هل يتحول المحتجون العراقيون ضحيةً لـ«صراع الثيران» الأمريكي الإيراني في بلادهم؟
لم يمر الصراع الأمريكي الإيراني على أرض العراق كغبار حرب عابرة، فآلاف المتظاهرين العراقيين الذين تضج ساحات البلاد منذ أكثر من شهرين بهتافاتهم المطالبة برحيل الحكومة والنخبة السياسية الحاكمة، بسبب الفساد والتدخلات الإيرانية في شؤون الدولة، باتوا يملكون سبباً جديداً للإصرار على مطالبهم والنضال لتحقيقها.
ساحة صراع
يرى محتجون عراقيون أن رحيل النخبة السياسية الحاكمة بات أمراً مُلحاً؛ لأنه إضافة إلى الفساد وإهدار الأموال العامة، حولت هذه النخبة البلاد إلى ساحة للصراع بين الدول، الأمر الذي يهدد استقرارها وسيادتها.
ومن جانب آخر، فإن المتظاهرين باتوا يخشون من أن التطورات الأخيرة في البلاد قد تجعلهم هدفاً للفصائل العراقية الموالية لطهران، التي تنظر للاحتجاجات على أنها «مؤامرة أمريكية-إسرائيلية».
وقتل قائد فيلق «القدس» بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في ضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد في 3 يناير/كانون الثاني الجاري، وهو ما دفع إيران للرد بعد أيام، بإطلاق صواريخ باليستية على قاعدتين عسكريتين تستضيفان قوات أمريكية شمالي وغربي العراق، دون وقوع إصابات.
سبب آخر للإطاحة بالأحزاب الحاكمة
أحد المشاركين في احتجاجات ساحة «التحرير»، وسط العاصمة بغداد، طلال الداوودي، يقول لمراسل الأناضول، إن «المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران على الأراضي العراقية توحي بفشل الأحزاب الحاكمة في إدارة الملف الخارجي،، فضلاً عن فشلها الذريع في الملفات الداخلية، حيث سوء الخدمات وانتشار الفساد على نحو كبير وغياب العدالة الاجتماعية».
ويضيف الداوودي: «التطورات الأخيرة منحت الاحتجاجات سبباً آخر للإصرار على رحيل هذه النخبة السياسية الفاسدة التي جعلت البلد ساحةً للصراع بين الدول».
وأثار النزاع الأمريكي الإيراني غضباً شعبياً وحكومياً واسعاً في العراق، وسط مخاوف من تحول البلد إلى ساحة نزاع مفتوحة أمام الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.
ويندد المتظاهرون في أرجاء العراق بالولايات المتحدة وإيران على حد سواء، حيث رددوا شعارات ورفعوا لافتات تطالب واشنطن وطهران بتصفية خلافاتهما خارج الأراضي العراقية.
مخاوف الانتقام
تداعيات الصراع الأمريكي الإيراني على الاحتجاجات العراقية تجسدت من ناحية ثانية بقلق لدى المتظاهرين من انتقام محتمل من قبل الفصائل العراقية الموالية لإيران، التي تعتبر التظاهرات «مؤامرة أمريكية – إسرائيلية»، لأن مطالبها تتضمن رحيل النخبة السياسية المقربة من طهران.
وحول ذلك يقول الناشط الداوودي إن «القلق ساد، ولا يزال، بين صفوف المتظاهرين من انتقام محتمل من قبل إيران ووكلائها في العراق». ويضيف: «وسائل الإعلام الإيرانية وتلك المملوكة للفصائل العراقية الموالية لها تحرّض ليلاً ونهاراً ضد المتظاهرين وتصفهم بعملاء الولايات المتحدة وإسرائيل».
ويتابع: «رغم أن الارتياح ساد بين صفوف المتظاهرين على خلفية مقتل سليماني، إلا أننا لا ندين بالولاء إلا لوطننا. نريد عراقاً حراً مستقلاً لا يتبع لأي قوى إقليمية أو دولية».
