هل هناك صفقة إيرانية أمريكية تطبخ بالخفاء بسبب كورونا؟
بدلاً من أن يُخفِّف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العقوبات المفروضة على إيران، فرض عقوباتٍ جديدة ستؤدي إلى عرقلة جهود إيران في مكافحة فيروس كورونا.
ووسط مطالباتٍ عالمية بتخفيف العقوبات عن إيران، للسماح لطهران بمواجهة فيروس كورونا وتجنُّب كارثةٍ إنسانية، يُصر كبار المسؤولين الأمريكيين على أن حملة “الضغط الأقصى” التي تمارسها واشنطن لا تعيق تعامل طهران مع الجائحة، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
دول كبرى تطالب ترامب بتخفيف العقوبات الأمريكية على إيران
حثَّت كلٌّ من المملكة المتحدة والصين وروسيا وباكستان البيت الأبيض على تخفيف العقوبات. فيما أثار بعض الأعضاء البارزين في الكونغرس الأمريكي تلك المسألة أيضاً.
لكن إدارة ترامب تؤكد أن عقوباتها تستثني الأدوية والمساعدات الإنسانية، ومن ثم، فهي لا تؤثر في قدرة طهران على احتواء الجائحة.
يُذكَر أن الهدف المُعلَن للعقوبات هو خنق الاقتصاد الإيراني إلى الحد الذي يجبر الجمهورية الإسلامية على الالتزام بمطالب واشنطن بإنهاء برامج الصواريخ النووية والباليستية، ووقف دعمها للميليشيات المسلحة في المنطقة.
غير أن أنصار تغيير النظام الإيراني يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ يأملون بأن تؤدي العقوبات إلى اضطراباتٍ من شأنها أن تضمن انهيار الحكومة الإيرانية تماماً.
الوباء قد يزيد قوة النظام
في المقابل، انتقدت باربرا سالفين مديرة مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلنطي، في مقال في مجلة “الأمريكي المحافظ” الفكرة التي يسوق لها بعض الجمهوريين بأن الوباء قد يُعجّل بسقوط النظام الإيراني باعتبارها سخيفة.
وأضافت سالفين: “احتمال خروج مظاهرات حاشدة.. يبدو ضئيلاً في ضوء تعليمات الحكومة (للمواطنين) بالبقاء في المنازل والمخاوف العقلانية من أن التجمعات الحاشدة ستنشر الفيروس”.
ورأت أن “الحرس الثوري الذي يشرف على أغلب جبهات مواجهة فيروس كورونا وبناء المنشآت الصحة في البلاد، سيزداد قوة على قوة. وستتحول إيران رويدا من دولة دينية في ثوب جمهوري إلى ديكتاتورية عسكرية”.
وفي الآونة الأخيرة، قال الجنرال فرانك ماكينزي، المسؤول عن القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ إن انتشار فيروس كورونا سيجعل إيران الضعيفة “أكثر خطورة”.
يؤكد أنصار تخفيف العقوبات أن إيران لن تستطيع وقف انتشار فيروس كوفيد-19 بطريقةٍ فعَّالة داخل حدودها وخارجها إذا كان اقتصادها في حالة سقوط حر
وقالت باربرا سلافين: “لقد أسفرت العقوبات عن إضعاف الاقتصاد الإيراني إلى حدٍّ جعل البلاد غير مستعدة تماماً للتعامل مع هذه الأزمة”.
وأضافت: “المسؤولية عن ذلك تقع على عاتق الولايات المتحدة، التي انسحبت من الاتفاق النووي الإيراني في الوقت الذي كانت فيه طهران ملتزمةً التزاماً كاملاً به”.
عقوبات جديدة
في مايو من عام 2018، انسحب ترامب من الاتفاق متعدد الأطراف، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، الذي شهد التزام إيران بتقليص برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات المفروضة على اقتصادها.
ومنذ ذلك الحين، تُراكِم الإدارة الأمريكية عقوباتٍ على قطاعاتٍ مختلفة من الاقتصاد الإيراني، مُعيقةً قدرة البلاد على تصدير النفط، الذي يعد مصدراً بالغ الأهمية من مصادر الدخل القومي.
ومع انتشار فيروس كورونا داخل إيران وتحوُّلها إلى إحدى البؤر المُصدِّرة له، تدعو بعض المنظمات الحقوقية وحلفاء الولايات المتحدة وجماعات الضغط واشنطن إلى تعليق عقوباتها من أجل السماح لطهران باحتواء الوباء.
غير أن إدارة ترامب ما زالت مصرّة على مواصلة تطبيق عقوباتها.
وبدلاً من رفع العقوبات، أعلنت واشنطن في الأسبوع الماضي مجموعتين جديدتين من الإجراءات لإدراج شركاتٍ تتهمها بشراء النفط الإيراني والبتروكيماويات الإيرانية في القائمة السوداء.
