هل تنقلب أزمة الفلسطينيين الاقتصادية لغماً ينفجر في وجه نتنياهو؟
ثلاثة ألغام أزالها بنيامين نتنياهو من الطريق في الأسابيع التي سبقت فوزه في الانتخابات. رئيس الحكومة علم أن مواجهات أمنية عشية الانتخابات يمكنها أن تصعب عليه في صناديق الاقتراع، وتعامل بمرونة بالحد الأقصى، إلى درجة الاستعداد للتنازل عن مبادئ واضحة من أجل تفكيك الألغام التي عرضت للخطر فوز الليكود: الوضع على حدود القطاع، وإضراب سجناء حماس في السجون الإسرائيلية عن الطعام، والتوتر في منطقة الحرم، وفقاً لصحيفة “هآرتس”.
في إحدى المناسبات قال نتنياهو لرجاله بأن المواجهة العسكرية في غزة هي فقط التي يمكنها أن تشوش على الفوز السياسي. لذلك، وافق على أن ينقل بواسطة المصريين وعوداً بتسهيلات بعيدة المدى على المعابر وعلى ضخ أموال من العالم العربي لتحسين البنى التحتية في القطاع بعد الانتخابات. الوضع على الحدود حساس، لكن هذه ما زالت الأسابيع الهادئة جداً التي عرفها سكان غلاف غزة منذ أكثر من سنة. للسبب نفسه وإلى جانبه الخوف من تأثير التوترات في السجون على الوضع في القطاع، سارع نتنياهو إلى العمل على وقف الإضراب عن الطعام. وقد تم وقفه بفضل التعهد الذي أعطاه للسجناء بتركيب، للمرة الأولى، هواتف عامة في الأقسام الأمنية في السجون. في الوقت نفسه توصلت إسرائيل إلى تفاهمات مع الأردن والأوقاف على إغلاق مبنى باب الرحمة مثار الخلاف لبضعة أشهر بغرض إعادة ترميمه من أجل وقف التوتر في الحرم.
في هذه الأثناء يأتي اللغم الأكثر تعقيداً على التفكيك ـ وليس فقط لأن نتنياهو دفنه بنفسه. في منتصف شهر شباط صادق الكابنت على قانون خصم رواتب الإرهابيين الذي يمنع تحويل المساعدة المالية الشهرية من السلطة الفلسطينية للسجناء الأمنيين. ورداً على ذلك، أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأنه سيرفض تسلم الأموال المتبقية من المقاصة ـ أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل من الفلسطينيين والتي تبلغ 9 مليارات شيكل في السنة، التي تعادل نصف ميزانية السلطة. النتيجة الفورية للمواجهة هي أزمة اقتصادية استثنائية في السلطة. رواتب أكثر من 160 ألف موظف من موظفي القطاع العام في الضفة الغربية خفضت بـ 50 في المئة تقريباً. وهذا هو الشهر الثاني على التوالي ـ قبل لحظة من بداية شهر رمضان الذي فيه تكون نفقات الفلسطينيين أكثر. لاحقاً، في هذه السنة من المعقول أن السلطة ستضطر إلى اتخاذ تقليصات أكثر شدة.
المواجهة حول أموال السجناء تضاف إلى الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها السلطة بسبب تقليص ميزانية الأونروا والوقف شبه التام للمساعدات من الولايات المتحدة، التي تتجمع معاً من أجل تقليص مليار شيكل تقريباً من الأموال التي تحصل عليها السلطة سنويًا. خلافاً لقطاع غزة، الضفة غير معتادة على أزمة شديدة كهذه. في الـ 14 سنة الأخيرة منذ خفوت الانتفاضة الثانية كان الوضع الاقتصادي في الضفة معقولاً جداً بمفاهيم المنطقة.
خلف تجميد تحويل الأموال للسجناء الأمنيين ثمة اعتبارات سياسية وتبريرات أيديولوجية. في اليمين طلبوا في السنوات الأخيرة وقف ما وصف كهدية للإرهاب. وقبل الانتخابات بشهرين وإزاء التحدي الذي وضعته أحزاب مثل إسرائيل بيتنا واليمين الجديد، ورغم تقديرات الاستخبارات التي قالت إن أبو مازن لا يمكنه الانسحاب مما يعتبر مبدأ وطنياً مقدساً لدى الفلسطينيين، استجاب نتنياهو للضغوط. هل هو مستعد لأن يوقف الآن، بسبب معرفته أن تشديد الأزمة الاقتصادية يمكن أن يصعب على التنسيق الأمني مع السلطة ويسرع مواجهات محتملة في الضفة؟ في جهاز الأمن هناك من يرون وجود فرصة ضيقة يستطيع رئيس الحكومة العمل فيها. الحكومة الجديدة لم يتم تشكيلها بعد، ونتنياهو يحظى بدعم كبير من الجمهور في أعقاب فوزه في الانتخابات. هو تقريباً يستطيع العمل كما يريد.
