هل ما زال الربيع العربي حياً في الأردن؟.. ديفيد هيرست: ما يجري الآن أكبر، وأمام الملك خياران كلاهما صعب
ربما تكون الأصوات المتصاعدة في الأردن هذه الأيام جديرة بأن تجعل الجميع ينصت لها لأنها بكل تأكيد ليست اعادة لسيناريو الانتفاضة الشعبية عام 2011 بل هي أكبر من ذلك، هكذا حاول ديفيد هيرست رئيس تحرير صحيفة Middle East Eye البريطانية لفت أنظار العالم إلى أهمية ما يحدث في المملكة الهاشمية.
ويرى هيرست أن احتجاجات عاميّ 1989 و199 كانت قبائل المحافظات الريفية هي من حرَّكتها، أما ما نشهده الآن هوَ أوَّل احتجاجاتٍ جماهيرية في تاريخ المملكة المعاصر، مع اندلاع 46 مظاهرةٍ مختلفة في مختلف مُدن البلاد. وكان الإضراب العام حدثاً قومياً، لم ما يُتوقَّع بعد بضع أيامٍ من مغادرة وفد صندوق النقد الدولي الأردن، بعد أن أجرى مراجعته الثانية لـ”برنامج الإصلاح” الاقتصادي للبلاد.
بل إنَّ هذا ما يحدث لشعبٍ فاض كيله بارتفاع الأسعار الشديد، وباقتصاده المنكمش، وبحكومته القائمة على المحسوبية، وبالانتخابات المُزيَّفة، وبالأحزاب الوهمية، بحسب “هيرست”. ويضيف: “باختصار؛ التوليفة الكاملة لعلل أية دولةٍ عربية معاصرة”.
على السعودية أن تراقب بانتباه!
يرى هيرست أن ذلك مشهدٌ مؤرق بالنسبة لأيِّ حاكمٍ “مُطلَق”، خاصةً على الجانب الآخر من الحدود السعودية، وبشكل أخص في فترة ما بعد الربيع العربي، الذي فشل إلى حد بعيد في تحقيق أهداف الشعوب.
ويتساءل هيرست مَن قال إنَّ الشباب والشابَّات، ومنهم 18.2% من العاطلين عن العمل، قد تخلوا عن الشارع؟ مَن قال إنَّ الاحتجاجات السلمية قد تُشعِل الفوضى والخراب؟ تتساءل الصحيفة البريطانية؛ فالأردن هو الدليل الحيّ أنَّ القوى التي حرَّكت انتفاضات عام 2011 ما زالت حيَّة وقادرة.
وتضيف: “ما الذي يضمنُ أنَّ النار المُتوقِّدة في اليمن يُمكن احتواؤها؟”.
لا مبالاة الرياض
يرى هيرست أن العاهل السعودي، الملك سلمان، وابنه محمَّد، لا يمتلكان شعورَ الألفة تجاه الهاشميين الذي تحلَّى به الإخوة الأكبر للملك. بالنسبة للملك السعودي، كان الأردن إمَّا معهم أو ضدُّهم، ولم تكُن هناك أية عاطفة يجدُر مراعاتها، وإذا لم تمتثل عمّان كلياً لأيِّ مخططٍ تُجهِّزه الرياض، فبإمكانها أن تذهب وتشنق نفسها.
ويقول هيرست أن الأردن لم يتلق قرشاً من السعودية منذ عامين، إذ كان قبل ذاك يستقبل ما يتراوح بين 1 و1.5 مليار دولار سنوياً نقداً، وعلى هيئة نفط.
وإلى جانب ذلك، أتت رسائل أخرى: أراد السعوديون، والإماراتيون، والإسرائيليون الضغط على الملك عبدالله، لقبول خططهم بوضع حدٍّ للنزاع الفلسطيني.
يقول هيرست كان لكلٍّ منهم دافعٌ مختلف؛ فقد أرادت الرياض وأبو ظبي حلَّ محل عمَّان في كونها المَدخل العربي للتفاوض مع إسرائيل. إذ إنَّهم راضون بالسكوت عن توحيد القدس والتخلِّي عن المطالبة بالقدس الشرقية عاصمةً للدولة الفلسطينية، أو بالتخلي عن حق العودة، وهو ما أبدت الأردن صلابة في رفضه، والآن أصبح استقرار المنطقة في خطر.
بذور الاحتجاجات الأردنية
ويرى هيرست أن هناك سخرية واضحة تتجلَّى في أحداث الأردن؛ إذ إنَّ البلد الذي أبقَى على مَلِكه وتفاخَرَ بعدم انضمامه لرَكب الربيع العربي في 2011، هو الآن بؤرة موجةٍ جديدة من الاستياء الشعبي.
ولدى الملك عبدالله الآن خيارٌ واضح ليتخذه، فبإمكانه الاستجابة لرغبات محمد بن سلمان، وأن يقبل بأن يصبح الأردن تابعاً آخر للسعودية أو يمكنه أن يبرِم صفقةً يحتفظ الأردن بموجبها بوصايته على الأقصى، ولكن في مقابل التخلي عن القدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطينية.
وبحسب هيرست حينها ستتدفَّق المساعدات والنفط السعودي مرةً أخرى، وكذلك الصادرات عبر الحدود، وبذلك يمكن تخفيف أزمة ميزان المدفوعات المزمنة.
كما يمكن، بحسب الكاتب البريطاني العثور على تابعٍ آخر ليخلف رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وسيعود كل شيء قريباً إلى وضعه المعتاد. وسوف تُحلَّ مشكلات الأردن مرةً أخرى من خلال طلبه للمال.
أو يمكن أن يدرك الملك عبدالله ما فعله والده الملك حسين منذ سنوات عديدة؛ فلكي تكون قائداً، عليك مواجهة المُتَنَمِّرين، ولم يُطلَق على الملك حسين لقب أسد الأردن من فراغ.
كان نظام الملك حسين دائماً ملكياً مطلقاً؛ ولكن حتى يوحِّد ابنه الأردن، ويحصل على دعم شعبه، فإن ذلك يعني الانتقال إلى ملكية دستورية وإتاحة تمثيل سياسي حقيقي.
وفي النهاية يعني ذلك تحمُّل مسؤولية الخلل الوظيفي، وإدراك أن الدولة الريعية قد ولى زمنها، فالإصلاح السياسي يتطلَّب أكثر من مجرد إجراءات بسيطة.