هل يمكن لأي أحد امتلاك القمر؟
تتطلع الشركات إلى التنقيب عن المعادن في الفضاء الخارجي، وخصوصاً التنقيب على سطح القمر بحثاً عن المواد النفيسة.. فما هي القواعد التي ستحكم استغلال البشر لسطح القمر وادعاء ملكيته؟
منذ 1972 لم ينزل أحد على القمر
منذ 50 عاماً تقريباً، أصبح رائد الفضاء الأمريكي نيل أرمسترونغ أول رجل يمشي على سطح القمر. كانت كلماته الشهيرة هي: «هذه خطوة صغيرة لإنسان، وقفزة كبيرة للإنسانية».
بعد ذلك ببرهة، انضم إليه زميله باز آلدرين في القفز في بحر السكون (Sea of Tranquility). وبعد هبوط آلدرين درجات مركبته القمرية «إيغل»، نظر إلى الأفق الفارغ، وقال: «عزلة مهيبة».
منذ مَهمة أبولو 11 في يوليو 1969، لم يمس أحد سطح القمر إلى حد كبير، ولم يذهب إنسان إلى هناك منذ عام 1972؛ لكن هذا الأمر قد يتغير قريباً مع إعلان عدد من الشركات اهتمامها باستكشاف سطح القمر وامكانية التعدين فيه عن الموارد الطبيعية، مثل: الذهب، والبلاتينيوم، والمعادن النادرة المستخدمة على نطاق واسع في الإلكترونيات.
الآسيويون يدخلون السباق بقوة
في وقت سابق من الشهر الجاري، أعلنت الصين هبوط مسبار «تشانج إي-4» على الجانب البعيد من القمر، وتمكنه من وضع إنبات بذرة قطن في محيط حيوي على سطحه، وقالت إنَّها تطلع إلى إنشاء قاعدة بحثية هناك.
وتخطط الشركة اليابانية iSpace لبناء «منصة للتنقل بين الأرض والقمر«، ولتنفذ مشروعاً لـ «استكشاف المياه القطبية» على سطح القمر.
إن المساعي تجري على قدمٍ وساق، إذ فهل ثمة من قواعد تضمن أن احتفاظ عزلة آلدرين بهدوءها؟ أم هل يتحول القمر الطبيعي الكبير والوحيد للأرض إلى ساحة لنزاعٍ على الأراضي والموارد لدوافع تجارية وسياسية؟
معضلة «ملكية الأجرام السماوية»
شكلت الملكية المحتملة للأجرام السماوية مشكلة منذ اللحظة الأولى لاستكشاف الفضاء أثناء الحرب الباردة، حسب ما ذكرت شبكة BBC البريطانية. فبينما كانت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) تُخطط لأولى بعثاتها الفضائية المأهولة، وضعت الأمم المتحدة معاهدة الفضاء الخارجي، ووقعتها عام 1967 دولٌ، من بينها الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، والمملكة المتحدة.
وتنص المعاهدة على أنَّه «لا يجـوز التملك القومي للفضاء الخارجي، بمـا في ذلـك القمـر والأجـرام الـسماوية الأخرى، بدعوى السيادة أو بطريق الاستخدام أو الاحتلال أو بأي وسيلة أخرى».
ميثاق الفضاء واتفاق القمر
تصف مديرة شركة Alden Advisers جوان ويلر المتخصصة في مجال الفضاء هذه المعاهدة بـ «ميثاق الفضاء»، وقالت إنَّها تجعل غرس عَلم على القمر، كما فعل أرمسترونغ وخلفاؤه، «بلا معنى»؛ إذ إنَّها لا تمنح أي «حقوق مُلزمة» للأفراد أو الشركات أو الدول.
بشكل عملي، لم تكن حقوق ملكية الأراضي والتنقيب على القمر أمراً ذا قيمة كبيرة في عام 1969؛ لكن مع تطور التقنيات، ارتفعت احتمالية التنقيب بحثاً عن موارده بهدف الربح، وإن كانت لا تزال بعيدةً.