في الأسبوع الماضي اقترح رئيس حكومة السلطة الفلسطينية الجديد، محمد اشتية، خطة طوارئ اقتصادية لمئة يوم، إزاء الأزمة المالية. وضمن أمور أخرى، أعلنت السلطة عن وقف تمويل سكان المناطق الذين يحصلون على العلاج الطبي في إسرائيل. هؤلاء سيتم إرسالهم إلى مصر والأردن، وهناك سيتم علاجهم بتكلفة أقل، ولكن بجودة أقل أيضاً. اشتية دعا إلى وقف التعامل بالشيكل الإسرائيلي والعودة إلى زراعة الأراضي. عدد من الأفكار التي طرحها يبدو غريباً، لكن في أساسها تقف أيديولوجيا متبلورة أكثر ـ العودة إلى مقاربة الصمود، الموقف المتصلب الذي تبناه الفلسطينيون في فترات صعبة التي ظهر فيها أن العالم قد تخلى عنهم مثلما في الثمانينيات قبيل اندلاع الانتفاضة الأولى في 1987.
أقوال اشتية تعكس اليأس الشديد في الطرف الفلسطيني، الذي يشتد إزاء التقارير حول صفقة القرن للإدارة الأمريكية، التي تم تأجيل عرضها حتى شهر حزيران بعد شهر رمضان. لا يوجد للرئيس ترامب ومساعديه حتى التفاخر بالظهور كوسطاء نزيهين بين إسرائيل والفلسطينيين، وللفلسطينيين أسباب كثيرة من أجل القلق. التسريبات حول الخطة تبشر بأن الولايات المتحدة تريد أن تعرض على الفلسطينيين أقل من دولة؛ في مقابلات الوداع إثر تركه لوظيفته، حذر السفير الفرنسي في واشنطن، جيرار آرو (في السابق كان سفيراً متميزاً لبلاده في إسرائيل وله صداقة مع شخصيات رفيعة كثيرة هنا) من أن إسرائيل تنزلق نحو نظام الأبرتهايد في المناطق؛ مستشار رئيس الحكومة، يونتان اوريخ، تفاخر في مقابلة مع «المصدر الأول» بأن نتنياهو نجح في «تحقيق الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، وبالأساس حطم حلم الدولة الفلسطينية في هاتين المنطقتين». وفي قائمة طلبات توحيد أحزاب اليمين في المفاوضات الائتلافية، هناك أيضاً فرض السيادة على المستوطنات في الضفة وكذلك إجازة قانون الحصانة الذي يمكنه أن يضمن بقاء نتنياهو في الحكم لسنوات عديدة.
دعم ترامب الواضح لنتنياهو يؤدي إلى ثقة مبالغ فيها إلى درجة الغرور في اليمين، التي تتعزز إزاء لامبالاة المجتمع الدولي بضائقة الفلسطينيين. ولكن حتى لو تم للحظة تجاهل التداعيات الأخلاقية لاستمرار الاحتلال خلال سنوات، فهذه مقاربة خاطئة. وسواء طال الوقت أم قصر، المناطق يمكن أن تشتعل مرة أخرى. قبل بضع سنوات وضع قسم الاستخبارات في الجيش تحذيراً استراتيجياً أمام المستوى السياسي حول احتمال اشتعال كبير في المناطق. التحذير لم يتحقق، باستثناء موجة عمليات الطعن والدهس التي اندلعت في خريف 2015 وتم قمعها خلال بضعة أشهر. إن تمسك الاستخبارات العسكرية بالعودة إلى تحذيرها أثار عدم الرضى، وأحياناً حتى السخرية في أوساط الوزراء. ولكن مواصلة المنحى الحالي يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تحقق السيناريو المتشائم.
العقيد احتياط ميخائيل ملشتاين، خدم إلى ما قبل سنة في الجيش، ومن بين الوظائف التي تولاها منصب رئيس الساحة الفلسطينية في وحدة التحقيق في الاستخبارات العسكرية. ملشتاين قال أمس للصحيفة إن «سر الهدوء النسبي في الضفة الغربية خلال أكثر من عقد هو نسيج الحياة المستقر نسبياً. الذكرى الصادمة في أوساط الجمهور الفلسطيني من فترة الانتفاضة ومعرفة ثمن الخسارة، أوقفت حتى الآن حدوث انفجار كبير. حقيقة أن المناطق ما زالت هادئة تدل على الصدمة وعلى الاستيعاب التدريجي لمعنى الخطوات الاقتصادية التي تلقتها السلطة. ولكن الانفجار يمكن أن يأتي بسرعة».
