هل تنجح روسيا في تفادي مواجهة إيرانية-إسرائيلية شاملة في سوريا؟
منذ انتصار الثورة الاسلامية في إيران عام 1979 دأب القادة الايرانيون على التأكيد على مناهضة إسرائيل والدعوة إلى ازالتها من الوجود لأنها “كيان غير شرعي يحتل أرضا اسلامية” حسب الخطاب الايراني المعهود.
بينما ترى إسرائيل أن إيران تمثل تهديدا على وجودها وأكدت على منعها من التوصل إلى إنتاج أو امتلاك اسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل. كما يكرر القادة الاسرائيليون التأكيد على منع ايران من توسيع وترسيخ وجودها في الشرق الأوسط.
وتراقب اسرائيل الأوضاع في جارتها الشمالية سوريا عن كثب منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011 وعملت جاهدة على النأي بنفسها عن هذه الأزمة التي تحولت الى حرب أهلية طاحنة منذ اواخر 2012.
استقبلت اسرائيل في البداية الجرحى السوريين وعالجتهم في مستشفياتها سرا لكن لاحقا أقامت مستوصفا على الحدود الفاصلة بين البلدين في مرتفعات الجولان المحتلة وبدأت بتقديم المعونات والاغاثة لآلاف السوريين النازحين.
مع تراجع القوات الحكومية السورية وسيطرة المعارضة على مساحات كبيرة من البلاد بدأت إيران بارسال آلاف المقاتلين للقتال إلى جانب القوات الحكومية وكانت البداية في بلدة القصير القريبة من الحدود اللبنانية حيث لعب حزب الله دورا أساسيا في المعارك ضد مسلحي المعارضة وطردهم منها عام 2013، وفقا لاذاعة “بي بي سي” البريطانية.
لعبت إيران والمقاتلون الشيعة الذين تديرهم دورا أساسيا في دعم الرئيس السوري بشار الأسد وفي الانتصارات العسكرية التي حققها منذ 2015 ونجاحه في طرد الجماعات المعارضة من معظم المناطق التي كانت تسيطر عليها.
مرحلة جديدة
تراجع القتال إلى حد بعيد خلال الأشهر القليلة الماضية وباتت المواجهات أقل حدة وتدور في جيوب صغيرة ومتناثرة. وتمكنت القوات الحكومية من حصر وجود المعارضة في جيب صغير في اقصى شمالي البلاد والذي يحظى بنوع من الحماية التركية.
ومع تراجع دوي المدافع تبدو إيران وروسيا منهمكتان بالتخطيط لوجودهما في سوريا على المدى البعيد.
تكتيك جديد
كرر جميع المسؤولين الاسرائيليين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو تحذيره لإيران من إقامة قواعد عسكرية في سوريا الأمر الذي يمكنها من تنفيذ هجمات عليها إنطلاقا منها.
وتقول إسرائيل إن طهران قامت بنشر عناصر من الحرس الثوري الايراني وأسلحة في عدد من القواعد العسكرية والمطارات.
وكثفت اسرائيل من وتيرة هجماتها وغاراتها الجوية على الأهداف العسكرية داخل الأراضي السورية التي تقول إنها قواعد إيرانية أو تتمركز فيها قوات إيرانية.
الهجمات الاسرائيلية على سوريا ليست جديدة فقد شنت عشرات الهجمات الجوية والصاروخية خلال السنوات القليلة الماضية وحتى قبل اندلاع الازمة السورية.
جرت العادة أن تلتزام إسرائيل الصمت عند شن مثل هذه الغارات التي يقال أنها كانت تستهدف شحنات الأسلحة التي كانت في طريقها إلى حزب الله اللبناني، إلا أنها بدأت مؤخرا تعلن عنها ولا تخفيها، وتقول إنها ضد “أهداف إيرانية” وتشمل مختلف أرجاء سوريا، حيث شمل أحد هجمات شهر مايو/آيار الماضي أكثر من 35 هدفا في جنوب ووسط سوريا وصولا إلى الحدود مع العراق شرقا.
وقالت اسرائيل وقتها إنها خاضت أكبر مواجهة عسكرية مباشرة مع ايران وأكبر عملية عسكرية في سوريا منذ حرب 1973.
