هل يمكن أن تؤدي الهجمات الإسرائيلية على سوريا لإشعال حرب مع روسيا؟
لا تزال إسرائيل مصممةً على مواصلة قصف القوات الإيرانية وحلفائها في سوريا، في محاولة لإبعادهم عن حدودها الشمالية. في الوقت نفسه، فإن لدى روسيا الآلاف من القوات في سوريا، التي يمكن أن تجد نفسها وسط تبادل لإطلاق النار، أو حتى تصبح طرفاً مقاتلاً إذا سئمت موسكو من الاعتداءات على حليفها السوري.
وبحسب مجلة “ناشيونال انترست” الأمريكية، إذا تواجهت إسرائيل وروسيا، فهل ستشعر شقيقة إسرائيل الكبرى -الولايات المتحدة- بأنها مضطرة للتدخل؟
يقول مايكل بيك، وهو كاتب مساهم في “ناشيونال انترست”، لا تل أبيب ولا موسكو تريدان مثل هذا القتال «لا أحد منا يرغب في مواجهة عسكرية»، هذا ما أخبرني به مسؤول كبير في الجيش الإسرائيلي خلال مقابلة أجريتها معه مؤخراً، وأضاف: «سيكون ذلك ضاراً لكلا الجانبين».
ومع ذلك، تتلخَّص سياسة إسرائيل في أنها «ستفعل كل ما تراه ضرورياً لإخراج القوات الإيرانية من سوريا». وإذا لم ترغب روسيا في ذلك، فإن هذا «ثمن ضمان عدم تحول سوريا إلى قاعدة صواريخ إيرانية أخرى على حدود إسرائيل».
حذر وشكّ، وصراع على المصالح الأساسية
يضيف الكاتب، العلاقات بين تل أبيب وموسكو أدفأ مما كانت عليه خلال الحرب الباردة. والنتيجة هي تقارب غريب يذكرنا بالتقارب الأمريكي السوفيتي في السبعينيات. على السطح، بعض الود والرغبة في التعاون، لكن تحت الابتسامات هناك الحذر والشك وصراع المصالح الأساسية.
وقال المسؤول العسكري الإسرائيلي، الذي تحدَّث شريطة عدم الكشف عن هويته: «لا أحد في إسرائيل مرتبك بشأن من هم الروس ومَن ينحازون إليه»، «الروس ليسوا حلفاء لنا، بعبارة متلطفة. لدينا حليف واحد، وهو الولايات المتحدة. الروس هنا لأهداف مختلفة تماماً. إنهم يدعمون نظام سوريا، له هدف صريح وهو القضاء على إسرائيل إن أمكن، كما أنها جزء من تحالف يدعم إيران».
مدى سهولة أن تؤدي العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى وقوع حادث أصبح مؤكداً خلال غارة سبتمبر عام 2018، على مستودعات الذخيرة غربي سوريا. فالصواريخ المضادة للطائرات التي أطلقتها المدفعية السورية أسقطت بطريق الخطأ طائرة مراقبة روسية من طراز Il-20، مما أسفر عن مقتل 15 شخصاً. وتنفي إسرائيل الاتهامات الروسية بأنها استخدمت الطائرة الروسية عن عمد كغطاء، أو فشلت في إعطاء موسكو تحذيراً كافياً من الغارة. ومع ذلك فلا تزال روسيا تلقي باللوم على إسرائيل في هذا الحادث، وانتقمت من خلال تزويد سوريا بصواريخ متطورة من طراز S-300.
«روسيا موجودة في سوريا لتبقى»
ومع ذلك ترى إسرائيل قيمة روسيا بمثابة قيد محتمل على إيران، ورافعة ممكنة لإخراج القوات الإيرانية من سوريا. بعد اجتماع في فبراير/شباط بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس فلاديمير بوتين، لترميم الأضرار بعد حادثة Il-20، زعم المسؤولون الإسرائيليون أن بوتين وافق على ضرورة انسحاب «القوات الأجنبية» من سوريا. بالنسبة لموسكو، فإن العلاقات «الودية» مع إسرائيل تقدم نفوذاً أكبر في الشرق الأوسط، خصوصاً في الوقت الذي قد تخفض فيه أمريكا وجودها في المنطقة.
