هل ينتهي وجود الميليشيات في ليبيا؟
طيلة السنوات التي أعقبت إندلاع الأزمة في البلاد،أصرت الميليشيات المختلفة على التمترس فى العاصمة الليبية طرابلس،حيث دخلت في صراعات متواصلة على النفوذ والسيطرة في غياب جيش أو شرطة نظاميين وفي ظل عجز حكومي متواصل عن وضع حد لسيطرة المسلحين وفرض سلطة القانون.
ويسود هدوء حذر العاصمة الليبية طرابلس، منذ الأربعاء، بعد إعلان وقف إطلاق النار برعاية أممية بغية إنهاء الاشتباكات العنيفة التي اندلعت منذ أيام بين فصائل مسلحة متنافسة في جنوب العاصمة، وسط مخاوف من انفجار الوضع في ضواحي طرابلس مجددا وانتقالها إلى مناطق متفرقة من المدينة.
اتفاق وتعهد
ونجحت البعثة الأممية للدعم لدى ليبيا في التوصل لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بين قادة الميلشيات المسلحة التي تخوض حرباً دامية في العاصمة طرابلس منذ 27 أغسطس الماضي.وقالت البعثة الأممية، مساء الثلاثاء، إن المبعوث الأممي غسان سلامة نجح في “التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، والتوقيع عليه لإنهاء جميع الأعمال العدائية وحماية المدنيين، وصون الممتلكات العامة والخاصة، وإعادة فتح مطار معيتيقة في طرابلس.
وتعهّد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج،الأربعاء، بضمان تطبيق وقف إطلاق النار في العاصمة الليبية طرابلس، متوعّدا بأنّ حكومته لن تبقى مكتوفة الأيدي حيال من يحاول العبث باستقرار البلاد.وذلك، خلال لقاء جمعه برئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، غسان سلامة، ونائبته للشؤون السياسية ستيفاني وليامز، في مقر المجلس الرئاسي الليبي في طرابلس، وفق ما أكده المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي.
وأعلن السراج، أن كلّ الإمكانيات العسكرية والأمنية والإنسانية، قد تم تسخيرها لإنجاح اتفاق وقف إطلاق النار وضمان أمن وسلامة المواطنين والحفاظ على الممتلكات الخاصة والعامة، محذرًا من أية محاولات لعرقلة تطبيقه..
واعتبر رئيس المجلس الرئاسي، أن الاتفاق، شكّل خطوة مهمّة باتجاه تنفيذ الترتيبات الأمنية الواردة في الاتفاق السياسي، مشدّدًا على أنّه لا رجعة عن مسار التوافق بين الليبيين، ومتعهدًا باستكمال مهمته في التمهيد للانتقال السلمي إلى دولة مدنية ديمقراطية..
كما أعلن السراج رفضه لمحاولات العبث بالاستقرار، قائلًا:”إن المجلس الرئاسي الليبي، لن يقف مكتوف الأيدي تجاه كل من يحاول الاستهتار بأمن المواطنين وسيعمل على أن ينال الجزاء العادل”.
عقوبات
من جهتها،هددت الأمم المتحدة بفرض عقوبات على الميليشيات المسلحة التي لا تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار وإيقاف الاقتتال في العاصمة الليبية طرابلس، وتعمد على انتهاكه.
وقال المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، في إحاطته أمام مجلس الأمن،الأربعاء، إن الأمم المتحدة توسطت بين الأطراف الرئيسية لوقف إطلاق النار والأعمال العدائية، وإعادة النظام في طرابلس، وهي “تراقب والمجتمع الدولي الوضع، وأي مجموعة تعمد إلى انتهاك الاتفاق ستحاسب”، قائلا في هذا السياق” لقد تجاوزنا زمن الإفلات من العقاب، ولن نسمح بتكرار ما حدث في 2014
وأوضح سلامة،أن العنف الذي عصف بالعاصمة الليبية طرابلس منذ 26 أغسطس “أدى إلى نسف الهدوء الذي كان سائدا في المدينة منذ شهر أيار مايو 2017، إذ تم نشر الدبابات والمدفعية الثقيلة في الأحياء السكنية، وقتل 61 ليبيا بينهم مدنيون وأطفال وجرح 159 آخرين، فيما أجبر الكثيرون على الفرار، فضلا عن انتشار أعمال النهب والجريمة وخروج العصابات إلى الشوارع وفرار مئات المجرمين من السجن”.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا،أدانت السبت الماضي، ما وصفته بتصاعد للعنف في العاصمة الليبية ومحيطها مهددة بمعاقبة المسؤولين.ووفقا لوكالة “رويترز”، قالت الدول الأربع في بيان: “الجماعات المسلحة التي قوضت أمن ليبيا ستحاسب. هذه المحاولات التي تهدف إلى إضعاف السلطات الشرعية في ليبيا وعرقلة العملية السياسية غير مقبولة.
مخاوف
ورغم هذه التحركات لإنهاء العنف في العاصمة الليبية،فإن المخاوف مازالت قائمة من إمكانية تجدد القتال بين الجماعات المسلحة.ويعبر الكثيرون عن اعتقادهم بأن وقف إطلاق النار هذا يظل حلًّا قصير المدى وهشا وقد ينتهي في أي لحظة في ظل إستمرار التحشيد العسكري في المدينة.
ودفعت هذه المخاوف،بعدد من البعثات الدبلوماسية لمغادرة الأراضي الليبية،ونقلت “إرم نيوز”،عن دبلوماسي غربي، إن عددًا من السفارات انتهزت فرصة التوصل إلى هدنة لمغادرة طرابلس؛ خشية انهيار الهدنة وتجدد القتال، مما قد يعقد من وضع موظفيها، في عاصمة لم تعد آمنة.
