هل يمارس تبون سلطاته الفعلية كرئيس للجزائر بعد رحيل قايد صالح، وما مصير جيل العسكريين الذي حكم منذ الاستقلال؟
هل تؤدي وفاة قايد صالح لاختفاء طبقة العسكريين التي حكمت الجزائر منذ الاستقلال؟
وكان الفريق أحمد قايد صالح، قائد الجيش والحاكم الفعلي للجزائر، الذي أدار عملية الإطاحة برئيسٍ جزائري وصعود رئيس آخر في العام الجاري 2019 قد توفي في توقيت يشهد اضطرابات مدنية عميقة، بحسب ما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وأعلن وفاة رئيس أركان الجيش الجزائري، الإثنين 23 ديسمبر، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الحكومية الجزائرية وتقارير صحفية جزائرية.
والمفارقة أنَّ وفاة قايد صالح غير المتوقعة، عن عمر يناهز 79 عاماً -وهذا عمره الرسمي مع أنَّه كان أكبر سناً على الأرجح- جاءت بعد أقل من أسبوعين من فوز المرشح المُفضَّل للجيش في انتخابات الرئاسة، تترك فراغاً في السلطة في الدولة التي تقع في شمال إفريقيا، وتعد من أكبر مُنتجي النفط والغاز.
وقام الرئيس الجزائري الجديد عبدالمجيد تبون، بتعيين قائد القوات البرية، اللواء سعيد شنقريحة، على رأس قيادة الأركان للجيش الشعبي الوطني مكان الراحل أحمد قايد صالح.
مِن رفيق بوتفليقة إلى بطل الحراك
يُمكن القول إنَّ الفريق قايد صالح، الذي كان متبقياً من الجيل الذي قاد الجزائر إلى الاستقلال عن فرنسا في أوائل الستينات من القرن الماضي، هو الرجل الذي كان يعرقل تنفيذ مطالب حركة الاحتجاج الشعبية التي تهز سياسة البلاد، منذ فبراير/شباط الماضي، عرقلةً متزايدة.
فبصفته رئيساً للأركان، قاد الفريق قايد صالح حملة قمعية صارمة ضد الحراك، وفرض انتخاباتٍ رئاسية رغم رفض المتظاهرين. وفي خطاباتٍ منتظمة أُلقيت أمام ضباط الجيش الآخرين وأُذيعَت تلفزيونياً -وإن اتسمت بقسوتها- كان صالح يطالب المتظاهرين بالتراجع.
وقد رفضت الحركة الاحتجاجية الرئيس المنتخب حديثاً عبدالمجيد تبون، واصفةً إيَّاه بأنه مجرد مسؤول صوري وُضِع في السلطة لتنفيذ رغبات الفريق قايد صالح.
وذكرت وسائل الإعلام الجزائرية أنَّ الفريق قايد صالح توفي متأثراً بأزمة قلبية، صباح يوم أمس الإثنين، في مستشفى عسكري بالجزائر العاصمة.
وفي وقتٍ سابق من العام الجاري 2019، بدا أنَّ صالح كان يسعى إلى الفوز بولاء الحركة الاحتجاجية، إذ أطاح بعبدالعزيز بوتفليقة، الرئيس السابق الذي حكم البلاد منذ فترة طويلة بعد أن كان يدعمه باستماتة.
ولكن في شهر أبريل/نيسان الماضي، أعلن أنَّه غير قادر على تأدية مهامه. وكذلك كان وراء اعتقال العديد من رجال الأعمال المرتبطين ببوتفليقة، والعديد من رؤساء وزرائه أيضاً، وسعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق صاحب النفوذ.
وفي هذا الصدد، قال بنيامين ستورا، المؤرخ البارز المتخصص في تاريخ الجزائر: «كان السبب الرئيسي في شُهرة قايد صالح هو بوتفليقة. إنه يدين بمسيرته المهنية لبوتفليقة. لقد كان يدعمه حتى النهاية، وكان آخر من قال إنه يجب أن يرحل».