ومع ذلك، ندَّد الكرملين بالضربات الإسرائيلية في سوريا، باعتبارها «غير شرعية». لقد كانت سوريا حليفاً روسياً لأكثر من خمسين عاماً، وكانت الضربات الجوية الروسية -إلى جانب القوات الإيرانية وقوات حزب الله- هي التي أنقذت رئيس النظام السوري بشار الأسد المتداعي من داعش وخصومه. خدم ما لا يقل عن 63 ألف جندي روسي في سوريا منذ عام 2015. وعلى الرغم من وعد بوتين منذ عام 2016 بسحب القوات الروسية، تحتفظ روسيا حالياً بأكثر من 5 آلاف جندي ومقاول عسكري خاص في سوريا، تدعمهم عشرات الطائرات والمروحيات.
روسيا موجودة في سوريا لتبقى، ميناء طرطوس السوري هو القاعدة البحرية الوحيدة لروسيا في البحر الأبيض المتوسط، عام 2016 وقعت موسكو ودمشق اتفاقاً مدته تسعة وأربعون عاماً، يسمح لسفن حربية روسية تعمل بالطاقة النووية بالعمل من هناك. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الطائرات الروسية وصواريخ أرض جو، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي بعيد المدى S-400، من قاعدتين جويتين على الأقل غربي سوريا.
أسوأ الكوابيس الإسرائيلية
يمكن لإسرائيل أن تعيش مع الجيران الروس، لكنها لا تستطيع مع الإيرانيين. يحذر المسؤولون الإسرائيليون من خطة طهران لنشر 100 ألف من القوات الإيرانية والقوات المتحالفة معها في سوريا. حزب الله، الذي تقدر ترسانته بقرابة 130 ألف صاروخ، يهدد بالفعل الحدود الإسرائيلية اللبنانية. وانضمام سوريا إلى لبنان كقاعدة صواريخ إيرانية ثانية هو أساس الكوابيس الإسرائيلية.
وقال المسؤول في الجيش الإسرائيلي: «يمكننا -وننوي- أن نجعل الأمر صعباً بقدر ما نستطيع، ونضع ثمناً لا يرغب الإيرانيون في دفعه». وقد فعلت القوات الجوية الإسرائيلية ذلك، مهاجمة «أهداف إيران وحزب الله مئات المرات»، بحسب وصف المسؤول.
وعندما سُئل القيادي العسكري الإسرائيلي عما إذا كانت روسيا تردع الغارات الإسرائيلية على سوريا، أجاب: «نواصل تنفيذ خططنا»، «تشير أنشطتنا إلى أنه على الرغم من كل شيء، فإننا نتمتع بحرية حركة كبيرة».
لكن الجواب الأكثر وضوحاً، كانت الكلمة الواحدة التي رد بها على السؤال عن مدى استعداد إسرائيل للقتال من أجل حرية العمل هذه.
تل أبيب: «مستعدون»
الأمر الذي يترك هذا السؤال معلقاً: هل يمكن لإسرائيل أن تستهدف إيران في سوريا دون إثارة صدام مع روسيا؟
هناك آليات مستخدمة لتجنب الصدام، منها خط ساخن بين الجيشين الإسرائيلي والروسي. وقال المسؤول في الجيش الإسرائيلي: «نحن صارمون للغاية فيما يتعلق بإبلاغ الروس بأنشطتنا، وأن يكونوا على اطّلاع على آخر التحركات». ومع ذلك لم تكن تلك الإجراءات كافية لتجنب سقوط طائرة روسية.
ربما كانت طائرة Il-20 «المشؤومة» في المكان الخطأ في الوقت الخطأ فحسب. لكن ليس من الصعب تخيل تعدد مثل هذه السيناريوهات القاتلة. مستشارون أو فنيون روس يقعون في غارة إسرائيلية على منشأة إيرانية أو سورية، قنبلة إسرائيلية ذكية خاطئة تضرب قاعدة روسية، أو طياراً روسياً، أو بطارية مضادة للطائرات حفزتها غارة إسرائيلية قريبة ففتحت نيرانها. أو ربما ستشعر روسيا فحسب بأنها مضطرة لدعم مكانة حليفها السوري وحكومته «المهزوزة». أصبح واضحاً مدى خطورة سماء الأجواء السورية على الجميع في ديسمبر/كانون الأول 2017، عندما أطلقت مقاتلات أمريكية من طراز F-22 قنابل مضيئة لتحذير طائرتي هجوم روسيتين من طراز Su-25 «خرقتا منطقة محظورة» شرقي سوريا.