تصعيد تدريجي
وبدأ التصعيد الكبير بين الطرفين في 10 فبراير/شباط 2018 عندما شنت الطائرات الاسرائيلية غارات على مطار تيفور وسط سوريا، حيث أقامت إيران قاعدة للطائرات المسيرة ( درون) هناك حسب المصادر الاسرائيلية وقتل في الغارة عدد من الخبراء والمستشارين الايرانيين.
جاءت الغارة بعد أن دخلت طائرة بلا طيار انطلقت من مطار تيفور إلى هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل فتصدت لها الطائرات الاسرائيلية واسقطتها. وقالت إسرائيل لاحقاً إن الطائرة كانت مسلحة.
وخلال الغارة الاسرائيلية على المطار تصدت وسائط الدفاع الجوي السورية للطائرات الاسرائيلية ونجحت في إسقاط طائرة فوق مرتفعات الجولان وردت اسرائيل على ذلك بتدمير عدد من قواعد الدفاع الجوي.
وفي 14 أبريل/نيسان تواترت أنباء عن انفجارات ضخمة في قاعدة عسكرية في جبل عزان في ريف محافظة حلب الشمالية قتل فيها عدد من عناصر مليشيا تابعة لإيران ونفى حزب الله والحكومة السورية هذه الأنباء.
وفي 30 أبريل شنت اسرائيل هجمات بصواريخ كروز وطائرات مقاتلة على أهداف في سوريا من بينها مستودع أسلحة قرب مدينة حماه وسط سوريا كما ذكرت الأنباء وتسببت الانفجارت التي تلت الهجوم بهزة أرضية شدتها 2.6 درجة على مقياس ريختر.
وقال المرصد السوري لحقوق الانسان إن 26 شخصا قتلوا في الهجوم، أغلبهم إيرانيون. كما شملت الغارات مطار النيرب العسكري المجاور لمطار حلب المدني.
أما الهجمات التي شنتها إسرائيل يوم 10 مايو/أيار فشملت ضرب أكثر من 35 هدفا بينها عدد من قواعد الدفاع الجوي، واستخدمت فيها الطيران الحربي وصواريخ كروز والمدفعية والدبابات.
وقال الجيش الاسرائيلي إنه استهدف عدداً كبيراً من المواقع العسكرية التابعة لايران في سوريا رداً على الهجوم الصاورخي الايراني على إسرائيل.
واتهمت إسرائيل فيلق القدس بالوقوف وراء الهجوم الصاروخي وأنه دفع ثمن ذلك.
يدرك الاسرائيليون أن الطرف الوحيد القادر على الحد من الوجود الايراني في سوريا أو التحكم به هو روسيا، صاحبة الكلمة الأعلى حاليا خاصة بعد أن نجحت في تحييد تركيا تقريبا في الأزمة السورية.
فلا غرابة أن رحلات المسؤولين الاسرائيلين إلى موسكر مؤخرا أكثر بكثير من رحلاتهم إلى واشنطن أو أي دولة أخرى، والهدف الوحيد لكل هذه الزيارات هو ضمان أمن إسرائيل عندما تستتب الأوضاع في نهاية المطاف لصالح الأسد كما تشير كل الدلائل.
لا يمانع الاسرائيليون كما أعلن أكثر من مسوؤل اسرائيلي عودة قوات الأسد إلى المواقع التي كانت عليها قبل عام 2011 حسب اتفاقية فصل القوات بين البلدين لعام 1974 شريطة إبعاد إيران أو المليشيا التي تديرها في سوريا عن حدود إسرائيل مسافة 40 كم على الأقل وهو الأمر الذي يتم التفاوض عليه بين إسرائيل وروسيا.
وقالت روسيا إن المطالبات بخروج إيران من كل سوريا بشكل كامل غير واقعية.
ومع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الايراني وتشديدها العقوبات على إيران وتصعيد خطابها ضدها، تجد اسرائيل أنها باتت في موقع أفضل لزيادة وتيرة عملياتها العسكرية ضد الوجود الإيراني في سوريا.