مواجهات المتظاهرين و»الحشد»
ووقعت مشادات ومواجهات بين متظاهرين ومشيعين لجنازات رمزية لسليماني والقيادي في «الحشد الشعبي» أبومهدي المهندس الذي قتل معه في ذات الغارة، في عدد من مناطق البلاد.
إلا أن الوضع كاد أن ينفجر في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار الأسبوع الماضي، حيث أطلق مسلحو فصائل «الحشد الشعبي» النار على متظاهرين رفضوا مرور موكب جثمان المهندس عبر المدينة قادماً من البصرة نحو النجف، ما أدى لمقتل متظاهرين اثنين.
كما أضرم مسلحو «الحشد» النار في خيام المعتصمين في ساحة «الحبوبي» وسط مدينة الناصرية، وهو ما دفع المحتجين لاحقاً إلى إضرام النيران في مقر «الحشد» بالمدينة.
ويقول خليل عبدالرضا، وهو متظاهر في ساحة «الحبوبي» بالناصرية، للأناضول: «نريد من الأحزاب الحاكمة وفصائلها المسلحة أن تعلم بأننا لا نؤيدهم ولا نؤيد حليفتها إيران». وأضاف عبدالرضا: «نريدهم أن يرحلوا ويتركوننا بسلام، ويتركوا لنا بلدنا نحكمها بعيداً عن الهيمنة الإيرانية والأمريكية».
وأشار إلى أن «قوات الحشد تتهم المتظاهرين بأنهم يعملون لصالح الأجندات الأمريكية. لكننا نقول لهم إننا عراقيون نعمل لصالح بلدنا وليس لصالح أي دول خارجية، ولن نعود أدراجنا لحين استعادة قرار بلدنا وسيادته من أيدي الآخرين».
تداعيات أخرى للأزمة
يبدو أن تداعيات المواجهة العسكرية الأمريكية الإيرانية لم تنتهِ عند هذا الحد. فقد بدأت أحزاب وفصائل مقربة من إيران بطرح فكرة إعادة تكليف عادل عبدالمهدي لتشكيل الحكومة المقبلة نظراً لموقفه المنسجم مع تطلعاتها بشأن إخراج القوات الأمريكية من العراق.
وأجبر المحتجون حكومة عادل عبدالمهدي على الاستقالة، في الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويصرون على رحيل ومحاسبة كل النخبة السياسية المتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة، والتي تحكم منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.
ويشهد العراق احتجاجات غير مسبوقة منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تخللتها أعمال عنف خلفت 502 قتيل وأكثر من 17 ألف جريح، معظمهم من المحتجين، وفق إحصاء للأناضول، استنادًا إلى مصادر حقوقية وطبية وأمنية.
ويطالب المتظاهرون، أيضاً، باختيار مرشح مستقل نزيه لا يخضع للخارج وخاصة إيران يتولى إدارة البلد لمرحلة انتقالية تمهيداً لإجراء انتخابات مبكرة.
وقد تشهد البلاد مزيداً من التصعيد إذا تم طرح اسم عبدالمهدي مجدداً. ويرى الناشط في احتجاجات كربلاء فيصل الحنون في حديثه للأناضول، أن «طرح اسم عبدالمهدي مجدداً سيؤدي إلى تفجر الوضع بالبلد».
ويؤكد الحنون أن «المحتجين بعد كل هذه الدماء التي أريقت لن يقبلوا بأقل من مرشح مستقل نزيه لتشكيل الحكومة المقبلة، التي ستكون مؤقتة ومهمتها التحضير لانتخابات برلمانية نزيهة».
وأشار إلى أن «الفصائل والأحزاب المقربة من إيران ستعمل على إجهاض الاحتجاجات عبر افتعال المشاكل بشأن تواجد القوات الأمريكية بالبلد، لكننا نقول لهم إننا باقون إلى أن ترحلوا».