هل سعت إسرائيل للسلم مع حزب الله بوساطة روسية؟
غداة تبادل إطلاق النار، واصل مسؤولون إسرائيليون توجيه تهديداتهم لحزب الله،وقالوا إنهم سيحبطون مشروعه لتطوير الصواريخ الدقيقة، فيما فرضت الرقابة العسكرية تعتيما على بعض تفاصيل المواجهة المحدودة في الشمال.
ويجمع عدد كبير من المراقبين على أن مشروع الصواريخ الدقيقة من شأنه تفجير مواجهة أوسع، ربما باتت مسألة وقت. ووسط ذلك شهدت إسرائيل جدلا داخليا حول مدى حكمة إسرائيل بالكشف عن “مناورة التضليل”، أو “الفخ” الذي نصبته لحزب الله، أو عن “السلم الذي منحته لنصر الله للنزول عن شجرة تهديداته” رغم المساس بسيادتها، فيما تحذر جهات متعددة من أن الوقت ما زال مبكرا لإغلاق حالة التأهب في الشمال.
وقال وزير الخارجية والمخابرات، يسرائيل كاتس، إن نقل مروحية إسرائيلية لـ”جنديين جريحين” إلى مستشفى رمبام في حيفا بعد إعلان حزب الله عن ضرب هدفين إسرائيليين هو “مناورة تضليل”، وخطوة تكتيكية عسكرية شارك في رسمها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو. وأوضح كاتس في تصريحات للإذاعة العامة، الأحد، أن إسرائيل لن تقبل بمشروع تطوير صواريخ دقيقة في لبنان تهدد كل بيت في إسرائيل، زاعما أنه من حقها ضربه، وأنها ستواصل محاولات منعه.
وتابع: “قاد نتنياهو سوية مع قادة الجيش الحدث الأمني في الشمال. يقوم الجيش بمناورات وحرب نفسية وأمور أخرى وفق قرارات المجلس الوزاري المصغر”.
من جهته وفي تهديد مبطن، قال وزير الأمن الداخلي، غلعاد أردان، للإذاعة ذاتها، إن مواجهة في الشمال ستحدث فقط بالتوقيت الذي تختاره إسرائيل. وتابع مهددا: “في حال خرجنا لنزاع عسكري واسع، فسيكون هذا بالتوقيت الأمني المريح لنا، والجيش جاهز لكل سيناريو”.
وتبعه الوزير يوفال شطاينتس بذلك، معربا عن رضاه مما حصل، ودافع عن كشف إسرائيل عن “المناورة”، فيما قال الوزير السابق نفتالي بينيت إن ذلك خطأ خطير، وسبقه عضو الكنيست يائير لبيد الذي سارع للقول في تغريدة: “الأطفال اليهود في شمال البلاد في الملاجئ لأن نتنياهو اختار خلط الأمن بالسياسة والتباهي بدلا من التصرف بصمت وسرية”.
وفي إسرائيل، هناك من يرجح استمرار تبادل النار لأن حزب الله سيحاول تغيير المعادلة وحيازة صواريخ دقيقة جدا، ولأن الباب ما يزال مفتوحا للمزيد من التطورات رغم أن الطرفين غير معنيين بالتصعيد وبحرب واسعة.
تضليل مدروس
وتعلل هذه الجهات رؤيتها بالقول إن مشروع تطوير صواريخ برعاية حزب الله يشكل تهديدا إستراتيجيا عليها. وكشف المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، أن هناك رقابة عسكرية تمنع نشر كافة تفاصيل ما جرى، مكتفيا بالقول إننا شهدنا “عملية تضليل مدروسة” تم تبديد أجزاء منها بعدما قال الوزير غالانت بعد ساعة من القصف المتبادل في الشمال: “لا مصابين في الجانب الإسرائيلي”.
ورجح هارئيل أن هذه نهاية جولة العنف الحالية، رغم أن الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى الحفاظ على مستوى تأهب مرتفع على طول الحدود، لعدة أيام مقبلة على الأقل، من أجل التأكد من أن حزب الله لا يُعدّ له مفاجأة أخرى. وأضاف هرئيل أن “الردع المتبادل ما زال مؤثرا. ويبدو أن الأمين العام المخضرم سيطر على المقود ولجم أفكارا ربما تعالت في القيادة العملياتية في الحزب حول تشديد الرد المخطط تجاه الجيش الإسرائيلي. وإذا جاء رد آخر من جانب حزب الله، فهذا سيكون مؤشرا بأن إسرائيل سارعت بالاحتفال بالنجاح”.
