هوليود تتسابق لاستقبال بن سلمان
من المنتظر أن يُعَامَل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان معاملةً تضاهي ما يحظى به نجوم هوليوود من ترحاب، حين يحط الرحال بلوس آنجلوس ضمن جولته في الولايات المتحدة. فمن المتوقع أن يحضر ولي العهد(32 عاماً)، مأدبة عشاء في بيت المنتج بريان جرازر في سانتا مونيكا، ويحضر فعالية في ضيعة روبرت مردوخ في بيل إير، حيث يلتقي بأبرز اللاعبين في صناعة الترفيه والعروض التلفزيونية، من بينهم مدير وكالة المواهب آري إيمانويل، والمدير التنفيذي لشركة ديزني بوب إيجر، وفق ما ذكرت صحيفة Los Angeles Times الأميركية. وأثارت رحلة ابن سلمان إلى لوس آنجلوس، الكثيرَ من الفضول والحماس بين مديري صناعة الترفيه الذين ينظرون إلى المملكة باعتبارها سوقاً جديدة للأفلام، ومصدراً محتملاً للتمويل الذي يحتاجونه. إذ أسال قرار السعودية رفع حظر دَامَ 35 عاماً على دور السينما، في ديسمبر/كانون الأول 2017، لعاب مالكي صالات السينما واستوديوهات الإنتاج في الولايات المتحدة وأماكن أخرى. جاء هذا القرار ضمن جهود أوسع لتحديث ثقافة المملكة وتنويع اقتصادها، المعتمد على النفط. ويقول خبراء الصناعة إن صالات السينما في المملكة في حالة بنائها قد تُحقِّق أرباحاً تبلغ 1 مليار دولار سنوياً في شباك التذاكر.
“يتسابقون مثل المجانين”
يقول جون فيثيان المدير التنفيذي للجمعية الوطنية لمالكي دور السينما، “إنهم يتسابقون مثل المجانين لدخول تلك السوق. قرار المملكة بفتح سوق السينما في البلاد قرار تاريخي، وذو أثر بالغ”. من الواضح إذاً سبب لهفة هوليوود لخطبة وُدِّ الأمير السعودي، رغم التنافر الهائل بين قيم هوليوود الليبرالية الغالبة، والأعراف شديدة المحافظة لبلد لم يمنح النساء حقَّ قيادة السيارات سوى مؤخراً.
تحديات هائلة
وزير الثقافة والإعلام السعودي عواد العواد، قال “هذا سوق كبير، وهو الأكبر حتى الآن في الشرق الأوسط. وهو أيضاً سوق بكر لم يستغل من قبل”. مع ذلك تواجه الاستوديوهات تحديات هائلة، في طريقها للدخول للسوق السعودي، من بينها القيود المشددة المفروضة على نوعية الأفلام المسموح بها. وستفرض رقابة على الأفلام لضمان تمثيلها “للقيم الأخلاقية” للمملكة. وقد يتم الفصل بين الرجال والنساء في دور السينما. يأتي اهتمام المملكة بعد سلسلة طويلة من المستثمرين من دول أجنبية، تضم اليابان وألمانيا والهند وبعض الدول في الشرق الأوسط، الذين أغراهم وهج هوليوود حتى أحرقهم في النهاية. وقالت إلسا رامو، المحامية في مجال الترفيه، والخبيرة في الشؤون المالية لصناعة الأفلام “هذه عملية مليئة بالمغازلة، نحن في طور المواعدة في الوقت الحالي”.
أنباء مسربة عن الصفقات
يأمل رواد صناعة الترفيه، الذين يلتقون ابن سلمان ومجموعة من كبار المسؤولين السعوديين معرفة المزيد عن خطط البلاد في هذا الشأن، وسط تسريبات عن بعض الصفقات المزمع عقدها. إذ اقترب صندوق الاستثمار العام – الجهة الرئيسية المخولة بإدارة ثروة المملكة السيادية -، من شراء حصة تبلغ أقل من 10% من وكالة المواهب وشركة الإعلام Endeavor، اللتين يمتلكهما إيمانويل مقابل 400 مليون دولار على الأقل. ورفض ممثلو الصندوق التعليق على الأمر، لكن السلطات السعودية قالت في فبراير/شباط 2018، إنها تخطط لإنفاق 64 مليار دولار على المشاريع الترفيهية، التي تضم دور السينما وقاعات وأماكن الحفلات الغنائية في العقد المقبل. ما يقرب من 10 مليارات دولار منها محجوزة للاستثمار في مجال صناعة الأفلام. وقالت ساندي كليمان، رئيسة شركة Entertainment Media Ventures للاستثمار والاستشارات بلوس آنجلوس، وهي زائرة دائمة التردد على دول الشرق الأوسط “تستثمر المملكة العربية السعودية في شتى قطاعات المجال لتوسع من الناتج الإبداعي للفنانين ورواد الأعمال السعوديين، ولجعل المملكة نقطةً مركزية في صناعة الترفيه، التي أصبحت اليوم صناعة معولمة بشكل كامل”.
