هل يصمد الاتفاق السوداني لثلاث سنوات قادمة؟
استغرق الأمر شهوراً من الاحتجاجات الجماهيرية وكانت تكلفته عشرات الأرواح، لكن السودان يقترب أكثر مما طالب به معارضو الرئيس المخلوع عمر البشير عندما خرجوا إلى الشوارع أوّل مرّة العام الماضي. ففي أبريل، في أعقاب أربعة أشهر من الاحتجاجات على مستوى البلاد بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوية والوقود والنقل، أطاح حلفاء البشير السابقون في القوات العسكرية والأمنية الرئيسَ الذي سحق المعارضة بوحشية خلال حكمه الذي دام 30 عاماً.
وبفضل اتفاق تقاسُم السلطة بين القادة العسكريين وزعماء المعارضة، صار لدى البلد الواقع شمال إفريقيا أول فرصة منذ أكثر من ثلاثة عقود لتشكيل حكومة مدنية ديمقراطية وإجراء إصلاح اقتصادي تحتاجه البلاد.
1- ماذا تغير في السودان؟
بموجب الاتفاق الموقع في 17 أغسطس، تنازل الجيش عن بعض سلطاته للتحالف المدني، على أن يتولى ما يسمى المجلس السيادي، المؤلّف من شخصيات مدنية وعسكرية، مهامّ رئاسية لمدة ثلاث سنوات إلى حين إجراء الانتخابات.
وخلال الـ 18 شهرًا القادمة، سيرأس المجلس عبدالفتاح البرهان، وهو الفريق الذي كان مسؤولاً عن المجلس العسكري منذ أبريل/نيسان، وسيتولّى زعيم مدني لم تُكشف هويته مهامه بعد ذلك. وفي الوقت نفسه، ستضع حكومة التكنوقراطية الأساس لإعادة بناء الاقتصاد. وتولّى عبدالله حمدوك، الاقتصادي الذي عمل في مؤسسات من بينها بنك التنمية الإفريقي ومنظمة العمل الدولية، منصب رئيس الوزراء الجديد. ويدعو الاتفاق كذلك إلى تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في مقتل المتظاهرين.
2- ما القضايا العالقة إلى الآن؟
تقول صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إن الاتفاق لا يعالج عدداً من القضايا الحساسة، على الأخص أدوار العديد من الشخصيات البارزة ممن كان لهم دور رئيسي في نظام البشير. ولم يحسم الاتفاق أيضاً هوية المدني الذي سيقود المجلس السيادي في النصف الثاني من ولايته الممتدّة ثلاث سنوات. ومع ذلك، خرج النشطاء في العاصمة الخرطوم في احتفالات صاخبة بعد التوقيع. وبالتزامن، مَثَلَ الرئيس السابق البالغ من العمر 75 عاماً أمام المحكمة في 19 أغسطس بتهمة الفساد، وهو أمر لم يكن يخطر بالأذهان قبل أقل من عام.
3- هل ستنجح اتفاقية تقاسم السلطة؟
الأمر ليس محسوماً بعد؛ إذ ترفض بعض أحزاب المعارضة والجماعات المتمردة دعم الاتفاق، قائلة إنه يحتاج إلى تعديلات مثل الالتزام بتحقيق السلام في جنوب وغرب البلاد، وهي مناطق لطالما تضررت من جراء التمرّد ضد حكومة البشير.
وهناك أيضاً حالة استياء من استمرار مشاركة محمد حمدان دقلو، أحد أقوى رجال السودان وزعيم قوات الدعم السريع، وهي ميليشيا سيئة السمعة يُلقى عليها باللوم في إحدى الهجمات التي شنّتها السلطة على متظاهري الخرطوم في يونيو/حزيران وأودت بحياة أكثر من 100 شخص. وحين غادر دقلو مراسم توقيع الاتفاق، أطلق نشطاء صيحة استهجان مطالبين بالقصاص: «الدم بالدم».
4- ما التحدّيات الاقتصادية في السودان؟
أدّى اتفاق السلام الذي أُبرِم في عام 2005 ليُنهي حرباً أهلية دامت عقدين من الزمن، بعد 6 سنوات، إلى تقسيم البلاد إلى السودان وجنوب السودان الجديد، الذي سيطر على ثلاثة أرباع حقول النفط، ما أدى إلى حرمان الشمال من جزء كبير إيراداته ونقدِه الأجنبي (قبل الانقسام، صُنّف السودان كثالث أكبر دولة مصدرة للنفط في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى). وأدى انخفاض أسعار النفط الخام أيضاً إلى انخفاض الدخل الذي يجلبه ما تبقى من إنتاج السودان. وحاولت الحكومة تنويع الاقتصاد من خلال تعزيز التعدين، لكنها لا تزال صناعة ناشئة في البلاد.
ويعتمد معظم سكان البلاد البالغ عددهم 40 مليون نسمة على زراعة الكفاف، ويعد السودان ضمن أفقر دول العالم، حيث يأتي في المرتبة 167 من أصل 189 دولة على مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة.
5- ما رد الفعل على الاتفاق خارج السودان؟
لم تخف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تدخلاتهما في البلاد، ففي أواخر أبريل، قدّما دعماً حيوياً لحكام السودان العسكريين حين تعهد البلدان بتقديم 3 مليارات دولار أمريكي في صورة مساعدات. وعلق الاتحاد الإفريقي عضوية السودان بعد هجوم يونيو في الخرطوم.
ومنذ ذلك الحين عمل الاتحاد مع إثيوبيا، المجاورة للسودان، في التوسط في المحادثات بين الجيش والجماعات المؤيدة للديمقراطية بشأن الحكومة الانتقالية. وأبدى عدد قليل من البلدان حداداً على سقوط البشير، الذي وجهت إليه المحكمة الجنائية الدولية عام 2009 اتهامات بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في منطقة إقليم دارفور الواقع غرب البلاد.