ملشتاين قلق من احتمالية أن ينضم آلاف الفلسطينيين في الضفة إلى الاضطرابات العنيفة أو الأعمال الإرهابية، ومن ضربة أخرى في أداء السلطة، التي ستضعف سيطرتها على الأرض. جهات فلسطينية رفيعة، قال، تكثر من التحذير من المس بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، والعاملون في الميدان يمكنهم ترجمة ذلك إلى فهم أنه مسموح استخدام العنف. «حكومة إسرائيل يجب عليها أن تظهر البراغماتية مثلما تفعل في غزة»، قال. «إذا لم يحدث ذلك، فنحن سنصل إلى تدهور أمني سريع».
الإعفاء والعقوبة
يتواصل مجيء الهدايا من أمريكا حتى بعد الانتخابات. هذا الأسبوع أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن إلغاء الإعفاء من العقوبات، الذي منحته إدارة ترامب لثماني دول، واصلت في السنة الأخيرة استيراد النفط من إيران. هذه الخطوة تنضم إلى إعلان أمريكا هذا الشهر عن حرس الثورة الإيراني كمنظمة إرهابية، وإلى قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في أيار الماضي.
الولايات المتحدة تواصل استخدام سياسة ضغط بالحد الأقصى على النظام وفقاً للأفكار التي صيغت في الـ 12 بنداً لخطة بومبيو للتعامل مع إيران قبل سنة تقريباً. الأمريكيون يأملون بأن تسريع الضغط الاقتصادي سيجبر الإيرانيين على العودة إلى طاولة المفاوضات والبحث في صيغة جديدة للاتفاق. وسيطلب منهم أكثر مما طلب منهم في اتفاق فيينا من العام 2015 في عهد إدارة الرئيس اوباما.
الإدارة الأمريكية تعمل في سوق نفط مريحة نسبياً وتعتمد على تعهدات السعودية ودول خليجية أخرى لزيادة إنتاج النفط، بصورة لا تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط. ولكن إلغاء الإعفاءات سيؤثر على شبكة العلاقات التجارية المتوترة أصلاً بين الولايات المتحدة والصين، وهي إحدى الدول التي حظيت حتى الآن بالإعفاء الأمريكي. ترامب يعمل من خلال دعم السعودية وتشجيع إسرائيل، ولكن أوروبا ليست تماماً ضمن اللعبة. الأوروبيون مثل الروس والصينيين، يتمسكون باتفاق فيينا ولا يقدرون أن الخطوات الأمريكية ستثمر أي فائدة.
قبل تعيينه في وظيفة مستشار الأمن القومي، تعامل جون بولتون بإيجابية مع إمكانية إسقاط النظام في طهران. الوزير بومبيو، حسب تقارير في هذا الأسبوع في موقع «ايكسيوس»، قال لعدد من الإيرانيين في المنفى العكس: «لا يوجد للولايات المتحدة خطة عسكرية لمحاربة إيران. وهي لا تؤيد منظمات معارضة تعمل على تغيير النظام. الهدف هو العودة إلى طاولة المفاوضات. ولكن ليس مثلما في إدارة أوباما، ترامب لا يكتفي بقيود مؤقتة على المشروع النووي الإيراني وفرض الشفافية. الرئيس الأمريكي يريد أكثر من ذلك، يريد تعهداً بوقف التآمر وتقديم المساعدة لتنظيمات إرهابية في الشرق الأوسط.
مثلما في القناة الإسرائيلية ـ الفلسطينية، ترامب على قناعة بأن تجربته في عقد الصفقات العقارية ستساعده أيضاً في الحصول على صفقة أفضل من طهران. يبدو أن الإيرانيين في هذه الأثناء يرفضون التأثر، ومن المعقول أن يفضلوا إطالة الوقت على أمل أنه في تشرين الثاني 2020 سيخسر ترامب في الانتخابات، والرئيس الديمقراطي الذي سيحل مكانه سيطرح مقاربة مريحة أكثر بالنسبة لهم.
حسابات نتنياهو معاكسة في الهدف. أول أمس جاء في «هآرتس» أن ستة من المتنافسين على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة تعهدوا في الأسابيع الأخيرة بالتوقيع من جديد على الاتفاق النووي إذا فازوا في الانتخابات. في محيط رئيس الحكومة قلقون من تطورين محتملين ـ تحول الخلاف على العلاقة مع إيران إلى المسألة المركزية في الانتخابات وعودة أمريكا إلى الاتفاق في حالة فوز مرشح ديمقراطي.