استراتيجية التودد
تقول صحيفة Los Angeles Times إن الإشارات الصادرة عن “استراتيجية التودد” التي تتبعها المملكة بدأت بالظهور، فيوم الأربعاء 4 أبريل/نيسان 2018 ستنظم هيئة الترفيه العامة في البلاد غداء عمل، في فندق Four Seasons Hotel Los Angeles في بيفرلي هيلز، لمناقشة الفرص المتاحة في صناعة الترفيه. ومن غير المتوقع أن يحضر محمد بن سلمان المؤتمر، لكن لفيفاً من كبار الشخصيات السعودية، من بينهم مدير هيئة الترفيه العامة أحمد الخطيب سيحضرون. وتخطط الحكومة لإطلاق أول وكالة لإنتاج الأفلام في مهرجان “كان” السينمائي في مايو/أيار 2018. كما تخطط المملكة للسير على خطى الصين في استخدام استثماراتها لتعلم المزيد حول صناعة الترفيه العالمية، وإقامة صناعة إعلام حديثة. يريد محمد بن سلمان أيضاً ثني الشباب في السعودية عن السفر إلى الدول المجاورة، مثل البحرين، لمشاهدة الأفلام في عطلات نهاية الأسبوع. ويقول ديفيد أنجر، المدير التنفيذي لمجموعة Artist International المتخصصة في إدارة المواهب لصالح العملاء الدوليين، “من الجلي أن محمد بن سلمان قد صبَّ تركيزه على الرياضة والترفيه، لجلب السياحة، وإقامة تجارة ثقافية أكثر مهارة وحرفية في المنطقة. الأفلام والتلفزيون هما جزآن مهمان من الثقافة، ولذا يعتبران ركنين أساسيين من أركان هذه الخطة”.
التسويق للسعودية
لكن على خلاف المستثمرين الصينيين، لا يتوقع أن يقدم السعوديون عروضاً بمئات المليارات من الدولارات في استوديوهات الأفلام وشركات الإنتاج الأميركية. إذ قال دنيس رايس، مدير شركة Vision Entertainment الاستشارية لتسويق وتوزيع الأفلام، “إذا كانت هوليوود تبحث عن مصدر آخر للمال الغبي، فهم مخطئون كثيراً. السعوديون رجال أعمال، يتميزون بالذكاء والدهاء الشديدين”. أحد الأهداف الرئيسية لجولة محمد بن سلمان هو التسويق لبلاده، باعتبارها في خضم إصلاحات ثقافية واقتصادية عميقة. تحدث ولي العهد في مقابلة تلفزيونية أجراها مؤخراً مع برنامج “ستون دقيقة”، الذي يعرض على شبكة CBS، بنوع من الإعجاب والحنين للأيام التي سبقت إقدام الأسرة الحاكمة على فرض رقابة مشددة على تطبيق الشريعة الإسلامية، استجابة لأحداث احتلال الحرم المكي في العام 1979 من قبل متطرفين دينيين. وأخبر مذيعة CBS نورا أودونيل، في تلك المقابلة، قائلاً: “كنا نعيش حياة طبيعية مثل باقي دول الخليج، كانت النساء يقدن السيارات، وكانت هناك دور سينما في المملكة العربية السعودية، عملت النساء في كل مكان، كنا بلداً نامياً طبيعياً مثل أي بلد آخر في العالم حتى أحداث 1979”.
