هل يستغل المرشد انتفاضة البنزين للتخلص من روحاني؟
اندلعت ألسنة لهب الاحتجاجات الشعبية في إيران بسبب رفع أسعار البنزين وعاد الحديث مجدداً عن الصراع بين الإصلاحيين والمتشددين هناك، فما قصة ذلك الصراع وهل هو أمر جديد أم له جذور؟ هذه الأسئلة تفتح ملفاً أكبر وهو نظام الحكم في إيران نفسه، حيث هناك المرشد والرئيس والحرس الثوري والباسيج، فما قصة ذلك النظام من بدايتها وحتى الآن؟
ما هو نظام الحكم في إيران؟
بعد نجاح الثورة في إيران بقيادة آية الله الخميني عام 1979، تم وضع دستور الجمهورية الإسلامية في إيران والذي وضع آلية فريدة من نوعها لنظام الحكم تمثلت في وجود «مرشد أعلى للثورة الإسلامية» يتم اختياره من جانب مجلس خبراء القيادة تكون من مسؤولياته الإشراف على السياسات العامة في الجمهورية الإسلامية كما يتولى قيادة القوات المسلحة والاستخبارات.
بعد المرشد يأتي منصب رئيس الجمهورية، ويتم انتخابه بشكل مباشر عن طريق الاقتراع الشعبي ولا يجوز بقاء الرئيس في منصبه لأكثر من مدتين رئاسيتين مدة كل واحدة منها أربع سنوات، ويتولى رئيس الجمهورية تشكيل الحكومة ورئاسة مجلس الوزراء.
السلطة الثالثة هي السلطة التشريعية أو البرلمان، وفي إيران اسمها مجلس شورى الجمهورية الإسلامية أو مجلس حماية الدستور ويتم انتخاب أعضائه كل أربع سنوات في انتخابات شعبية مباشرة.
ما دور الحرس الثوري ومن هم الباسيج؟
الحرس الثوري الإيراني أو «حراس الثورة الإسلامية» أو «فيلق القدس»، هو قوة موازية للجيش النظامي الإيراني ويقوده قاسم سليماني ومهمته تصدير الثورة الإيرانية إلى الدول المجاورة، وأبرز أذرعه في المنطقة حزب الله في لبنان، كما أن له علاقات قوية مع جماعة أنصار الله أو الحوثيين في اليمن. ولا يخضع الحرس الثوري لمؤسسة الرئاسة ولا قيادة الجيش النظامي وإنما يعد أقرب للمرشد الأعلى.
الحرس الثوري يسيطر بشكل كبير على قطاع ضخم من الاقتصاد الإيراني والتصنيع العسكري، وقد صنفته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منظمة إرهابية.
أما الباسيج فهم قوات أمنية شبه نظامية موازية لقوات الشرطة الرسمية التابعة لوزارة الداخلية، والباسيج كما الحرس الثوري تتبع المرشد الأعلى.
ما قصة الجناحين الإصلاحي والمتشدد في إيران؟
ترجع قصة وجود ما يعرف بجناح متشدد وآخر إصلاحي إلى تاريخ قيام الثورة الإسلامية في إيران قبل 40 عاماً، وتجسدت مع أول رئيس تنتخبه إيران بعد الثورة وهو أبو الحسن بني صدر الذي أقاله الخميني من منصبه بعد 9 أشهر فقط من انتخابه واضطر للفرار خارج البلاد، وهو ما يشبهه البعض بما يحدث الآن بين المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني.
خامنئي نفسه أشار لذلك الصراع علناً العام الماضي عندما حذر من تكرار «تجربة العام 1980″، بعد أن خرج الصراع بين جناحي السلطة في النظام الإيراني من السر إلى العلن، وهذه قصة تتطلب وقفة.
في أول انتخابات تشهدها إيران بعد الثورة، كان بني صدر مرشحاً معتدلاً أو إصلاحياً في أفكاره المتعلقة بالانفتاح على العالم في مواجهة مرشح المعسكر الأكثر تشدداً والمدعوم من مجلس خبراء القيادة وكان علي خامنئي (المرشد الحالي) وقتها يشغل منصب مساعد وزير الدفاع وهو أيضاً أحد رجال الدين المتشددين الذي كان يقف في المعسكر المعارض لبني صدر.
بعد فوز بني صدر بغالبية أصوات الإيرانيين وتولي منصب رئيس الجمهورية، شن المتشددين حملات منظمة ضده داخل البرلمان وفي الإعلام الموالي لهم، وخرجت تظاهرات معارضة قابلتها أخرى مؤيدة وسقط ضحايا في تلك التظاهرات، ثم قام البرلمان الإيراني باستجواب بني صدر واتخذ الخميني قراراً بإقالته من منصبه في يونيو1981.
ما سبب الصراع بين روحاني وخامنئي؟
استمر الصراع بين جناحي الحكم في إيران إذاً منذ قيام الثورة حتى الآن، وكانت محطة انتخابات الرئاسة عام 2009 إحدى حلقاته، حينما شهدت إيران تظاهرات حاشدة احتجاجاً على نتائج الانتخابات التي فاز فيها الرئيس المدعوم من المتشددين أحمدي نجاد بفترة ثانية، واعترض المعسكر الإصلاحي على النتائج متهماً المرشد وأتباعه بتزوير الانتخابات لصالح نجاد.