الانشغال الكبير بذلك في واشنطن يثير الشعور بذعر معين في إسرائيل، وحتى ربما الرغبة في تسريع خطوات غير قابلة للتراجع عنها من قبل ترامب تجاه إيران، حتى قبل الانتخابات في الولايات المتحدة. في الساحة الأمريكية نتنياهو يضع كل البيض في سلة واحدة، سلة ترامب. إن تشابه المصالح بينهما يزيد الاغتراب تجاه إسرائيل، بالتأكيد في المعسكر الأكثر يسارية للحزب الديمقراطي. هذا الأسبوع قال أحد المرشحين البارزين في السابق السناتور بيرني ساندرز بأنه «يؤيد إسرائيل 100 في المئة، لكن حكومة نتنياهو حكومة عنصرية». قبل سنتين تقريباً كان يصعب تخيل حتى تصريحات كهذه من شخصية كبيرة ديمقراطية.
بين مملكتين
على هامش الأقوال، أعلن نتنياهو هذا الأسبوع بأنه سيسمي مستوطنة في هضبة الجولان على اسم ترامب كعلامة شكر على الاعتراف الأمريكي بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان. لا شك في أن نتنياهو يعرف، حتى أكثر من زعماء آخرين، الوقود الذي يحرك ترامب، وهو الحاجة غير النهائية للثناء وحسن النوايا الاستخذائية.
ذات مرة، قبل سنوات، اعتادت الاستخبارات الإسرائيلية الحديث عن سوريا، الدولة، بصيغة المفرد المذكر: ماذا يخطط السوري، ماذا سيفعل السوري. القصد كان الرؤساء: الأسد، والأب، وبعده الابن، وذلك على فرض أنه فقط شخص واحد هو الذي يقرر السياسة في دمشق. الآن وعلى الرغم من أنه يحكمها نظام ديمقراطي، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل تتصرف قليلاً كممالك: الزعيم أ يعلن أنه سيسمي مستوطنة على اسم الزعيم ب. بهذا لا تنتهي خطوط التشابه بين الدولتين. ترامب تخلص بصعوبة من تقديمه للمحاكمة في قضية التدخل الروسي في الانتخابات، أيضاً بسبب أن المدعي الخاص، روبرت مولر، عمل حسب توجيهات وزارة العدل التي تقول إنه لا يمكن تقديم رئيس في منصبه للمحاكمة. نتنياهو عمل في نفس هذه الأيام من أجل أن يبلور في اللحظة الأخيرة خطوات تشريعية يأمل بأن تنقذه من الإجراءات القضائية ضده.
الخروج إلى مصر
صباح أول أمس، بعد وقت طويل من هرب الخيول من الإسطبلات، اختارت قيادة محاربة الإرهاب (تحت غطاء «مصدر أمني كبير») محاولة أن تغلق خلفها الأبواب. في العنوان الرئيسي في «يديعوت أحرونوت» دعي عشرات آلاف الإسرائيليين الذين اختاروا تجاهل تحذير الحملة وقضاء أيام عيد الفصح في سيناء، العودة فوراً إلى بيوتهم. التحذير من عمليات في سيناء، قالوا في مقر القيادة، بقيت على حالها. «اخرجوا من سيناء بأسرع وقت ممكن. لا تبقوا هناك، هذا أمر خطير». هذه الدعوة استقبلت بلامبالاة تامة.
تدفق الجمهور نحو سيناء ينبع أساساً من الفجوة الكبيرة في الأسعار لصالح شواطئ شبه الجزيرة مقارنة مع المواقع السياحية داخل إسرائيل. أيضاً التوقف الطويل في العمليات ضد السياح هناك يساعد على الشعور بالأمان بشكل متزايد، وربما أضيف إلى ذلك خوف أساسي من تدخل مبالغ فيه للسلطات في الاختيارات الشخصية التي يقوم بها المواطن. الدولة تناور هنا في منطقة حساسة، بسبب العلاقات القريبة مع مصر. العلاقة مع القاهرة وثيقة أكثر مما كانت دائماً. ومصر لا تريد أن تخسر مداخيل السياحة التي يجلبها السياح من إسرائيل. قبل بضع سنوات، على خلفية تحذير فوري من عملية إرهابية، أغلقت مصر لفترة قصيرة معبر طابا أمام السياح الإسرائيليين بناء على طلب من القدس. هذه الخطوة الاستثنائية لم تتكرر هذا الأسبوع.