هل يقبل اردوغان بتغيير وزيري الداخلية والمالية؟
تتسارع التفاعلات السياسية الداخلية في تركيا بشكل كبير منذ الانتخابات المحلية/البلدية التي شهدتها البلاد نهاية الشهر الماضي، ونتج عنها تراجع أصوات حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وخسارته رئاسة بلديات كبرى المحافظات الهامة ومنها إسطنبول والعاصمة أنقرة وأنطاليا وإزمير، وغيرها.
وفي أول خطاب له عقب إعلان نتائج الانتخابات وعد اردوغان بـ«استخلاص العبر» وإجراء الإصلاحات والتغييرات اللازمة، مشدداً على أن رسالة الشعب التركي وصلته وسوف يعمل على تدارك أي أخطاء أو قصور خلال الفترة المقبلة.
هذا التصريح اعتبره الكثيرون مقدمة لإجراء تغييرات على مستويين الأول يشمل الهيئات القيادية المختلفة لحزب العدالة والتنمية، والثاني يشمل الحكومة التركية التي يترأسها اردوغان والتي تعتبر مسؤولة عن الأداء السياسي والاقتصادي العام في البلاد منذ نحو عام.
وبينما أكدت مصادر مختلفة في أروقة الحزب عن بدء الخطوات العملية لإجراء تغييرات وإصلاحات تدريجية داخل أروقة الحزب خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، لم يتطرق أي مسؤول رسمي إلى إمكانية إجراء تغيير قريب في الحكومة رغم تصاعد المطالبات الشعبية.
وفي أول تعقيب له على هذه الأنباء، نفى اردوغان، الثلاثاء الماضي، نيته إجراء تعديل وزاري قريب، وقال: «لم أعطي في السابق أي تصريح أو مؤشر على نيتي إجراء تعديل وزاري، البعض يطالب والإعلام يتحدث، ولكن إذا ذهبنا نحو نهج إجراء تعديلات وزارية فلن يبقى استقرار في هذا البلد،» مضيفاً أنه «من أهم الأسس الاقتصادية لأي بلد الثقة والاستقرار، إن كان هناك لزوم لإجراء تغيير نقوم بذلك، لكن لن أذهب لإجراء تغيير وزاري بناءا على رغبات البعض من هنا وهناك».
وعقب نتائج الانتخابات، تحدث الكثير من الكتّاب الأتراك ومنهم المقربون من الحزب الحاكم عن ضرورة إجراء تغيير وزاري والبدء بخطوات إصلاحية من أجل إعطاء إشارات إلى الشارع التركي بأن الحكومة فهمت رسالته وتعمل على تلبية مطالبه.
لكن المطالبات كانت تسمع بشكل أكبر في الشارع التركي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي شهدت جولات مختلفة من المطالبات بإجراء تعديل وزاري وإصلاح في السياسات العامة واستهدفت بشكل مباشر وزيري المالية والخزانة برات البيرق والداخلية سلميان صويلو.
ويجمع مراقبون على أن الاقتصاد كان العامل الأبرز على الإطلاق في تحديد توجهات الناخبين الأتراك في الانتخابات الأخيرة، حيث شهد الاقتصاد التركي تراجعاً ملحوظاً في العام الأخير حيث فقدت الليرة التركية أكثر من 40٪ من قيمتها، ووصلت نسبة التضخم إلى قرابة 30٪ وارتفعت نسب البطالة لمستويات غير مسبوقة.
وبينما تؤكد الحكومة أن الاقتصاد التركي «قوي ومتماسك» وأن بعض التراجعات ناجمة «عن مؤامرات خارجية وتلاعبات معادية لتركيا»، تطالب شريحة متزايدة من الشارع التركي بالاعتراف بوجود «أزمة اقتصادية» معتبرين أن الوزير البيرق (صهر اردوغان) فشل في إدارة اقتصاد البلاد ويجب تغييره من أجل البدء بعملية إصلاح تمنع تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد إلى أصعب من ذلك.
في السياق ذاته، ركز مطالبين بإجراء تعديل وزاري يغير وزير الداخلية، سليمان صويلو، كونه كان أحد أبرز وجوه الحملة الانتخابية للحزب الحاكم، معتبرين انه «لم ينجح» في إدارة هذه الحملة عبر الخطاب الذي حمل «رسائل تهديد وتخويف».
هذه المطالبات تصاعدت بشكل كبير عقب الاعتداء بالضرب الذي تعرض له زعيم المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو، قبل أيام، في أنقرة، من قبل عدد من أنصار الحزب، حيث اتهم صويلو بأنه «المحرض» على الاعتداء كونه هدد في أكثر من مرة بعدم السماح لكليتشدار أوغلو بالمشاركة في جنازات قتلى الجيش التركي بتهمة التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي تتهمه الحكومة بانه «الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني».
كما عززت الرسالة التي نشرها رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو التوقعات بتصاعد الحراك الداخلي في الحزب الحاكم والحكومة التركية خلال المرحلة المقبلة، حيث طالب بإجراء مراجعات داخلية واسعة وتعيين الكفاءات بعيداً عن «الأقارب والمحسوبية».
وعلى الرغم من تأكيد اردوغان بقرب بدء تغيير داخل الحزب، ونفيه وجود نية لإجراء تعديل وزاري قريب، إلا أن ذلك لا يغلق الباب أمام إمكانية إجراء هكذا التعديل خلال المرحلة المقبلة لا سيما مع زيادة التحديات السياسية والاقتصادية في البلاد بشكل كبير.