واشنطن بوست: كورونا منح الحرس الثوري فرصة السيطرة على إيران بل واختراع جهاز لقتل الفيروس
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمراسليها جون واريك، وإريك كاننغهام، عن استفادة الحرس الثوري الإيراني من وباء كورونا، وتعزيز سيطرته على مفاصل الدولة الإيرانية.
وبدأ التقرير: “في الأسبوع الماضي ظهر جنرال إيراني قوي على قناة التلفزة التي تديرها الدولة ليقدم زعما مثيرا: وحدة النخبة العسكرية، الحرس الثوري لديها جهاز يمكنه اكتشاف فيروس كورونا من على بعد 100 متر”، وقدم الجنرال حسين سلامي الجهاز “مستعان” وهو أداة محمولة يشبه لاقطا فضائيا.
وقال الجنرال إن الجهاز “لديه نسبة نجاح بـ80% ويمكن استخدامه لإنهاء مشكلة البلاد التي تسبب بها فيروس كورونا” ووصف الجهاز بأنه “ظاهرة علمية مدهشة”.
وقلل الخبراء الطبيون من صحة مزاعم الجنرال الذي أصبح مثار سخرية على منصات التواصل الإجتماعي. ولكن الرسالة التي كان يريد سلامي من عرضه المسرحي والتي كان المعسكر المتشدد راغبا في نقلها للإيرانيين خلال الأسابيع الماضية، هي أن الحرس الثوري هو حارس الأمة في وقت الشدائد والوباء، وهو الذي يوفر الدواء والعلاج والعيادات والإغاثة وفي بعض الأحيان أدوية، حتى لو كانت نجاعاتها محل نظر.
وكانت إيران من بين الدول التي ضربها وباء كورونا المستجد، حيث وصلت الأرقام الرسمية للوفيات إلى أكثر من 5 آلاف شخص، في وقت شكك فيه خبراء في صحة الأرقام التي نشرتها الحكومة، وأن عدد الضحايا أكبر.
وفي الوقت الذي يواصل فيه الفيروس ضرب البلاد طولا وعرضا، ويعيث باقتصادها، وجد الحرس الثوري وبالضرورة المعسكر المتشدد، فرصا لتوسيع قاعدتهم القوية أصلا وقمع أي شكل من أشكال السخط العام.
ويرى دبلوماسيون غربيون ومحللون إيرانيون، أن التحركات لتوطيد السلطة تأتي بعد سلسلة من الأزمات، بما فيها إسقاط الطائرة الأوكرانية والتي أثّرت على سمعة الحرس الثوري، وجعلته في موقع الدفاع عن النفس.
إلا أن الحرس الثوري وبمباركة من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، فقد أخذ الجيش والحرس الثوري وقوات الباسيج بتولي قيادة رد الدولة على الفيروس، بما في ذلك إنشاء مستشفيات جديدة وفرض الحجر العام.
ويقول المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون، إن محاولة الأجهزة الأمنية الحصول على السيادة وسط الأزمة، تهدف في جزء منها لتشويه سمعة الرئيس حسن روحاني، الذي يتهم التيار المتشدد حكومته بإفشال المحاولة الأولى للرد على الفيروس.
وتعلق الصحيفة أن تحرك الحرس الثوري الجديد قد يترك إيران تحت وطأة عناصر معادية للغرب وتدعو للمواجهة مع أعدائه بمن فيهم الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويرى كريم ساجدبور، الزميل البارز في وقفية كارنيغي للسلام العالمي، أن أزمة “كوفيد-19 سرّعت من توجه بدأ قبل فترة طويلة وهو تحول إيران من أوتوقراطية دينية إلى أوتوقراطية عسكرية”. وأضاف: “لا أحد يستطيع قول لا للحرس الثوري هذه الأيام”. وتأتي لعبة الحرس في وقت تواجه قوة النخبة نفسها ضغوطا مالية وغيرها.
وقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني بغارة أمريكية في مايو ويناير الماضي، وانتشر الفيروس بشكل واسع داخل صفوفه، وقتل عددا من قادته وجنوده.
ويقول مسؤولون أمنيون أمريكيون وغربيون، إن الضرر الاقتصادي الذي تسبب به الوباء كان بمثابة ضربة قوية. ويعاني الاقتصاد الإيراني من آثار العقوبات الأمريكية بالإضافة لتداعيات الفيروس. وفي الشهر الماضي تقدمت الحكومة الإيرانية بطلب مساعدة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي من أجل مواجهة الفيروس.
وهو طلب قوبل بتهديد مباشر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنع الصندوق من تمرير المساعدة. وقال وزير الشؤون الإقتصادية والمالية إن إيران قد تخسر 15% من مجمل الناتج العام بسبب الوباء. وتأثرت الصناعات التي يديرها الحرس الثوري في صناعة السيارات والنفط أيضا، فيما ترك نقص المال أثره على علاقات الحرس الثوري بالجماعات الموالية له في لبنان والعراق وسوريا واليمن. ويحصل الحرس على معظم موارده المالية من النفط المهرب عبر السوق السوداء في تحد للعقوبات الأمريكية.
