في الوثيقة كتب أن «الأراضي التي كانت تعود للقرى المذكورة أعطيت إلى القيم العام على أملاك الغائبين وفي معظمها تم تأجيرها للعمل (الفلاحة وكروم الزيتون) للمستوطنات اليهودية. وفي جزء منها أعطي كتعويض لغائبين قدموا دعاوى وحتى تم تحويلها إلى إيجار من الباطن». في النقاش تم التوضيح بأنه «بعد هدم المباني وتقسيم الأراضي بمربعات ثابتة، تحريج وإشراف، لم يعد هناك ما يمنع فتحها».
في 3 أبريل 1966 جرى نقاش آخر في جلسة خلصت إلى ملاحظات ما زالت مصنفة سرية جداً في مكتب وزير الدفاع بمشاركة طوليدانو، مساعد رئيس الحكومة آيسر هرئيل، النائب العسكري الأول الذي كان في يوم ما رئيس المحكمة العليا، مئير شمغار، وممثل عن الشباك والشرطة. في تلك المذكرات تم التأكيد على أن الشاباك جاهز لرفع الحكم العسكري وأن الشرطة والجيش سيكونان مستعدين لذلك خلال فترة قصيرة. كما اتفق أيضاً أنه في الشمال «كل المناطق التي أغلقت في حينه لأسباب تتعلق بالأراضي باستثناء شعب التي سيتم فتحها بعد أن تتحقق بخصوصها شروط معروفة مثل هدم المباني في القرى المهجورة، وتحريج، والإعلان عن محميات طبيعية، تسييج وحراسة. مواعيد فتحها سيقوم بإعطائها الجنرال شمير، بالنسبة لشعب يجري هرئيل وطوليدانوا مع الجنرال شمير». في منطقة الحكم العسكري «الوسطى والنقب» اتفق على أن «يبقى الحكم العسكري ضمن إطاره الحالي» باستثناء عدد من النقاط.
من الوثائق يتبين أنه قبل وقت قصير جداً من إلغاء الحكم العسكري عارضت جهات كبيرة في الجيش منها رئيس الأركان تسفي تسور والمدعي العسكري العام الذي كان فيما بعد رئيس المحكمة العليا، مئير شمغار، هذه العملية. هكذا في مارس 1963 صاغ المدعي العسكري العام في حينه شمغار كراسة تتعلق بالأساس القانوني للحكم العسكري. شمغار الذي وقع على الكراسة باسمه السابق شترنبرغ طبع ثلاثين نسخة فقط من الكراسة التي تفصل ما يتعلق بتعليمات الدفاع التي مكنت من قيام الحكم العسكري وكذلك «القيمة الفعلية للوائح المذكورة والهدف الذي يخدمه استخدامها الفعلي». استهدفت الكراسة تفسير سبب فرض إسرائيل الحكم العسكري على مئات الآلاف من مواطنيها.
من بين أمور أخرى تم التأكيد في الكراسة على أن اللائحة 125 تمكن من إغلاق مناطق مخصصة لـ «منع دخول واستيطان أبناء الأقليات في المناطق الحدودية» وأن «المناطق الحدودية التي يسكنها أبناء أقليات تشكل خشبة قفز طبيعية وسهلة لجهات معادية خلف الحدود. إن اشتراط الحركة بتصريح هو الذي يثقل على المتسللين إلى باقي البلاد». حظر التجول حسب اللائحة 124 يتم تبريره كـ «ضروري من أجل أن يسمح في وقت الضرورة بالقيام بدون تشويش بكمائن ليلية داخل مناطق مأهولة ضد المتسللين». إغلاق الحركة في الشوارع يتم تبريرها كضرورية لـ «أغراض التدريب، التجارب أو المناورات». والرقابة كـ «وسيلة ضرورية لنشاطات الاستخبارات الوقائية».
رغم قناعة شمغار الداخلية بهذه الرسالة، في تلك السنة نفسها ألغى رئيس الحكومة ليفي اشكول إلزامية حمل تصاريح حركة شخصية كواجب عام. بعد أسبوعين على هذا القرار، في 1963 أرسل رئيس الأركان تسور رسالة بشأن تنفيذ هذا التوجيه لقادة المناطق وأعضاء آخرين في هيئة الأركان العامة من بينهم رئيس الاستخبارات العسكرية. تحت تصنيف «سري» أمر تسور بتطبيق التوجيه تقريباً في كل القرى. باستثناء البعض الذي ذكر بصورة صريحة، منها برطعة والمقيبلة.
في 1965 أرسل مساعد وزير الدفاع حاييم يسرائيلي إلى مستشاري رئيس الحكومة افيعاد يافي وهرئيل، وكذلك لرئيس الشاباك، بأن رئيس الأركان اسحق رابين يعارض مشروع القانون الذي قدمه أعضاء الكنيست طوبي وميكونس لإلغاء الحكم العسكري. «موقف رئيس الأركان بشأن هذا الموضوع تم إيضاحه في النقاش لدى وزير الدفاع: هو يعارض القانون، وإن كان يوافق على عدد من التسهيلات التي تمت مناقشتها لدى الوزير. وقد قيل لرئيس الأركان بأنه ألقى على السيد هرئيل مهمة تقديم توصيات في هذا الشأن وهو يفترض أنه في حالة كانت هذه التوصيات مختلفة عن الإجمالي الذي تم التوصل إليه في حينه، بالتأكيد سيتم إجراء نقاش حول ذلك. حتى التوصل إلى إجمال النقاش يبدو أنه يفضل استخدام الحق في تأجيل النقاش في (مشروع القانون) الذي تشير إليه سكرتارية الحكومة.
في 27 فبراير 1966 أرسل هرئيل إلى الشاباك والشرطة والجيش تعليمات بشأن قرار رئيس الحكومة إلغاء الحكم العسكري. مجمل النقاش المصنف بـ «سري جداً» يبدأ بالقول إن «جهاز الحكم العسكري سيلغى. الجيش الإسرائيلي يضمن الشروط المطلوبة لإنشاء حكم عسكري في حالة طوارئ وحرب». مع ذلك، جاء أن «أحكام الدفاع تبقى سارية المفعول. وحسب طلب رئيس الحكومة سيتم الفحص مع وزير العدل إمكانية إدخال تعديلات على الأحكام أو على القانون الإسرائيلي».
مدير معهد «عكفوت»، ليئور يفنه، قال للصحيفة إن الوثائق نشرت بعد نضال طويل ضد الأرشيف الذي كان غير معني بكشفها. «بعد سنتين من النضال ضد أرشيف الدولة نجحنا في كشف الملف أمام الجمهور رغم أنه ليس فيه أي معلومات حساسة من ناحية أمنية أو غيرها. حتى بعد فتحه فإن أرشيف الدولة لا يسمح حتى الآن بوصول الجمهور إلى هذا الملف عبر موقع الإنترنت. والآن نضع هذا الملف ووثائقه في موقعنا. وفي أرشيف الحكومة ما زالت هناك مئات آلاف الملفات مغلقة وهي ذات أهمية حاسمة في فهم التاريخ الحديث للدولة والمجتمع في إسرائيل. معهد عكفوت يواصل النضال من أجل توسيع مجال وصول الجمهور إلى الوثائق التي في الأرشيف، وذلك التوثيق الذي هو ملك للجمهور.