يقول مايكل بيك: «لكي نكون واضحين، فإن الجيش الإسرائيلي لا يستعدي ولا يتبجح بقدراته ضد روسيا، القوة العظمى السابقة التي لديها أكبر ترسانة نووية على هذا الكوكب». شبه مسؤول الجيش الإسرائيلي إسرائيل بـ «الفأر الذي يزأر»، وهي رواية كلاسيكية لأمة صغيرة تتحدى الولايات المتحدة.
يضيف الكاتب: «لكن إذا كانت إسرائيل تشبه أي فأر، فهي فأر عظيم: صغير وقوي ولا يخشى استخدام قبضته».
صِدام ليس افتراضي
في الواقع، ما يجعل المعركة المحتملة بين إسرائيل وروسيا خطيرة للغاية، هو أنها ليست افتراضية. بعد حرب الأيام الستة عام 1967، أرسل مقاتلون سوفيتيون إلى مصر. وقد أدى ذلك إلى حادثة سيئة السمعة في شهر يوليو/تموز عام 1970، عندما قام مقاتلون إسرائيليون بإسقاط خمس طائرات سوفيتية من طراز ميج 21 خلال ثلاث دقائق، في كمين محكم فوق قناة السويس.
وعلى الناحية الأخرى لا تحتاج روسيا إلى قتال إسرائيل لتؤذي إسرائيل. في الواقع، بدا مسؤول الجيش الإسرائيلي أقل قلقاً بشأن الصدام المادي بين القوات الإسرائيلية والروسية، وأكثر قلقاً من أن روسيا يمكن أن تختار تزويد أعداء إسرائيل مثل سوريا وإيران، بأسلحة متقدمة، مثل الصواريخ المضادة للطائرات. في أوائل سبعينات القرن الماضي، قدم الاتحاد السوفيتي العديد من صواريخ وبنادق الدفاع الجوي لمصر وسوريا، مما تسبب في خسائر فادحة للطائرات الإسرائيلية في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973. يضيف الكاتب: «بإمكان روسيا أن تجعل العمليات الجوية الإسرائيلية مكلفة للغاية، إذا أرادت».
كما هو الحال دائماً في النزاع العربي الإسرائيلي أو الإيراني الإسرائيلي، فإن الخطر الحقيقي ليس الصراع الإقليمي، ولكن كيف يمكن أن يتصاعد. في حرب 1973، هدد السوفييت بإرسال قوات إلى مصر ما لم توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار، وردَّت الولايات المتحدة من خلال تحذير نووي.
إذا ما دخل الإسرائيليون والروس في مواجهة، أو إذا ما هددت موسكو بشكل خطير باستخدام القوة العسكرية ضد إسرائيل، هل يمكن أن تخاطر الولايات المتحدة بخسارة فادحة في مكانتها بعدم التدخل لدعم حليفها القديم؟ هل يمكن لروسيا التي يُعتبر تدخلها السوري «استعراضاً فخوراً» لعضلاتها العسكرية، التي ولدت من جديد، ووضعها كقوة عظمى، ألا تنتقم لطائرة روسية أخرى أو جندي روسي ميت؟
مما يؤدي بنا إلى السؤال الأهم: هل يمكن أن يؤدي التوتر بين إسرائيل وروسيا إلى صدام بين القوات الأمريكية والقوات الروسية؟
في النهاية ربما سيحتاج طرف إلى التراجع، لكن إيران ليست بصدد التخلي عن نقطتها المتقدمة على الحدود الإسرائيلية، وليس بمقدور روسيا على الأرجح إجبارها، وهنا، ها هي إسرائيل المصممة على إيقاف إيران.