هل يمكن لأكراد سوريا محاكمة مقاتلي داعش الأجانب؟
منذ إعلانهم القضاء على “خلافة” تنظيم داعش وضع أكراد سوريا نصب أعينهم تشكيل محكمة دولية في مناطق سيطرتهم لمحاكمة مئات الجهاديين الأجانب المعتقلين لديهم، مع إحجام بلدانهم عن استعادتهم لمحاسبتهم على أراضيها.
وجمع الأكراد في بداية الشهر الحالي عشرات الخبراء والباحثين والمحامين من دول غربية وعربية، في مؤتمر استضافته مدينة عامودا في شمال شرق سوريا. وركّزت النقاشات بشكل خاص على كيفية إنشاء محكمة لمحاسبة مقاتلي التنظيم، رغم العقبات الكبيرة أمامها.
– لم محاكمتهم في سوريا؟ –
تُعد قوات سوريا الديموقراطية، وذراعها العسكرية وحدات حماية الشعب الكردية، إحدى أبرز القوى التي حاربت تنظيم (داعش) في سوريا. وأعلنت في 23 مارس القضاء على “الخلافة” المزعومة، بعد سيطرتها على آخر جيب للجهاديين في شرق سوريا.
وخلال خمس سنوات من المعارك، اعتقلت تلك القوات الآلاف من المشتبه بانتمائهم إلى التنظيم، بينهم نحو ألف مقاتل أجنبي من عشرات الجنسيات، الآسيوية والأوروبية والعربية.
وباتت سجون القوات الكردية مكتظة إلى حد كبير. ورغم بدء الإدارة الذاتية الكردية محاكمة الجهاديين السوريين في محاكمها المحلية، لكن مصير الأجانب لا يزال غامضًا.
ومع رفض الدول المعنية استعادة مواطنيها، خصوصا من المقاتلين، طالبت الإدارة الذاتية بعد انتهاء آخر المعارك بتشكيل محكمة دولية على أراضيها، بدعم من المجتمع الدولي، الذي طالبته كذلك بمساعدتها على تأهيل السجون أو بناء أخرى جديدة.
ويقول مسؤول دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، عبد الكريم عمر: “هذا الموضوع جدي وإستراتيجي بالنسبة إلينا، وسنعمل على تشكيل هذه المحكمة هنا”.
ويضيف: “كيفية تشكيل هذه المحكمة وشكلها هو موضوع تبادل وجهات النظر بيننا وبين المجتمع الدولي اليوم”، مضيفًا: “أجرينا أكثر من لقاء مع عدد من الدول المهمة” مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها، وفي “كل لقاءاتنا لم نر أي طرف يعارض ضرورة تشكيل هذه المحكمة أو ضرورة محاكمة هؤلاء المجرمين”.
وتحتفظ الإدارة الذاتية بتمسكها بمطالبة الدول المعنية باستعادة 12 ألفًا من نساء وأطفال الجهاديين الأجانب. لكن الاستجابة تبقى محدودة جدًا، مع استعادة 13 دولة فقط 300 منهم على الأقل.
ويواجه مقاتلو التنظيم تهم ارتكاب جملة من الفظاعات كالإعدام الجماعي والاغتصاب والخطف والعقوبات الوحشية في مناطق سيطرته، عدا عن تنفيذ هجمات دامية حول العالم.
ويقول الخبير في القانون الدولي، محمود باتيل، القادم من جنوب إفريقيا على هامش مشاركته في مؤتمر عامودا: “تقضي الطريقة الأمثل بإنشاء المحكمة في المنطقة التي حصلت فيها الجرائم، ليتمكن أهالي المنطقة أنفسهم من المشاركة”.
ويرى محللون أن محاكمات مماثلة من شأنها ردّ الاعتبار للضحايا، على عكس ما حصل في العراق الذي حاكم المئات من عناصر التنظيم في جلسات لم يدم بعضها سوى دقائق.
