“واشنطن بوست”: تصاعد شعبية ترامب.. ونتنياهو: “حل الدولتين” أشبه بساعة معطّلة
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” هذا الأسبوع استطلاعاً جديداً: رضى الجمهور الأمريكي عن الرئيس ترامب في تصاعد. 47 %من الناخبين الأمريكيين راضون عن الشكل الذي يؤدي فيه مهامه، مقابل 42 % كانوا راضين في الاستطلاع في شهر نيسان. وما كان بوسع محرري “واشنطن بوست” أن يخفوا خيبة أملهم من الاستطلاع وعزوا الشعبية النسبية لترامب إلى ازدهار اقتصاد الدولة.
الشعبية المتعززة لترامب، بمعدلات لا يمكن لنتنياهو إلا أن يحلم بها، هي تحصيل حاصل للانشغال المهووس من جانب الرأي العام الليبرالي بـ”ترامب المجرم والخائن”. خائن بسبب العلاقات المحظورة مع الكرملين، المجرم بسبب التملص من الضريبة وتشويش التحقيق.
غير أن هذه الاتهامات لم تثبت بما لا يرتقي إليه الشك ولا تضر بترامب، سياسياً على الأقل. فكلما اندفع الحزب الديمقراطي إلى اتجاه اليسار الجديد الراديكالي، وشدد الهجوم الشخصي عليه، فإنه يفقد جماهير انتخابية متزايدة. بضع عشرات آلاف النشطاء الذين ينضجون في عصيرهم ذاته لا يخلقون إلا وهم الانعطافة، والتحول، والثورة.
وحسب الاستطلاع إياه، فإن مرشحاً ديمقراطياً يعتبره الناخبون “اشتراكياً” سيخسر بقوة أمام ترامب. على أي حال، إن الفوارق بينه وبين المتنافسين الاثنين من اليسار على ترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية بعد نحو سنة وربع، السناتورين بيرني ساندرز واليزابيث وورن، تقلصت منذ الآن إلى الخطأ الإحصائي. واصلوا هكذا وستجلبون مصيبة في شكل إعادة انتخاب ترامب.
ومن ترامب إلى بيبي. لنتنياهو مزايا سلبية لا تحصى، من التزلف وحتى ادعاء الضحية واستخدام العنصرية، وكرئيس وزراء منذ عقد طور صفر الفعل لديه إلى درجة الفن السلطوي. ولكنه ليس دكتاتوراً متعطشاً للدماء يطغى على رعاياه الخائفين ويعمل على إلغاء سلطة القانون – والجهد الدعائي لعرضه هكذا سيفشل في صناديق الاقتراع.
“الشيطنة” (من كلمة شيطان) لنتنياهو تدحر معارضي نتنياهو السياسيين إلى زاوية ظلماء من حرب السيماء. فليس فكره وأفكاره هي ما يهاجمون – مع أن بعضهم يتبناها بنصف فم – بل شخصيته وأبناء بيته. فما هي الرسالة للمواطن المتردد حين يعلن حزب معارض مسبقاً بأنه سيعانق بحرارة خصمه السياسي، شريطة أن يقطع الأخير رأس زعيمه الحالي ويستبدل به آخر. لا يهم من، فقط لا لهذا “الشيطان”.
في أثناء ولاية نتنياهو الأولى وصفه واحد من المفكرين البارزين في البلاد باللقب المشكوك فيه “تشاوشسكو الإسرائيلي”، الطاغية القامع بيد من حديد لبلاده. لم يكن التشبيه، في نظرة إلى الوراء، صائباً على نحو خاص.
فقد أنهى نتنياهو ولاية غير كاملة كرئيس للوزراء بسبب المفاوضات مع عرفات، دون اضطرابات ودون وضع الديمقراطية قيد الاختبار. خسر في الانتخابات لرئيس الأركان السابق ايهود باراك وانسحب لفترة من الزمن من السياسة. اليوم أيضاً نجد أن محاولات المعارضة تقديم نتنياهو كدافن للديمقراطية الإسرائيلية غير مقنعة كونها لا تستند إلى حقائق معروفة. يمكن، بل وحتى مؤكد، أن بيبي كان يود في أعماقه أن يتمتع بحصانة مطلقة وقدرة على الاستخفاف بقرارات المحكمة العليا؛ الناخبون لا يفحصون القلب والكلى ولا تهمهم النوايا الخفية.
باراك في 1999، مثل اسحق رابين قبله وقادة “كديما” بعده، طرحوا بديلاً سياسياً لليكود. باراك وعد بالخروج السريع من لبنان وباستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. شارون ومن حل محله في رئاسة “كديما” وعدوا بمواصلة الانسحابات وبالسعي إلى “إنهاء الاحتلال الذي هو سيئ لإسرائيل”، على حد قول شارون. فأين البديل اليوم؟ الحديث غير المقنع عن “حل الدولتين” مثله كالساعة المتعطلة التي ترى في اليوم الساعة الصحيحة مرتين؛ ليس لأنها تتحرك على نحو صحيح، بل لأن الزمن يكرر نفسه. في مسائل الدين والدولة نجد أن المعارضة الليبرالية عندنا تهمس بالشعارات، وفي مسائل الميزانية تملأ فمها ماء حلواً.
إن انتخابات الكنيست ستجرى في أيلول القادم، ووضع الاستراتيجية السياسية يضغط على القوائم المتنافسة. وحزب يعرض على الناخبين خطة سياسية –اقتصادية –اجتماعية مصداقية لاستبدال الليكود في الحكم..كفيلٌ بأن ينتصر فيها. أما حزب يركز على بيبي وانتقاد “دولة نتنياهو”، فسيخسر في الانتخابات أو لن يتمكن من تشكيل حكومة أو – وهذه النتيجة الأكثر إشكالية – لن ينجح في التأثير على الاتجاه الذي تسير فيه إسرائيل.