أما سبب الصراع بين الجناحين حالياً فهو الملف النووي أو بالأحرى طريقة التعامل مع الملف النووي، فالمعسكر الإصلاحي الذي يقوده الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف هم من خاضوا المفاوضات التي أدت في النهاية لتوقيع الاتفاق المعروف بخطة العمل الشاملة مع القوى الغربية (الولايات المتحدة تحت إدارة باراك أوباما وبريطانيا وفرنسا وألمانيا إضافة لروسيا والصين)، أما المعسكر المتشدد وفيه خامنئي والحرس الثوري بقيادة قاسم سليماني فكانوا يشككون دائماً في النوايا الغربية تجاه طهران ويرفضون التوقيع على الاتفاق.
كيف قوى انسحاب ترامب موقف المتشددين؟
أدى انسحاب ترامب من الاتفاق النووي العام الماضي وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على طهران وتشديدها في إطار سياسة الضغط القصوى إلى خروج الصراع بين جناحي الحكم في إيران من السر إلى العلن، حيث بدأ المعسكر المتشدد في توجيه انتقادات عنيفة وصلت إلى حد الاتهام بالخيانة لروحاني وظريف وتحميلهما المسؤولية عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد.
وأدت تلك الانتقادات إلى إعلان ظريف استقالته في فبراير الماضي في تغريدة على تويتر، ورغم رفض روحاني الاستقالة واستمرار ظريف في منصبه، إلا أن تلك الأزمة شهدت تصريحات كشفت بوضوح أن هناك تيارين متنافسين داخل النظام الإيراني، فقد دخل سليماني على خط الأزمة، وشن المتشددون داخل البرلمان هجوماً على ظريف وروحاني بسبب الاتفاق النووي وكيفية التعامل مع الأزمة.
وبينما كان روحاني يعلن إعطاء الفرصة للأطراف الأوروبية في الاتفاق كي تجد حلولاً دبلوماسية، كان خامنئي يعلن عدم ثقته في الأوروبيين ولا غيرهم، ووصلت الأمور بين الرئيس والمرشد إلى حد مطالبة الأول بانتخاب المرشد الأعلى بشكل مباشر من الشعب رافضاً قول المتشددين إن سلطة المرشد أعلى من أن تخضع للتصويت المباشر.
هل يستغل خامنئي انتفاضة البنزين للتخلص من روحاني؟
هذه الأجواء دفعت البعض من المراقبين للمقارنة بين الموقف عام 1981 بين المعسكرين والذي أدى لإقالة الرئيس الإصلاحي بني صدر من جانب الخميني الذي انحاز لمعسكر المتشددين، وتوقع أن تتم الإطاحة بروحاني قبل أن يكمل فترة رئاسته الثانية المفترض أن تنتهي في مايو 2021، والمؤشرات على ذلك كثيرة، لكن اختلاف الظروف الداخلية والإقليمية والدولية عما كانت عليه قبل 38 عاماً ربما تكون عاملاً في صالح روحاني.
استبعد تحليل نشرته مجلة المجلة عندما خرج الصراع بين خامنئي وروحاني إلى العلن قبل أشهر، أن يقدم خامنئي على حل «خصومته مع روحاني بذلك الشكل الذي حل به الخميني خلافاته مع بني صدر»، مستدلاً باختلاف الوضع السياسي والاجتماعي في إيران اليوم عما كان عليه وقتها، وكذلك الوضع الإقليمي والدولي.
لقد كان الخميني كمرشد أعلى ومؤسس للجمهورية الإسلامية يتمتع بشخصية كاريزمية، فيما لا يتمتع خامنئي بمثل هذه الشخصية، كما كان الخميني يحظى بدعم معظم الجماهير الإيرانية وكل الأطياف المشاركة في الحكم فيما تقلصت قاعدة المؤيدين لخامنئي تدريجياً منذ خلافته للخميني في عام 1989 وبلغت أدنى مستوى لها بعد قمعه لحركة الجماهير الإيرانية التي انتفضت ضده بسبب اتهامه بتزوير الانتخابات الرئاسية في عام 2009 لصالح أحمدي نجاد، ووصلت الأمور حد حرق صورته والهتاف ضده في انتفاضة البنزين الحالية.
لكن تظل الأمور مفتوحة على كل السيناريوهات في ضوء ارتفاع أصوات المعسكر المتشدد وتحميله سوء الأوضاع الاقتصادية لفريق روحاني-ظريف الذين أبرموا الاتفاق النووي مع الغرب، ومع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الشعبية، تزيد الحاجة لوجود «كبش فداء» يتم تقديمه على أمل تهدئة الشارع، وبذلك من الصعب التكهن بالاتجاه الذي قد تتخذه الأحداث في بلد يوجد به نظام حكم لا مثيل له في المنطقة وربما في العالم.