ويتابع هارئيل: “الحكمة تقتضي التستر على مناورة التضليل، بدلا من إهانة العرب والقول إننا أكثر ذكاء منهم، فربما يعود ذلك علينا كيدا مرتدا. الفكرة ذكية لكن إدارتها أقل حكمة”. كما اعتبر هارئيل أن هناك حظا قد حالف إسرائيل في الحادثة الأمنية المذكورة، معتبرا إطلاق صاروخ على سيارة إسعاف عسكرية مسلحة بالحديد كان من الممكن أن يؤدي لإصابات. وأضاف: “لا أعرف إذا كان يفترض أن تتواجد سيارة الإسعاف هذه هناك”.
اعتبارات وحسابات غريبة
واتفقت معه موظفة كبيرة في الموساد سابقا، الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، سيما شاين، التي قالت إن “قوة الردع غير دائمة، وهناك مصلحة للطرفين بعدم التورط بحرب واسعة لأن حزب الله لديه عدة اعتبارات منها خروجه للتو من سوريا والتزامه أمام حكومة لبنان التي يشارك فيها، فهذه المرة من الصعب عليه الذهاب لحرب. علاوة على ذلك، هناك عقوبات أمريكية على لبنان، وحزب الله لا يرغب بزيادة الطين بلة، ولا ننسى دور وتأثير فرنسا، وحزب الله يدرك أن مصلحة لبنان بعدم الدخول في حرب مدمرة”.
كما نوهت إلى أن إيران أيضا غير معنية بمواجهة واسعة، فهي تحتفظ بحزب الله لـ”اليوم المشهود ” إن اندلعت حرب كبيرة مع الولايات المتحدة أو مع إسرائيل مستقبلا، وعندها يمكن استخدام ترسانة صواريخ حزب الله. وتابعت في تحذيراتها وانتقاداتها: “نصر الله سبق وقال إن الرد محدود، وإن حزب الله لا يريد حربا واسعة كما إسرائيل أيضا. لا أفهم لماذا تسارع إسرائيل وتنشر كيف ضللت وغررت بحزب الله، ولماذا الكشف عن مناورة ذكية، بعكس ما كانت تقوم به إسرائيل من عمليات ناجحة جدا من دون الكشف عنها. كذلك لن تتمكن إسرائيل من القيام بمناورة تضليل مشابهة مستقبلا بعد الكشف المذكور”. وشددت على أن السلوك الإسرائيلي المعلن يلحق بنا ضررا، لا سيما أن هناك قضية مهمة جدا تتعلق بمشروع إستراتيجي لدى حزب الله هو مشروع الصواريخ.
وأضافت: “هذه ربما مباهاة زائدة وربما اعتبارات انتخابية. على الأقل تعليلات الوزراء والحكومة لم تقنعني. إسرائيل وسعت من حلبة المواجهة بإضافة لبنان والعراق، وينبغي التنبه إلى أن صبر إيران له حدود، ومفضل العمل بحكمة وبسرية وبعقل، خصوصا أننا نوسع الحلبة ربما أكبر منا”.
من جهته، يرى المدير الأسبق لمجلس الأمن القومي، الجنرال بالاحتياط، غيورا أيلاند، أن حزب الله هو حركة سياسية وقائدها أيضا كالسياسيين الإسرائيليين بحاجة لمكاسب سياسية، وتابع: “نحن نعي أنه لم يحقق مكاسب، ومع ذلك هو يفاخر بها، ولذا لا أفهم لماذا الثرثرة التي تحرج نصر الله وربما تدفعه لرد جديد”.
تهديد إستراتيجي
وقال أيلاند لإذاعة جيش الاحتلال إن الطرفين خرجا من دائرة التصعيد، وإن الكرة في الملعب الإسرائيلي الآن، متسائلا هل تتصرف بحكمة وهي تدير معركة واسعة مع عدة جهات في المنطقة، لا سيما أن نجاح حزب الله بامتلاك آلاف الصواريخ الدقيقة يعني معادلة إستراتيجية جديدة وخطيرة جدا.
وتابع: “عندما تتاح الفرصة للقيام بعملية جراحية موضعية لمنع حيازة نصر الله لصواريخ، فلا بد من ذلك لكن علينا التصرف بحذر وبعقل كي لا نسمح لهم بحيازة ترسانة صواريخ متطورة من جهة، وعدم الانزلاق لحرب واسعة من جهة أخرى”.