وأشار الدبلوماسي، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إلى أن عددًا من موظفي ورعايا الاتحاد الأوروبي وبعثة الأمم المتحدة غادروا أيضًا جوًا عبر مطار زوارة، ولم يتبق إلا عدد قليل من الموظفين لإدارة الأمور، مشيرًا إلى رفع السفارات المتبقية حالة الإنذار إلى القصوى، خصوصًا بعد سقوط قذيفة على المبنى القديم للسفارة الأمريكية في طرابلس.
هذه المخاوف ترجمتها مؤشرات على الأرض،آخرها إعلان اللواء السابع عن إصابة جنديين من اللواء بحروق، جرّاء قصف تعرَّضت له وحدة تابعة له. وأشار البيان إلى أن القصف الذي وصفه بـ “المتعمد” كانت وراءه “ميليشيا الضمان”،والتي سارعت بدورها لنفي خرقها لاتفاق وقف اطلاق النار،مبينةً بأن من وصفتهم بـ”ميليشيا الكاني” (اللواء السابع) هم من قام بالتسلل واطلاق النار على مواقعهم.
لكن رئيس مجلس مشائخ واعيان ترهونة صالح الفاندي،قلل من أهمية الحادثة،وقال في تصريح “لبوابة إفريقيا الإخبارية”، إن إطلاق النار الذي تعرض له اللواء السابع،الأربعاء ،ربما يكون من طرف ثالث موضحا انه لن يؤدي إلى نقض الهدنة.ولفت الفاندي إلى أن الوضع لازال تحت السيطرة موضحا أن الأمم المتحدة فتحت غرفة للإبلاغ مباشرة عن أي خرق للهدنة.
وسبق أن تحدثت الأطراف المتقاتلة في العاصمة عن الاتفاق على هدنة أكثر من مرة لوقف إطلاق النار، لكنها لم تصمد أمام تواصل القصف المدفعي والصاروخي في معركة خلفت 66 قتيلا و 178 جريحا بحسب بيان المستشفى الميداني التابع لإدارة شؤون الجرحى طرابلس عبر صفحته الرسمية على فيسبوك.
نزع سلاح المليشيات
ومع تواصل تغول الميليشيات،تتصاعد المخاوف من عودة مسلسل العنف الذي يهدد البلاد،وهو ما دفع مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة السفير المهدي المجربي،لمطالبة الأمم المتحدة بـ”نزع السلاح في ليبيا”، مشيراً إلى أن التصريحات وحدها لن تنهي الأزمة في ليبيا ويجب الحديث عن “عقوبات على المتورطين فيها.
وقال المجربي في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، الأربعاء 05 سبتمبر 2018،أنه يصعب على أي حكومة ممارسة مهامها في “ظل مناخ تسوده التهديدات بالسلاح”، مشيراً إلى أن “أحداث طرابلس” أظهرت حجم التحديات الأمنية التي تواجهها ليبيا.
ولفت السفير إلى أن “الظروف الاقتصادية السيئة في ليبيا نتيجة لتردي الوضع الأمني وتدخل المسلحين في مؤسسات الدولة”.ورأى المجربي أن “الأجسام السياسية التي شاركت في الصخيرات لم تف بواجباتها واستمرت في مناوراتها”.
كما أشار السفير إلى “مرور قرابة عام على إعلان خطة الأمم المتحدة ولم يتم تنفيذها حتى الآن”.مطالبا مجلس الأمن أن “يحث الأطراف السياسية على تطبيق خطة الأمم المتحدة وصولا إلى إجراء انتخابات”.
ويشير العديد من السياسيين إلى خطر الصراع في العاصمة وضرورة نزح سلاح الميليشيات،وفي هذا السياق،قال السياسي الإيطالي نيكولا لاتوري،في تصريحات لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء،الثلاثاء 4 سبتمبر، إن “القضية الحقيقية في ليبيا هي العمل من منظور نزع سلاح الميليشيات الليبية، عن طريق استيعابها في قوات نظامية، وكذلك تشجيع التوصل إلى اتفاق بين جميع الليبيين ورؤساء البلديات، وهو ما لا يفكر فيه أحد.
وكان مندوب ليبيا السابق لدى الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي،استنكر في حوار أجرته معه صحيفة”العين الإخبارية”،تغاضي بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عن نزع سلاح المليشيات وإعادة دمج أفرادها في مؤسسات الدولة وبناء الجيش والأجهزة الأمنية وتمكينها من القيام بدورها وهي مطالب شعبية يعرفها الجميع.
وأكد الدباشي أن “ليبيا لن تنعم بالاستقرار إلا بإنهاء حالة الفوضى الأمنية والمؤسساتية وذلك عبر حل المليشيات والكتائب المسلحة وتوحيد الجيش وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في أقرب وقت ممكن في بيئة آمنة وعلى أسس قانونية سليمة”.مشيرا إلى أن المستفيد الأول من حالة الفوضى التي تعيشها ليبيا هي المجموعات المسلحة التي تتحكم في القرار السياسي في العاصمة طرابلس وكل أعضاء الحكومات ومجلس النواب ومجلس الدولة الذين يتقاضون مرتبات خيالية دون وجه حق ويتمنون استمرار امتيازاتهم.
ويرى مراقبون،أن المعركة الطاحنة التى شهدتها العاصمة الليبية طرابلس والتي تهدد بالإندلاع مجددا،باتت تفرض التكاتف الإقليمى والدولى للشروع فى نزع سلاح الميليشيات فورا،ووقف الممارسات السابقة التى كانت تحتمى فيها بعض القوى المحلية والخارجية بجماعات مسلحة وتوفر لها ملاذا آمنا وتعطيها شرعية مكناها من البقاء في الساحة فترة طويلة بعيدا عن المحاسبة.