النظام والمرض متحالفان
وجاءت العقوبات الجديدة مصحوبةً بتنبيه مفاده أن واشنطن لا تعوق المساعدات الإنسانية أو وصول الدواء إلى الإيرانيين.
إذ قال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين في بيانٍ أصدره في الأسبوع الماضي: “ستستمر إدارة ترامب في استهداف أولئك الذين يدعمون النظام الإيراني وعزلهم، وستظل ملتزمةً بتسهيل التجارة الإنسانية والمساعدات الإنسانية لدعم الشعب الإيراني”.
فيما ردَّد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو هذا المنطق نفسه، مؤكداً أن الباب “مفتوحٌ على مصراعيه” أمام المساعدات الإنسانية للإيرانيين.
وفي لهجة لا تخلو على الإطلاق من نبرة استغلال الأزمة، قال بومبيو إن “فيروس ووهان (حسب تعبيره) هو القاتل والنظام الإيراني شريكه”. ولكنه قال أيضاً إن الولايات المتحدة مع ذلك “حاولت عرض المساعدة”.
وقال بومبيو في مؤتمرٍ صحفي يوم الجمعة الماضي 20 مارس: “نفعل كل ما في وسعنا لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى البلاد، وضمان سهولة إتمام المعاملات المالية المرتبطة بها كذلك”.
وأضاف: “لا توجد عقوبات على الأدوية المتجهة إلى إيران. ولا عقوبات على دخول المساعدات الإنسانية إلى البلاد. لديهم مشكلة رهيبة هناك، ونريد أن تصل المساعدة الإنسانية والطبية ومساعدات الرعاية الصحية إلى الشعب الإيراني”.
وأكد أن واشنطن عرضت تقديم مساعدة إنسانية لإيران، ولكن لم تتضح الصورة التي قُدِّم بها هذا العرض ولا الوسيلة التي قُدِّم عن طريقها.
ومن جانبها رفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق عندما اتصل بها موقع Middle East Eye البريطاني.
الفيروس لا يلتصق بجنسيةٍ واحدة
وبعد ظُهر يوم الإثنين الماضي 23 مارس، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية “بيان حقائق” تتهم فيه الحكومة الإيرانية بسوء إدارة التعامل مع الفيروس، ونشر معلوماتٍ كاذبة حول آثار العقوبات الأمريكية. وانتقدت كذلك التغطية الإعلامية للأزمة.
وجاء في البيان: “ينبغي أن تكون وسائل الإعلام على قدرٍ أكبر من المعرفة يجعلها لا تُصدِّق الدعاية الصينية والروسية التي تضلل الرأي العام وتدفعه إلى الاعتقاد بأن العقوبات الأمريكية هي المسؤولة عن الوضع، ولا تنشرها”.
يُذكَر أن واشنطن، بعدما فرضت عقوبات شاملة على البنك المركزي الإيراني في سبتمبر الماضي، سمحت بإعفاءاتٍ إنسانية في فبراير الماضي من شأنها تمكين طهران من شراء الغذاء والدواء عبر قناةٍ مصرفية سويسرية.
لكن بعض المنتقدين يقولون إن الهدف المتمثل في تدمير الاقتصاد الإيراني متعارضٌ مع الرغبة في مساعدة إيران على مواجهة فيروس كوفيد-19، التي تتطلَّب موارد مالية ضخمة.
إذ قال رايان كوستيلو، مدير الشؤون السياسية في منظمة المجلس الوطني الإيراني الأمريكي: “أعتقد أن الإدارة تحاول تحقيق شيئين متضادين هنا: فهي تريد انهيار الاقتصاد الإيراني تماماً وتسعى إلى إحداث اضطرابات في البلاد، وفي الوقت نفسه، تنأى بنفسها عن آثار تلك التصرُّفات، التي تشمل خنق التجارة الإنسانية مع إيران”.
وأضاف أن الإيرانيين، مثلهم مثل الأمريكيين والشعوب الأخرى في جميع أنحاء العالم، يعانون التداعيات الاقتصادية للفيروس، لكن ما يُفاقم معاناتهم أنهم مضطرون كذلك للتعامل مع الضغط الإضافي الذي تُشكِّله لعقوبات.
وأوضح كوستيلو أن التخفيف المحدود لإجراءات العقوبات الأمريكية لن يكون كافياً، مضيفًا أنه حتى لو استطاعت إيران الحصول على كمياتٍ كبيرة من الأدوية، فلن يُجدي ذلك نفعاً كبيراً إذا لم يستطع الإيرانيون تحمُّل نفقاتها أو الحصول على إجازةٍ من العمل.
وقال كوستيلو لموقع Middle East Eye: “ما نُطالب به هو تخفيف العقوبات بدرجةٍ كبيرة، حتى لا يتعرض الاقتصاد لضغوطٍ شديدة”.
هل تسبب إيران في نقل كورونا للأمريكيين؟
وإلى جانب الصين وإيطاليا، أصبحت إيران إحدى البؤر الرئيسية لفيروس كورونا، في ظل ظهور أكثر من 25 ألف حالة إصابة بالفيروس ووفاة حوالي ألفي شخصٍ بسببه في البلاد.