هل يمارس الرئيس الجديد سلطاته الفعلية؟
غير أن الحركة الاحتجاجية، المعروفة باسم الحراك، طالبت بالمزيد: رحيل الفريق قايد صالح نفسه، وجميع الأشخاص المرتبطين بالنخبة العسكرية السياسية، التي يسميها الجزائريون «النظام»، والتي حكمت البلاد منذ الاستقلال في عام 1962، لكنَّ قايد صالح رفض.
وليس من الواضح مدى الحرية التي سيحصل عليها الرئيس الجديد تبون في إدارة البلاد، في ظل بقاء القادة العسكريين المقرَّبين لقايد صالح في خلفية الحُكم.
ويقول ستورا متحدثاً عن ذلك إنَّ «الخط الأحمر» الذي لا يستطيع الرئيس عبوره هو «دور الجيش في الاقتصاد»، بما في ذلك التمويل السخي الذي يتلقاه، مما يجعله أكبر مُشترٍ للأسلحة في إفريقيا.
ساعد بوتفليقة على تفكيك النظام الأمني
يُذكَر أنَّ الفريق قايد صالح بدأ مسيرته العسكرية في سن المراهقة، حين انضمَّ إلى جيش التحرير الوطني الذي قاتل الفرنسيين. ثم تدرَّب بعد ذلك في أكاديمية عسكرية سوفيتية، وترقَّى عبر مناصب الجيش الجزائري، وأصبح قائد القوات البرية في الحرب الأهلية الدموية في الجزائر، التي شهدتها التسعينيات من القرن الماضي مع الإسلاميين.
ثم شكَّل تحالفاً قوياً مع بوتفليقة في أوائل العقد الأول من القرن الحاري، منذ أن أنقذه الرئيس الجزائري السابق من تقاعدٍ مبكر قسري.
وبصفته نائب وزير الدفاع في عهد بوتفليقة وقائد الجيش، فقد ردّ الجميل إلى الشخص الذي استفاد منه، وساعده في تفكيك خدمات الأمن الداخلي والاستخبارات القوية في البلاد.
وعلى مرِّ سنوات، وقف الفريق قايد صالح في الخلفية، مستعداً لدعم بوتفليقة دائماً، لكنَّه لم يسرق منه الأضواء قط. فيما أغدقت الحكومة الجزائرية بالأموال عليه وعلى جيشه من العائدات النفطية التي تجنيها البلاد.
هل تؤدي وفاة قايد صالح لاختفاء طبقة العسكريين التي حكمت البلاد منذ الاستقلال؟
في هذا الصدد، قال ناصر جابي، أستاذ علم الاجتماع البارز في الجزائر العاصمة: «وفاة الفريق قايد صالح تُمثِّل ضربة قوية للنظام، ستُزعزع استقراره بعض الشيء. ولا شكَّ أن شخصيته كانت تُسهِم بدرجةٍ كبيرة في الطريقة التي كانت تتطوَّر بها الأوضاع».
وأضاف متحدثاً عنه: «لقد كان رجلاً استطاع أن ينفصل عن نظام بوتفليقة، وكان يعتمد في البداية على الحراك، وكذلك فعل الكثير في مكافحة الفساد. وبالنسبة للجزائريين، فعل بعض الأشياء التي لا تُصدَّق، بما في ذلك اعتقال عدد من الشخصيات المهمة، لكن علينا الانتظار لنرى التأثير الحقيقي المستقبلي».
وأردف: «لكنَّ هذه الوفاة تشير إلى اختفاء جيل سياسي وعسكري بأكمله».
بينما كان بعض المحللين الآخرين أكثر توزاناً في تعليقهم.
إذ قال محمد هناد، أستاذ العلوم السياسية في الجزائر العاصمة: «نظراً إلى وجود رئيس منتخب الآن، لا أعتقد أن موت الفريق سيكون له تأثير كبير في الطريقة التي سيتطور بها الوضع. لا أعتقد أن الاستراتيجية التنفيذية ستتغير كثيراً».
غير أنَّ الحشود ظلَّت تهتف باسم الفريق قايد صالح بغضبٍ وسخرية طوال عدة أشهر في الجزائر العاصمة، بدافع إصرارها على مُطالبته بترك حُكم البلاد للمدنيين. ويبقى السؤال عمَّا إذا كان ذلك سيحدث الآن أم لا بلا إجابة