ولا تتضمن قوانين الإدارة الذاتية حكم الإعدام، بعكس العراق الذي أصدرت محاكمه عشرات الأحكام بالإعدام، آخرها بحق 11 فرنسيًا اعتقلوا في سوريا ونقلوا إلى العراق.
– ما هي آلية عمل المحكمة؟ –
ينتظر الأكراد من المجتمع الدولي توفير المساعدة فيما يتعلق بالمسائل اللوجستية والقانونية، بما في ذلك تطوير قوانينهم لتصبح متوافقة مع المواثيق الدولية، وفق عبد الكريم عمر، الذي يوضح أن المحكمة يجب أن تكون “مشتركة”، وبالتالي “تتم محاكمة الإرهابيين بحسب القوانين المحلية بعدما يصار إلى تطويرها”.
ويوضح: “سيكون هناك قضاة محليون ودوليون، بإلإضافة إلى محامين من الدول التي ينتمي مواطنوها إلى تنظيم داعش الإرهابي للدفاع عنهم”. ويتعهّد بأن هذه المحاكمات، إن حصلت، “ستكون مفتوحة أمام الإعلام”.
ويرى باحثون أنه بالنظر إلى الجرائم الكبرى التي ارتكبها التنظيم، يجب الاعتماد على طاقم قضائي متمكن، وإضافة مصطلحات مثل “إبادة” و”جرائم ضد الإنسانية” و”جرائم حرب” إلى القوانين التي سيجري الاعتماد عليها.
ويقول نبيل بودي، محام فرنسي يمثل أربعة رجال فرنسيين، فضلًا عن عائلات أخرى متهمة بالتعاون مع التنظيم، إنه لاحظ “إصرارًا من قبل الأكراد” لإنشاء المحكمة، “حتى إنهم بدأوا بجمع الأدلة”، مشيرًا إلى أن “كل الأشخاص المحتجزين أو المعتقلين كانوا يحملون أجهزتهم الخلوية”، ومن الممكن الحصول على معلومات منها.
ويقول ستيفن راب، الدبلوماسي الأمريكي السابق المتخصص بقضايا جرائم الحرب، إنه بعد الحصول على الأدلة من الممكن محاكمة المتهمين أمام القضاء الكردي “وبدعم دولي يشترط الالتزام بالقوانين الدولية”.
ويطرح راب احتمالات عدة بينها أن يتلقى الأكراد دعمًا استشاريًا من منظمة مختصة بالعمل مع أطراف غير حكومية لمراعاة القوانين الدولية، وأن يمنح الأكراد الدول المعنية الحق باقتراح قضاة أو مدعين عامين أو محققين.
– ما هي احتمالات نجاحها؟ –
رغم التفاؤل، يبدو إنشاء محكمة دولية في شمال شرق سوريا أمرًا صعبًا، إذ لا تحظى الإدارة الكردية باعتراف دولي. كما أن حماية الشهود في بلد تمزّقه الحرب، وحيث يقتل سكان المدينة ذاتها بعضهم البعض، يشكّل تحديًا معقدًا.
ويتطلب إنشاؤها وقتًا طويلًا، إذ يجب وضع الإجراءات القضائية، وتدريب القضاة والمحامين حول هذه المسائل المعقدة.
ولم يلق مشروع المحكمة حتى الآن موافقة دولية، وإن كانت بعض الدول أبدت انفتاحًا تجاهه. وأعلنت فرنسا في أيار/مايو أنها تدرس “آلية قضائية” دولية لمحاكمة الجهاديين.
وفي غياب الاهتمام الدولي، قد يبقى المقاتلون الأجانب في السجون الكردية لسنوات طويلة من دون محاكمة، ما يشكل “خطرًا”، وفق راب، كون السجون قد تشكل سببًا لانتعاش التنظيم.
ويقول راب إن إبقائهم في السجون لفترة طويلة سيكون أيضًا مكلفًا بقدر إنشاء محكمة دولية، لكن الفرق أن الأخيرة من شأنها المساهمة “في أمن واستقرار المنطقة”.