هل يبدو “حزب الله” عبئاً اقتصادياً على لبنان؟
قبل فترة قصيرة من الهجمات الإسرائيلية على لبنان ضد أهداف لحزب الله، أعلنت وزارة المالية الأمريكية عن فرض عقوبات اقتصادية على “بنك جمال ترست” اللبناني.
مفهوم عقوبات في هذه الحالة لا يوضح حجم الضرر المطلق الذي سيتعرض له البنك. في التعليمات التي نقلتها الإدارة الأمريكية للبنان، طلب منه إغلاق البنك وتجميد الودائع والبدء في تسديد الديون المستحقة للبنك. محافظ البنك المركزي في لبنان، رياض سلامة، سارع إلى تطبيق هذه التعليمات. فقد أعلن عن تجميد نشاطات البنك ونقل الودائع إلى البنك المركزي إلى حين إيجاد حل لها في بنوك أخرى. في تفسير لهذه الخطوة، وفقاً لصحيفة “هآرتس” العبرية.
قال سلامة بأن البنك المركزي سيضمن سلامة “الودائع القانونية” فقط. أي أن ممثليه سيطلب منهم تأكيد من هم أصحاب هذه الودائع القانونية ومن ليسوا كذلك، مع وزارة المالية الأمريكية. وبذلك يمكنون الإدارة الأمريكية من الوصول غير المسبوق للمؤسسة المالية اللبنانية.
باستثناء التصريح العام الذي جاء فيه بأن البنك متهم بالتعاون (بصورة فاسدة) مع حزب الله، لم يتم إعطاء أي تفسير للاتهامات أو المبالغ أو الأوقات التي تمت فيها هذه النشاطات ومن هو المسؤول عنها.
صاحب البنك أنور الجمال، الذي يشغل 400 موظف تقريباً في 25 فرعاً في لبنان وعشرات الموظفين في فروع البنك في العالم، لم يعرف بالضبط لماذا انقضت الإدارة الأمريكية على بنكه بالذات. قبل سنة تقريباً حظي الجمال بالمديح على تعاونه الوطيد بين البنك ووكالة المساعدة الأمريكية “يو.اس.اي” وعلى المشروع المشترك بعنوان “وفر وستكسب”، الذي استهدف تشجيع المواطنين في لبنان على زيادة توفيراتهم. حسب شهادات رجال اقتصاد في لبنان، فإن الجمال ليس سياسياً، وهو بعيد أن يقيم علاقة مع حزب الله. حسب قولهم، ربما كان في البنك موظفون ساعدوا حزب الله دون علم إدارة البنك، لكن لم يكن هناك أي مبرر لمعاقبة جميع الموظفين، وبالتأكيد آلاف الزبائن الذين لا يعرفون الآن ما هو مصير أموالهم، لأنه لا يمكنهم التأكد إذا كانوا موجودين في أي قائمة سوداء، أو أن ودائعهم ستحصل على وثيقة تحليل.
بنك “جمال ترست” ليس البنك الأكبر في لبنان، ولن تؤثر التداعيات الاقتصادية الفورية بسبب إغلاقه على شدة الأزمة الاقتصادية التي تسود في الدولة، والتي بدون العقوبة الجديدة هي غارقة حتى أسفل قدرتها المالية. الدين الوطني على لبنان يبلغ تقريباً 150 في المئة من الناتج الخام الإجمالي. احتياطي العملة الأجنبية هو 31 مليار دولار. ولكن معظمها مخصص للاستخدام كضمان من أجل تسديد الديون، ونافذة فرصها بالتنقيب الناجح عن الغاز في البحر المتوسط مرتبطة بترسيم الحدود الاقتصادية بينها وبين إسرائيل حتى قبل أن ترى أي دولار من البحر. ولكن إغلاق البنك، رغم تعهد وزارة المالية الأمريكية قبل سنة تقريباً بأنها لا تنوي المس بالبنوك في لبنان، أوضحت العبء الاقتصادي الذي يتسبب به حزب الله على الحكومة اللبنانية.
البنوك في لبنان تحذر من عقد صفقات مع حزب الله وممثليه. هم لا يفتحون حسابات لنشطائه أو من هو معروف بأنه يؤيد الحزب. ولكن ليس لديهم أي يقين بأن الإدارة الأمريكية لن تستل من السابق قضية تستخدمها كذريعة لفرض العقوبات.
حكومة لبنان تنتظر منذ سنة تطبيق قرارات لجنة الدول المانحة، التي تعهدت بأن تحول إليها قروضاً مريحة بمبلغ 11 مليار دولار. المشكلة هي أنه طالما أن في الحكومة وزراء من حزب الله، ستوقف الدول المانحة تحويل الأموال. هذه أموال كبيرة مخصصة للاستخدام في مشاريع لتطوير وإنتاج مداخيل جديدة للحكومة. جمع الرئيس ميشيل عون أعضاء الحكومة وخبراء اقتصاديين مرتين في الأشهر الأخيرة في محاولة لبناء مخطط اقتصادي متفق عليه يمكن أن يقنع الدول المانحة ورؤساء الاقتصاد في لبنان بأنه هناك مخرجاً للأزمة، لكن لم يتم اتخاذ أي قرارات عملية حتى الآن.
في هذه الأثناء، تعمل البنوك مع البنك المركزي من أجل تهدئة السوق المحلية، وخلق شعور في أوساط الزبائن بأن الأموال آمنة. مثلاً، اقترحت البنوك على الزبائن فائدة تبلغ 15 في المئة على الودائع بالليرة اللبنانية. هذه المبالغ تودعها البنوك في البنك المركزي وتحصل في المقابل على فائدة تبلغ 21 في المئة. الزبائن الصغار الراضين عن هذا الترتيب، لا يدركون أن قدرة البنك المركزي على أن يدفع للبنوك الفائدة المرتفعة، يمكن أن تستنفد، وذلك ليس في المستقبل البعيد. في هذه الحالة، ثمة تخوف من أن البنك المركزي في مرحلة ما سيضطر إلى وقف استخدامه لهذا الاختراع، والإعلان عن تقليص مدفوعاته للبنوك وتقييد حجم شراء العملة الأجنبية، والتسبب بذلك بهرب جماعي لرؤوس الأموال إلى خارج الدولة أو إفلاس مئات آلاف المودعين.
حزب الله لا يعتبر جزءاً من هذه اللعبة؛ لأن أمواله لا تدار في البنوك اللبنانية. وإن أزمة بنكية كبيرة قد تعني أن المنظمة التي تفرض عليها عقوبات دولية ستكون لديها أكبر القدرات المالية في البلاد، الأمر الذي سيمكنها من الحصول على أصول إضافية بأسعار أرخص من التي تملكها بالفعل بمليارات الدولارات.
حزب الله يؤيد بالفعل أن تحظى حكومة لبنان بمساعدات دولية، التي سيأتي جزء منها للوزارات التي يتولاها، لكنه غير محتاج لهذه الأموال من أجل نشاطاته التنظيمية، فهو محصن أمام أزمة اقتصادية طالما أن مصادره لا تعتمد على القناة البنكية التي هي تحت الرقابة الدولية.