هل كانت إسرائيل على شفا حرب؟
عندما تخبو ضجة المهرجان ويتوقف الإعلام الإسرائيلي عن التربيت على كتف الجيش الإسرائيلي، سيكون هناك وقت للتعمق في الصورة التي تطورت فيها الحادثة على الحدود اللبنانية يوم الأحد. ملخص جولة اللكمات التي جرت في الشمال إيجابي: إسرائيل عملت من أجل إحباط عدة تهديدات من جانب إيران وحزب الله، فتصرف المستوى السياسي بمسؤولية، واستعد الجيش الإسرائيلي كما يجب لرد من لبنان، ثم انتهت الحادثة بدون إصابات في الطرف الإسرائيلي، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
هذه النتائج تبعث على الرضى المبرر، لكن هذا لا ينفي حقيقة أننا كنا قريبين جداً من تصعيد كبير مع حزب الله. هذا التصعيد حدث تقريباً بسبب خلل عملياتي خطير في الجيش الإسرائيلي، الذي والصدفة (كثير من الحظ، كما اعترف عدد من الضباط أمس) انتهى بدون إصابات. في الوقت الذي يسوقون فيه إنجازاً، يجدر بالجيش أن يحقق في هذا الخلل وبالصورة التي يمكن فيها أن تجر إسرائيل إلى مواجهة لم تكن ترغب فيها.
كما توقعت الاستخبارات مسبقاً، رد حزب الله إلى جانب الهجمات التي نسبها إلى إسرائيل – ضرب خلية من نشطاء الطائرات المسيرة قرب دمشق وقصف أحد المكونات الحيوية في خط إنتاج السلاح الدقيق في بيروت – وقع على حدود لبنان وتركز على هدف عسكري وليس مدنياً. اختار حزب الله طريقة عمل معروفة من الماضي، وهي إطلاق صواريخ مضادة للدبابات على قوات الجيش الإسرائيلي. أحد الصواريخ من طراز “كورنيت”، قيل، أصاب موقعاً عسكرياً إسرائيلياً في القيادة قرب موشاف افيفيم، لكنه لم يتسبب بإصابات. قيادة المنطقة الشمالية وفرقة الجليل استعدوا مسبقاً وقلصوا الأهداف التي كان من شأن حزب الله ضربها، وغيروا انتشار القوات. يمكن الافتراض بأن حزب الله وجه النار على أهداف فارغة في عدد من الحالات.
ولكن، ثمة صاروخان على الأقل وجها نحو هدف ملموس جداً، وهو سيارة إسعاف عسكرية محصنة (التي تسمى في الجيش “الذئب”)، كانت تسافر على الطريق بين كيبوتس يرعون وموشاف افيفيم. وفي ظل غياب قدرة على المس بالجنود في موقع ثابت، اضطرت خلية المضادات للطائرات لحزب الله إلى البحث عن هدف متحرك، وهذه مهمة معقدة أكثر على التنفيذ، لكنها ممكنة. في الفيلم القصير الذي نشره حزب الله يظهر كيف أن أحد الصواريخ أخطأ سيارة الإسعاف التي واصلت سفرها السريع. وتمكن الجنود الذين كانوا فيها، وهم خمسة، من التملص بسلام أيضاً من الصاروخ الثاني. معظم السيارات التي يستخدمها الجيش على طول الحدود غير محصنة من ضربة صاروخ “كورنيت”. لو أن سيارة الإسعاف أصيبت إصابة مباشرة وقاتلة، وكان كل الجنود فيها، لاستيقظت إسرائيل اليوم لتستقبل صباحاً مختلفاً تماماً، بدون أي احتفالات بالانتصار والتفاخر.
ما يقلق في هذه القصة هو أن سيارة الإسعاف ما كان عليها أن تكون هناك. كجزء من استعداد قيادة المنطقة الشمالية، تم استخدام طرق خلفية في الأيام الأخيرة، التي هي غير مكشوفة للنيران المباشرة من لبنان. ولكن لسبب لم يتم توضيحه بعد بصورة مؤكدة، أن طاقم سيارة الإسعاف، بقيادة طبيب، لم يختر الطريق الأكثر أمناً. ربما أخطأ الطاقم في التوجيه، وربما لم يعرف التوجيهات المفصلة. فعلياً، الطبيب ورجاله سافروا وهم مكشوفين لنيران حزب الله.
