هوليود تخلد قرية عروس السودان في فيلم سينمائي
كانت قرية عروس السياحية السودانية الواقعة على البحر الأحمر توصف بأنها جنة للغواصين ومركز رائع للترفيه. لكنها كانت في الواقع مسرحاً لإحدى أكثر عمليات جهاز الموساد الإسرائيلي جرأة، وألهمت منتجين في هوليوود لصنع فيلم سيعرض قريباً.
المخرج جدعون راف قرر تصوير فيلم عن القرية السودانية تحت عنوان «منتج الغوص على البحر الأحمر». وقد تم تصوير الفيلم في جنوب إفريقيا وناميبيا مع بن كينغسلي وهالي بينيت وكريس إيفانز.
قصة القرية بدأت أوائل الثمانينات حين كان منتجع قرية عروس في صحراء السودان مقصداً لمحبي قاع البحار والغوص، وكانت مياهه من أنقى مياه البحار في العالم، ومن أجمل الأمكنة لمراقبة الشعاب المرجانية في البحر الأحمر، بحسب منشورات دعائية وزعت في تلك الحقبة على آلاف شركات السياحة في العالم.
قصة الاستخبارات الإسرائيلية في القرية السودانية
يتذكر دانيال ليمور المسؤول عن «عملية الأخوة» للموساد الإسرائيلي أن «المنتجع كان يضمّ حوالي 15 منزلاً صغيراً».
ويضيف ليمور، وهو من عشاق الغوص أيضاً، أن «السلطات السودانية والسياح كانوا يعتقدون أن أوروبيين كانوا يديرون المنتجع بمساعدة موظفين محليين، بينما كان المنتجع في الحقيقة قاعدة للموساد»، جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي.
ويقول: «سقط علينا هذا المشروع من السماء. فقد بناه رجال أعمال إيطاليون في سبعينيات القرن الماضي، لكنهم هجروا المكان لعدم وجود بنية تحية من كهرباء وماء وطرق».
ولم يعلم أحد أن منتجع عروس كان قاعدة للموساد لتهريب سبعة آلاف إثيوبي من مخيمات اللاجئين الإثيوبيين في السودان إلى إسرائيل بين 1981 و1985.
أوفد رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن فرقة من الموساد في 1977 إلى الخرطوم بقيادة ناشط يهودي إثيوبي من أجل العمل على نقل اليهود الإثيوبيين أو الفلاشا الذين هاجروا إلى السودان مع مئات الآلاف من الإثيوبيين الآخرين بسبب الحرب الأهلية والمجاعة في بلادهم.
وبحث الموساد أربعة أعوام ليجد مكاناً مناسباً على الساحل السوداني، حتى تتمكن قطع البحرية الإسرائيلية من الاقتراب ونقل اليهود الإثيوبيين.
ويوضح ليمور أن «اليهود الإثيوبيين المعزولين لقرون في إثيوبيا غادروا بلادهم هاربين من البؤس والاضطهاد عبر طريق طويل حتى السودان، متشبثين بحلم أرضهم المقدسة».
ويضيف ليمور الذي أصبح مستشاراً لسيناريو الفيلم الهوليودي الذي سيعرض على الشاشة الكبيرة في 2019: «تعرض اليهود الإثيوبيون للاعتداء والاغتصاب والسرقة. عانوا، ولقوا حتفهم في مخيمات للاجئين في السودان».
ويحكي كتاب «أحضروا لي يهود إثيوبيا» قصة تهريب اليهود من إثيوبيا عبر السودان إلى إسرائيل
كان للنشطاء الإثيوبيين الذين عملوا مع الموساد دور فعّال في إنجاز العملية واختيار اليهود الذين غادروا المخيمات إلى إسرائيل وسط أخطار كبيرة، لاسيما أن دولة السودان العربية في علاقة عداء مع إسرائيل.
يقول ميكي أخيهون، اليهودي الإثيوبي الذي عمل متطوعاً مع الموساد: «في ذلك الوقت، كنت طالباً في السودان وعمري 20 عاماً. كنا عيني وأذني وساقي الموساد».
