هل سيعيد الأمريكيون سيناريو 2016 فيصوتوا لـ”الظاهرة الترامبية”؟
ظاهراً، كل شيء يبدو في غير مصلحته: فهذه أزمة كورونا التي تتعرض معالجتها للنقد، إلى جانب الاحتجاج والاضطرابات العرقية التي يعزوها بعض المحللين إلى “الانهيار الاجتماعي” لأواخر حكمه؛ وأخيراً الاستطلاعات التي تمنح في هذه المرحلة التفوق الكبير لخصمه جو بايدن.
يجدر بنا أن نتذكر بأن جرى هناك استطلاع في 3/6/2016 بتوقيت موازٍ إلى هذا الحد أو ذاك قبل الانتخابات السابقة، نشرته “رويترز” ومنح هيلاري كلينتون 45 في المئة تأييداً مقابل 35 في المئة فقط لترامب. على أساس هذه المعطيات واستطلاعات أخرى، ساد توافق في الرأي بين المحللين بفوز كلينتون في الانتخابات. أما النتيجة، كما هو معروف، فكانت مختلفة. والآن أيضاً كفيل أن يصوت غير قليل من الأمريكيين لترامب رغم أنهم لا يؤيدون كل أقواله وأفعاله. بل إن كثيرين يبلغون بأن الرئيس يبعث الحرج فيهم. بالنسبة لهؤلاء، فإن النظر إلى مرآة تصويتهم ليست متعة، ولهذا لا يسارعون إلى إشراك المستطلعين للرأي بها. ولكنهم يعرفون أيضاً بأن الاستطلاعات لا تغير الواقع، بينما الانتخابات تفعل ذلك.
رغم المعطيات الأولية، من السابق لأوانه تأبين ترامب. فكثيرون كفيلون بالعودة في التصويت له، والسبب سيكون التطرف في الواقع الذي يرونه أمام ناظريهم: انهيار ثقافة السلامة السياسية. فقد مل كثيرون الصياغات التي تجامل بالقول “السليم” على التصويت من أجل الحقيقة البسيطة. فظاهرة ترامب هي في أساسها تصويت احتجاج ضد الطريقة ما بعد الليبرالية التي يحمل شعارها المركزي تجميلاً وليس صدقاً.. تظاهراً وليس أصالة.. دكتاتورية فكرية بادعاء الليبرالية.
صحيح، ولدت ثقافة السلامة السياسية انطلاقاً من التطلع لإصلاح الأمراض الاجتماعية كالعنصرية أو التمييز بين الجنسين. وقد سعت إلى خلق معايير للخطاب النقي من الأحكام والإساءة إلى الجماعات التي تعد ضعيفة أو مقصية. غير أن نظام السلامة السياسية أقام، في نظر جماهير مختلفة، ثقافة خطاب مزدوجة وبالأساس مصطنعة.
إن الاحتجاج الشرعي، برعاية سياسيين خبراء إلى مظهر من السوقية، وإفساد الممتلكات والتحطيم الجماعي للنصب التاريخية، في الوقت الذي يتصاعد فيه الدخان من محل تجاري لكادح من أريزونا (بعد أن أحرقه “محتجون” كجزء من مطلب “العدالة الاجتماعية” و”المساواة”) ثم يأتي الرئيس السابق باراك أوباما، فجأة، بأقوال منمقة ومنقطعة عن الواقع: “يمكنكم أن تخلقوا حالة طبيعية جديدة، نزيهة، تمنح الجميع الفرص وتتعامل مع الجميع بشكل متساوٍ وتجسر بين الناس بدلاً من أن تفرق بينهم”. لقد مل كثيرون في أمريكا من محاكاة الحديث السليم والكلمات الجميلة، وأمام الرسائل المهندسة و”الصحيحة” يفضلون زعيماً حقيقته على لسانه.
وهذا ما يعطيه ترامب. لم يكن دائماً دقيقاً في تفاصيله (على أقل تقدير)، وعاطفياً، وفظاً ومهيناً.. ولكن، وهذا هو الأساس: الناتج أصيل. ما تراه هو ما تحصل عليه. في عصر يكون فيه الصدق البسيط نادراً جداً، فإن الأمريكي العادي يعرف كيف يقدر الأمر. ولهذا السبب انتخبه، ولهذا السبب سينتخبه مرة أخرى. في الانتخاب المرير بين المحرج والفظ، يبدو هو ذاته بين الأصيل والسياسي السليم المزايد والكريه، لعود كثيرون حينئذ كي يصوتوا في صالح الضد. حصل هذا في 2016، وهو كفيل بأن يحصل مرة أخرى في 2020.