في السطر الأخير، وبخلاف هارئيل وشاين وآخرين ممن وجهوا انتقادات للحكومة ورئيسها، خلص أيلاند للقول: “إدارة الحكومة للجبهة الشمالية ممتازة، وإن كان هناك بعض التباهي الزائد وبعض الثرثرة التي يمكن الاستغناء عنها”.
ويعتقد عضو الكنيست، الجنرال بالاحتياط، أيال بن رؤوفين، أن هناك إمكانية لتصعيد مقابل سوريا وإيران، وأن تشهد الجبهة الشمالية تسخينا جديدا، وبنفس الوقت يشير لوجود عوامل كابحة أبرزها روسيا، معتبرا أن موسكو هي ” صاحبة البيت”، وأنها غير معنية بمواجهة واسعة في المنطقة.
” فشل ذريع”
واعتبر المحلل العسكري في “يديعوت أحرونوت”، أليكس فيشمان، أن أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، “مُني بفشل ذريع”، لأن الهجوم “لم يسبب ألما لإسرائيل من أجل ردعها عن مواصلة الهجمات المنسوبة لها في لبنان”، بعد أن “كانت لديه شرعية مطلقة في لبنان بشن هجوم واحد”.
وأضاف فيشمان: “لم تعد هناك شرعية لنصر الله، لا داخل لبنان ولا خارجه، لشن هجوم ثانٍ. بل على العكس، هجوم ثان سيصوره كمن يستبيح أمن لبنان ويمنح إسرائيل شرعية لتوسيع نيرانها”. ويقول إنه في إسرائيل يدركون المعضلة التي يواجهها نصر الله، وأنه لم يحصل على “قطعة اللحم” التي أراد أن يحصل عليها، ولذلك لم يخفض الجيش الإسرائيلي من تأهبه.
وتابع: “إذا نجح في إقناع الجمهور اللبناني بأنه سجل إنجازا عسكريا بإصابة موقع الجيش الإسرائيلي، فعلى الأرجح أنه سينزل عن الشجرة. وإذا تحول هذا الحدث إلى سلاح سياسي ضده داخل لبنان، فإنه قد يزج به في الزاوية، ويرتكب الخطأ الذي سيشعل حدود لبنان”. وأشار فيشمان إلى أن حالة تأهب القوات الإسرائيلية عند المنطقة الحدودية مع لبنان كانت واضحة للعيان، لافتا إلى الخدعة التي قام بها الجيش، بعد إطلاق الخلية لقذائف، بنقل جنود بمروحية عسكرية إلى مستشفى “رمبام” في حيفا، وكأنهم مصابون.
ويعتقد أن ثمة احتمالين قد وقعا: “إما أن حزب الله اختار عمدا هذه الأهداف وعلم أنه لن يكون هناك مصابون لدى الجيش الإسرائيلي، والجيش الإسرائيلي تعاون، أو أنه علم ببساطة أنه سقط في الفخ “. ويرى المحلل العسكري في “يسرائيل هيوم”، يوآف ليمور، أن احتمال شن حزب الله هجوما آخر ما زال قائما. وأضاف: “رغم أن حزب الله تذرع برده على مقتل ناشطيه خلال إحباط عملية الطائرات المسيرة في الجولان السوري، الأسبوع الماضي، لكنه سعى إلى الانتقام بالأساس لضرب جهاز تحسين دقة الصواريخ في الضاحية”.
المقابل وتحت عنوان “نتنياهو راض، ونصر الله مبسوط”، اعتبر المحلل العسكري لموقع صحيفة “يديعوت أحرونوت”، رون بن يشاي، أن نتائج عملية حزب الله والرد الإسرائيلي كانت مرضية للطرفين، إسرائيل وحزب الله. معتبرا أن نتنياهو راض لعدم وقوع إصابات وعدم نشوب حرب، بينما حقق الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، هدفه بالرد على الهجوم الإسرائيلي، الأسبوع الماضي.
وأضاف أن رد حزب الله لم يحقق أهدافه لسببين: “الأول هو التفوق الاستخباراتي للجيش الإسرائيلي، والثاني هو الانضباط العملياتي والاستعدادات المسبقة واتخاذ جوانب الحذر التي اتبعها الجيش، علما أن نصر الله هدد بالرد خلال أيام، وأعلن الجيش الإسرائيلي منذ ذلك الحين حالة تأهب قصوى”