في عام 1979 أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية تنظيم أنشطة الدول على القمر والأجرام السماوية الأخرى، والمعروفة باسم «اتفاقية القمر». وتنص على أنَّ عمليات التنقيب على سطح القمر والأجرام السماوية الأخرى يجب أن تكون لأغراض سليمة، وبأنه يجب إبلاغ الأمم المتحدة نفسها بمكان وسبب تخطيط أي طرف لبناء محطة.
وتنص الاتفاقية أيضاً على أنَّه «يعتبر القمر وموارده الطبيعية تراثاً مشترك للبشرية»، وأنَّه يجب إنشاء نظام دولي «لتنظيم استكشاف مثل هذه الموارد عندما توشك هذه الاستكشافات على أن تكون مجديةً».
لكن القوى الكبرى لم توقع على اتفاقية الفضاء
لكن المشكلة التي تكمن في اتفاقية القمر تتمثل في أنَّ 11 دولة فقط هي من صدقت عليها، من بينها فرنسا والهند، أما أكبر اللاعبين في الفضاء، بمن فيهم الصين والولايات المتحدة وروسيا، فلم يصدقوا عليها. وكذلك لم تفعل المملكة المتحدة.
على أي حال، تقول ويلر إنه «لا يسهل كثيراً» تطبيق القواعد المنصوص عليها في المعاهدات. وتُضمَّن مختلف الدول الوثائق التي توقع عليها في قانون، وتشرف على التأكد من أنَّ الشركات والأفراد ملتزمون بها.
توافقها الرأي الأستاذة جوان آيرين غابرينوفيتش، رئيسة تحرير دورية Space Law سابقاً، التي قالت إنَّ الاتفاقيات الدولية «لا تقدم أي ضمانات»، مضيفة أنَّ إنفاذها هو «خليط معقد بين السياسة، والاقتصاد، والرأي العام».
وتواجه الاتفاقيات الحالية، التي ترفض الملكية القومية لأي جرم سماوي، في السنوات الأخيرة تحدياً إضافياً.
ففي عام 2015، أصدرت الولايات المتحدة قانون المنافسة التجارية على إطلاق المركبات إلى الفضاء، معترفة بحق مواطنيها في امتلاك أي موارد يتمكنون من استخراجها من أي كويكب. ومع أنَّ ذلك لا يشمل القمر؛ لكن المبدأ مؤهل لأن يتوسع.
وقد وصف إريك أندرسون، الشريك المؤسس لشركة الاستكشافات Planetary Resources، التشريع بأنَّه «أعظم اعتراف بحقوق الملكية في التاريخ».
في عام 2017، أصدرت لكسمبورغ قانوناً يكفل حقوق الملكية ذاتها لأي موارد يعثر عليها في الفضاء. وقال نائب رئيس الوزراء آيتين سنايدر إن هذا سيجعل بلاده «رائدة وقائدة أوروبية في هذا القطاع».
إنَّ الرغبة في الاستكشاف وجني الأرباح متوافرة، إذ يبدو أنَّ الدول أصبحت أكثر رغبة في مساعدة الشركات في ذلك.
تقول هيلين نتابيني، المحامية لدى شركة Naledi Space Law and Policy البريطانية: «من الواضح أنَّ التعدين، سواء بهدف أخذ المواد إلى الأرض، أو تخزينها أو تصنيعها على القمر، هو النقيض التام لعدم إحداث أي ضرر».
وتضيف أنَّه بالإمكان القول إنَّ الولايات المتحدة ولوكسمبورغ «تنمّرتا» للخروج عن شروط معاهدة الفضاء الخارجي. وتقول: «أنا متشككة إلى حد كبير في إمكانية الحفاظ على المفاهيم الأخلاقية العالية (القائمة على مبدأ) استكشاف العالم للفضاء معاً كأمم متساوية».