دور السينما في السعودية
وقالت شركة AMC لدور السينما – تعد أكبر شركة لتشغيل دور السينما في العالم -،في ديسمبر/كانون الأول 2017 إنها وقعت عقداً مع صندوق الاستثمار العام، لتطوير وإقامة دور سينما في المنطقة. وتخطط شركة iPic التي تتخذ من بوكا راتون في فلوريدا مقراً لها، والتي عرفت بدور السينما الفاخرة التي تسمح بتناول العشاء داخلها أثناء مشاهدة الأفلام، لبناء ما يقارب 30 دار سينما في السعودية، خلال السنوات العشر القادمة. وتهدف شركة الشاشات الكبيرة Imax، التي لديها بالفعل شاشة وحيدة في المركز العلمي بالخبر، إلى تشغيل ما يقرب من 20 دار سينما في البلاد، خلال السنوات الثلاث القادمة. وقال ريتشارد جيلفوند، الرئيس التنفيذي لشركة إيماكس: “يتمتع السعوديون بدخل متاح للاستخدام مرتفع، لذا فإنهم سيبحثون عن قمة الهرم فيما يتعلق بالتجربة السينمائية. وهذا يُعد فرصة كبيرة”. وحذّر المسؤولون التنفيذيون في الاستوديو من الشك وحالة عدم اليقين التي لا تزال تحيط بالسوق السعودي. وقال أندرو كريبس، رئيس التوزيع المسرحي الدولي في شركة 20th Century Fox Film، “إن الجماهير السعودية، على سبيل المثال، لم تتطور لديهم بعد عادة الذهاب إلى المسارح ودور السينما بانتظام”. وأضاف كريبس، “اليوم لا توجد دور سينما، وتلك البنية التحتية لا تُبنى بين عشية وضحاها. وعلى الرغم من أن هناك الكثير من الإثارة، فإن عليك أن تعطي تلك البنية التحتية الوقت اللازم للبناء”. وصرَّح مسؤولون سعوديون أن عدداً من مراكز التسوق التي يجري بناؤها الآن في السعودية، قد شملت بالفعل في خططها بناء دور للسينما، وأن على الأقل 140 مركزاً تجارياً آخر، تتوفر بها مساحات يُمكن تكييفها لهذا الغرض. ويتمثل أحد التحديات في التصدي للقيود التي تمنع الرجال والنساء غير المرتبطين عائلياً من الجلوس معاً في دور السينما، الأمر الذي من شأنه أن يفرض المزيدَ من القيود على طريقة التصميم. وبناءً على موافقة الحكومة، يُمكن لدور السينما إنشاء قاعات منفصلة للرجال والعائلات، أو يُمكن وضعهم على جوانب مختلفة من نفس المسرح. وسافر المديرون التنفيذيون من الرابطة الوطنية لمالكي المسارح إلى الرياض، في شهر ديسمبر/كانون الأول 2017، للالتقاء مع مسؤولين حكوميين، ومناقشة الكيفية التي يُمكن من خلالها لصناعة السينما أن تعمل في البلاد، وإحضار تصميمات للطوابق لعرض وتوضيح الخيارات المختلفة.
وقد صرَّح مسؤولون سعوديون، أنهم يدرسون تحديد المسارح باعتبارها أماكن عائلية، الأمر الذي من شأنه أن يلغي الحاجة إلى مقاعد منفصلة. ومن الجدير بالذكر أن القضية المُلحة الرئيسية الأخرى، تتمثل في الرقابة، التي تشيع في الشرق الأوسط. وقد ناقش مالكو المسارح إمكانية تطبيق نظام تقييم يعتمد على السن، الذي من شأنه أن يُتيح قدراً من المرونة – على غرار نظام تقييم الأفلام الذي تتبعه جمعية الفيلم الأميركي في الولايات المتحدة – بدلاً من وضح أُسس ثابتة للحظر تُطبّق على أنواع معينة من المحتوى. وتبنَّى المسؤولون السعوديون هذه الفكرة، وقالوا إنهم يدرسون الكيفية التي تقوم من خلالها الدول الأخرى بتطبيق ذلك النظام، كما أنهم يتوقعون أن تكون القيود المفروضة على المحتوى مشابهة لتلك التي تُفرض في بلدان مثل الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة. كما أن هناك تساؤلاً حول الأفلام التي سيُفضِّلها الجمهور. قال جيلفوند من شركة إيماكس حول هذا الشأن، إن أفلام العائلات الأميركية والأفلام الرائجة، تنجح عادةً في الشرق الأوسط، إلا أنه من المتوقع أن تجذب الأفلام باللغة المحلية، والأفلام الهندية الكثير من الجمهور. وأضاف: “لن تكون جميع مبيعات التذاكر في شباك التذاكر حِكراً على هوليوود؛ إذ إن الأمر يعتمد على ما يريد الجمهور السعودي مشاهدته”.