الشارع بين يرعون وافيفيم يوجد في الحلقة الثانية الأكثر بعداً للشوارع في منطقة الجدار، لكنه ما زال مكشوفاً للنيران، وما زال في مدى إصابة صاروخ “كورنيت”، 5.5 كم. ولو أن مطلق الصاروخ اللبناني كان مدرباً بشكل أفضل لكنا اليوم نغطي عدداً من الجنازات العسكرية. وليس أقل خطورة من ذلك، لأن الردود العسكرية لإسرائيل يجري إملاؤها بدرجة كبيرة من قبل عدد المصابين في كل عملية، وربما كانت ستجر الدولة إلى جولة تصعيد أكثر خطورة خلافاً للمصلحة المعلنة لها.
ليست هي المرة الأولى التي تحدث فيها حادثة كهذه، فللجيش الإسرائيلي مشكلة متواصلة في تطبيق الانضباط العملياتي في حالات الطوارئ. في تشرين الثاني الماضي كانت هناك حادثة مشابهة على حدود قطاع غزة، في التصعيد الذي اندلع بعد فشل عملية الوحدة الخاصة في خانيونس، أطلق رجال حماس صاروخ كورنيت نحو قوة لجيش الدفاع انتشرت قرب النصب التذكاري “سهم أسود” على حدود القطاع الشمالية. وأصاب الصاروخ الحافلة التي كانت فارغة بالصدفة. ولكن جندياً كان يقف هناك أصيب إصابة بالغة.
وفي الحادثة التي جرى الحديث عنها كثيراً في الأسابيع الأخيرة، في كانون الثاني 2015، حدث خلل يذكّر بحادثة أمس. حزب الله رد في حينه بإطلاق صاروخ كورنيت على قافلة للجيش الإسرائيلي كانت تتحرك على سفوح مزارع شبعا، بعد أن نسب إلى إسرائيل اغتيال جهاد مغنية وجنرال إيراني وخمسة مقاتلين من حزب الله. كان يسافر في الجيبات ضباط من كتيبة في لواء جفعاتي، وقد ذهبوا من أجل تعزيز الساحة إزاء التوتر. وبأثر رجعي، طرح سؤال إذا ما كان وجودهم ضرورياً هناك، وهل تم تطبيق كل توجيهات الأمان ذات العلاقة. وتبين أيضاً أن المكان الذي أصيبوا فيه موجود في نهاية مدى نيران صاروخ كورنيت من الكمين الذي وضعته الخلية فوق قرية الغجر في الأراضي اللبنانية.
أمس، سُمع الكثير من الثناء على استعداد الجيش الذي أرفق بانشغال مبالغ فيه (ربما ضار أمنياً) في مناورة التمويه التي استخدمت ضد حزب الله. حسب معرفتنا، لا يوجد لحسن نصر الله أي مصلحة في استمرار تبادل اللكمات مع إسرائيل الآن. وحسب مصادر إسرائيلية، نقل حزب الله أمس بشكل متعجل عبر حكومة لبنان طلبات للعودة إلى وقف إطلاق النار بصورة فورية.
ومن الأفضل عدم الاحتفال أكثر من اللزوم بنجاحنا في خداع حزب الله؛ أولاً، لأن عدواً مهاناً هو عدو له دافع مزدوج ومضاعف للانتقام. وثانياً، لأنه كان لإسرائيل -على الأقل في حالة سيارة الإسعاف العسكرية- حظ أكثر مما كان لها عقل. الضباط الذين تحدثوا مع الصحيفة لم يخفوا رأيهم: لا يوجد ما نتفاخر به في هذا القسم من الحادثة، ومن الأفضل التحقيق في هذه النقطة حتى النهاية، بما في ذلك اتخاذ إجراءات انضباطية مع المسؤولين من أجل أن تمر الرسالة إلى القادة الآخرين في الجيش.