ويتذكر ميكي أخيهون الذي أصبح فيما بعد ضابطاً برتبة لفتنانت في الجيش الإسرائيلي: «لم يكن هناك هاتف أو إنترنت، كنا نقوم بكل شيء سيراً على الأقدام. لم يكن لدينا عقد عمل مع الموساد ولم نحصل على رواتب، فعلنا ذلك من أجل شعبنا».
أما جاد شيمرون، أحد عملاء الموساد الذين عملوا في منتجع عروس، فيقول: «عندما كان يتجمع 100 أو 200 شخص من اللاجئين الإثيوبيين اليهود، كان أحد عملاء الموساد يأخذهم من مخيمات الصحراء في شاحنة إلى الساحل».
وجاد شيمرون هو مؤلف كتاب عن العملية تحت عنوان «أحضروا لي يهود إثيوبيا» باللغة العبرية. ويقول: «كان على قافلة الشاحنات المحملة بالإثيوبيين أن تسافر مسافة 700 كيلومتر، تتخللها نقاط تفتيش عسكرية وعمليات تفتيش للشرطة. كما
تعرضنا لكمائن قبل إرسال اللاجئين للانضمام إلى السفن الإسرائيلية التي كانت تنتظر في المياه الدولية».
ويضيف: «بالطبع، كنا نعرف أن هناك خطراً بأن ينتهي بنا المطاف في هذه العملية بالشنق».
ويروي: «في إحدى الليالي، قام الجيش السوداني الذي اعتقد بأننا تجار مهربون بإطلاق النار علينا عندما انطلق آخر قارب باللاجئين».
قام الإسرائيليون بتغيير تكتيكاتهم وغيروا طريقة النقل.
ويقول جاد شيمرون: «هبطت طائرات إسرائيلية وسط الصحراء في السودان، وما إن أغلقت أبواب الطائرات، وحلقت في السماء، حتى شعرت بالنشوة والسعادة. استغرقت الرحلة ثلاث ساعات من السودان إلى تل أبيب. كان كل شيء هادئاً بشكل لا يصدق».
ويضيف: «سافر اللاجئون الإثيوبيون اليهود بالطائرات من مخيماتهم بالصحراء دون المرور بمنتجع عروس». ويتابع: «بالنسبة للسياح، ظن كثيرون بأن هناك حركة تهريب من منتجع عروس» إلى موانئ أخرى في المنطقة.
وقد هاجر إلى إسرائيل أكثر من 100 ألف من اليهود الإثيوبيين منذ 1980
ولم يكتشف أحد الحياة المزدوجة للموظفين في المنتجع، كما تقول مديرة المنتجع سابقاً يولا، إحدى عميلات الموساد التي لم تشأ ذكر اسم عائلتها وعملت قبل تلك العملية مضيفة طيران، ثم عادت إلى عملها كمضيفة بعد انتهاء عملية الموساد.
وكانت يولا تود البقاء في منتجع عروس. وتقول لفرانس برس: «لم أكن أريد أن أعود، لقد أصبحت تلك العملية جزءاً من حياتي».
وتبتسم يولا وتتحرك تجعّدات شعرها الأشقر المنسدل على وجهها. وتتابع: «انتهت المغامرة في 1985، عندما تم استجواب أحد رجال الاتصال الإثيوبيين من الشرطة. كإجراء وقائي، قام الموساد بإخلاء القرية بشكل عاجل ووضع عملية سرية أخرى».
هاجر إلى إسرائيل أكثر من 100 ألف من اليهود الإثيوبيين منذ 1980 في عمليات عدة، تحمل أسماء «موسى» وقد نقل خلالها ثمانية آلاف إثيوبي إلى إسرائيل، و»سليمان» عام 1991 عندما نقل أكثر من 14 ألف يهودي إثيوبي خلال 36 ساعة.
بالنسبة للإثيوبيين، لم تكتمل فرحتهم بوصولهم إلى إسرائيل. فقد واجهوا تمييزاً، وكان الاندماج صعباً، بحسب ما يقول ميكي أخيهون.
وبعد 35 عاماً على عملية «الإخوة» للموساد، ألهمت العملية المخرج جدعون راف في فيلم «منتج الغوص على البحر الأحمر». وقد تم تصوير الفيلم في جنوب إفريقيا وناميبيا مع بن كينغسلي وهالي بينيت وكريس إيفانز