لكن انتشار فيروس كورونا في إيران لا يُمثِّل مشكلةً للإيرانيين فقط، بل امتد تفشي المرض في الجمهورية الإسلامية إلى دولٍ مَلَكية عربية وبعض مراكز التجارة العالمية في مختلف أنحاء الخليج حيث تتركز بعض القوات الأمريكية.
وفي هذا الصدد، قال كوستيلو: “الفيروس لا يلتصق بجنسيةٍ واحدة دوناً عن الجنسيات الأخرى. بل يزداد انتشاره كلما أصيب به مزيد من الأشخاص. لذا يجب أن تكون إحدى أولويات الأمن القومي هي محاولة احتوائه أينما كان”.
فيما قالت باربرا إن تقويض جهود وقف انتشار فيروس كوفيد-19 في إيران سيسفر عن تداعياتٍ لن تقتصر على الجمهورية الإسلامية.
وأضافت: “هذا تصرُّفٌ خاطئ من منظور الصحة العامة. وخاطئٌ إذا كنت تريد احتواء انتشار الفيروس في المنطقة، بل وغير إنساني”.
طلب قرض من صندوق النقد الدولي لأول مرة منذ 60 عاماً
ومن جانبه دعا وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف -المُدرَج شخصياً ضِمن قائمة العقوبات- المجتمع الدولي يوم الإثنين الماضي إلى تحدِّي واشنطن وإجراءاتها ضد طهران من أجل مساعدة بلاده في المشاركة في الجهود العالمية ضد جائحة فيروس كورونا.
إذ كتب تغريدةً على تويتر قال فيها: “الولايات المتحدة لا تصغي، وتعيق جهود المكافحة العالمية لفيروس كوفيد-19. لذا فالعلاج الوحيد هو رفض العقاب الجماعي الذي تمارسه الولايات المتحدة. وهذه ضرورة أخلاقية وبراغماتية”.
فيما اتَّهم الرئيس الإيراني حسن روحاني المسؤولين الأمريكيين بالكذب بشأن رغبتهم في مساعدة إيران في مكافحة فيروس كوفيد-19.
وقال روحاني: “إذا كانوا يريدون مساعدة إيران، فكل ما عليهم فعله هو رفع العقوبات”.
وكذلك وجَّه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي انتقاداتٍ إلى واشنطن، بل وأشار إلى أن الولايات المتحدة قد تكون مسؤولة عن تخليق الفيروس الذي نشأ في الصين.
ويبدو أن إيران في حاجةٍ ماسَّة جداً إلى السيولة النقدية لدرجة أن طهران لجأت إلى صندوق النقد الدولي لأول مرةٍ منذ عقود، طالبةً الحصول على قرضٍ بقيمة 5 مليارات دولار لمكافحة الفيروس المستجد.
وهذه المرة الأولى منذ 60 عاماً التي تطلب فيها إيران قرضاً من الصندوق الدولي. وقال متحدث باسم الصندوق لـ”بي بي سي” إن المؤسسة المالية أجرت “محادثات مع السلطات الإيرانية من أجل توضيحات أكثر بشأن طلبهم بالتمويل الطارئ”، وأن المحادثات “ستتواصل في الأيام والأسابيع المقبلة”.
وقالت باربرا إن واشنطن لديها القدرة على استخدام حق النقض (الفيتو) ضد الطلب لأن إيران مدرجة في قائمة “الدول الراعية للإرهاب” لدى وزارة الخارجية الأمريكية.
وأضافت: “إذا منعوا هذا الطلب فسيكون ذلك دليلاً آخر على أن هذه الإدارة تكذب جملةً وتفصيلاً في قولها إنها تهتم بالمواطنين الإيرانيين العاديين”.
هل هناك صفقة تطبخ في الخفاء؟
بالنظر إلى التصريحات المتبادلة بين الجانبين، ليس هناك أي أمل في تحسن العلاقات الأمريكية الإيرانية.
لكن موقف واشنطن في صندوق النقد الدولي من منح القرض لإيران قد يكون مؤشراً على الوجهة التي تسير إليها العلاقات بين البلدين. ولا ينبغي في الواقع الوثوق بالتصريحات العلنية، حسب جوناثان ماركوس، محرر الشؤون الدبلوماسية والدفاع في “بي بي سي”.
فقد اتصلت الولايات المتحدة في فبراير/شباط بإيران عن طريق الحكومة السويسرية لتقول إنها “مستعدة لمساعدة الشعب الإيراني في مواجهة فيروس كورونا”.
وكان بومبيو، عندما أدلى بالتصريحات القاسية بشأن طهران وبكين، يأمل بأن تفرج إيران عن بعض الأمريكيين المحتجزين لديها.
ولعل الإفراج المؤقت عن البريطانية الإيرانية نازنين زغاري راتكليف يعتبر مؤشراً بسيطاً آخر على تغيير سياسة إيران.