وينهار الاقتصاد الإيراني بسرعة نظرا لهبوط أسعار النفط وسوء الإدارة والقيود التي فرضتها واشنطن على التجارة. وتوقع صندوق النقد الدولي في أكتوبر انكماشا اقتصاديا في إيران بنسبة 9% هذا العام.
وجاء انتشار الفيروس على مستوى العالم لزيادة انهيار النفط من خلال انهياره أسعاره في السوق العالمي. ونتيجة لهذا أُجبر الحرس الثوري وفرع العمليات الخارجية، فيلق القدس، على وقف أو الحد من بعض نشاطاته، بما في ذلك سوريا التي ساعدت ميليشياته هناك بشار الأسد في الحفاظ على نظامه.
ونُشرت على منصات التواصل الاجتماعي صور للجنود الذين أعيد نشرهم في المصانع لتجهيز الأقنعة والملابس الواقية، بل وطلب الحرس الثوري من الميليشيات الوكيلة عنه تقديم المساعدة المالية، حسبما قال مسؤولون أمريكيون وأوروبيون.
وعبّرت بعض الميليشيات عن حنقها من الظروف الجديدة. وقال مسؤول أمني أوروبي: “لم يعد لديهم ما يقدمونه” و”طُلب من الميليشيات في لبنان والدول الأخرى تنظيم حملات جمع تبرعات وإرسال المال إلى البنى الأمنية الإيرانية”.
ومع تراجع موارد النفط، أخذ قادة الحرس بالبحث عن طرق جديدة لتحصيل المال. وقال محلل في الشؤون الإيرانية يقيم في أوروبا: “لقد زادوا من جهود التهريب وغير ذلك من النشاطات غير الشرعية للحصول على المال”.
وأضاف: “تعرضت إيران للكثير من الضغوط بسبب العقوبات، ثم جاءت أسعار النفط وكوفيد-19 اللذان ضربا البلاد بشدة”.
وفي داخل إيران، فتح الوباء فرصا جديدة لقوات الباسيج التي يبلغ عدد أفرادها 90 ألف مسلح، وعادة ما ينشرون كقوات ردع وصدمة، إلا أن الحرس نشرهم هذه المرة لبناء المراكز الصحية وفرض الحجر العام.
ونشر الحرس في الفترة الأخيرة صورا للجنود والباسيج وهم يفحصون الناس ويطهرون الأماكن العامة ويقيمون مراكز صحية. وأقر المسؤولون في طهران الشهر الماضي ميزانيات دفاع ونفقات على فرض القانون بما فيها ميزانيات مخصصة للحرس الثوري ومتطوعي الباسيج.
ويقول هنري روم المحلل في مجموعة يوريشيا: “من المحتمل أن تذهب بعض الأموال إلى مواجهة الوباء مثل إنشاء مراكز صحية مؤقتة” و”لكن زيادة النفقات التي تترافق مع الهجمات الأخيرة على القوات الأمريكية في العراق ترسل رسالة قوية إلى الولايات المتحدة وغيرها، وهي أن إيران لن تتخلى عن القمع في الداخل والتدخل في الخارج رغم الأزمة الصحية الحادة”.
وكلف خامنئي في الأسبوع الماضي الحرس الثوري بمهمة جديدة وهي توزيع المساعدات على المواطنين. وافتتح سلامي مركز “إمام حسن” في حفل يوم الثلاثاء الماضي، قائلا إن الحرس والباسيج سيقومان بتوزيع رزم المساعدات على 3.5 مليون نسمة.
وقال حسب وكالة أنباء مهر: “قدراتنا المتزايدة تظهر تميزا مبهرا مقارنة مع الدول المتطورة”. وكشف سلامي عن جهاز الكشف عن الفيروس بمناسبة أخرى بحضور قادة من الباسيج.
وقال متحدث باسمهم، إن الجهاز اخترعه عناصر من الباسيج وقادر على الكشف عن الفيروس من على بعد 100 متر، وبمدة لا تزيد عن خمس ثوانٍ.
وبعد كشف سلامي عن الجهاز، أصدرت وزارة الصحة والتعليم الطبي، بيانا قالت فيه إن مستعان لم يتم فحصه أو الموافقة عليه.
ويقول سعيد غولكار، من جامعة تينيسي في تشتانوغا إن أحداثا كهذه تكشف عن تعامل الحرس الثوري مع الفيروس كتهديد يحتاج لحل سحري. ولم يستبعد إمكانية حدوث حالة عدم استقرار في البلاد و”اكتشفوا أنهم بحاجة لتعزيز موقفهم خاصة بين الطبقات المتدنية والفقيرة والتي خسر أفرادها أعمالهم”.